تعتبر واحدة من أصعب الآيات في كل الكتاب المقدس. بل وبمثابة حجر صدمة وصخرة وعثرة للكثرين الكلمات التي قالها الرب على فم ملاخي: “أَليْسَ عِيسُو أَخًا لَيَعْقُوبَ، يَقُولُ الرَّبَّ. وَاَحْببَتُ يَعْقُوبُ وَأّبًغَضْتَ عِيسُوَ” (ملا 1:2و3).
وكذلك إقتباس الرسول بولس لهذه الآية وتطبيقه لها في (رو 9: 11-13) حيث يقول: “لأنه وهما لم يولد بعد ولا فعلا خيراً أو شراً لكي يثبت قصد الله حسب الأختيار ليس من الأعمال بل من الذي يدعو قيل لها “إن الكبير يستعبد للصغير”. كما هو مكتوب: “أحببت يعقوب وأبغضت عيسو “.
والكل يسأل: هل الله يكره؟ ولماذا يحب يعقوب ويبغض أخاه عيسو؟ وهل الله يميز بين شخص وآخر؟ وهل عند الله محاباة؟ وما ذنب عيسو؟ وهل الأنسان مسير أم مخير؟ وهل إختار الله بعض الناس للحياة الأبدية. والبعض الآخر للهلاك؟
القس عزت شاكر
(5) لم يختر الله مجموعة من الناس للهلاك:
أننى أوكد أنة لا توجد في كل الكتاب المقدس أية واحدة تقول أن اللى أختار مجموعة من الناس للهلاك الأبدى. ولو أن هناك اية واحدة فيعنى أن الله ظالم. فما ذنب المختارين للهلاك؟ ولماذ يرضى الله بهلاكهم؟ وهل من العدل أو الأمانة أن يخلق مجموعة للهلاك؟! إن من يخلق مجموعة من البشر للعذاب الأبدى هو أله سادى يسر بأن يعذب الاخرين.
ولو كانت هناك أية واحدة في كل الكتاب المقدس تقول أن الله أختار مجموعة من الناس للهلاك الإبدى. فلماذا نكرز. ولماذا ننشغل بالبعديين، فمهما كرزنا فلا فائدة ولا جدوى من كرازتنا. فقد قرر الله هلاكهم.
لكن ما أفهمه من كلمة الله هو أن الهالكين هم الذين إختاروا بمطلق أرادتهم الحرة طريق هلاكهم. وهم الذين رفضوا يد النعمة الممتدة لهم. لذلك يقول الرسول بولس :” لِذلكَ أَنْتَ بِلاَ عُذْرٍ أَيَّهَا الانسان. ..أَمْ تَسْتَهينَ بِغِنَى لُطْفِه ِوَإمْهَالِه وَطُولِ أَنَاته. غيْرَ عاَلِمٍ أَنَّ لُطْفَ الله إِنَّما يَقتْادُكَ إِلَى التَّوْبَة؟ وَلَكَنَّكَ مِنْ أَجْلِ قسَاوَتِكَ وَقَلبِكَ غيْرِ التَّائِب ِ، تَذْخَرُ لِنَفُسِكَ غَضَباً في يَوْم الّغَضَبِ وَاسْتِعلَانِ دَيَنُونَة ِالله الْعاَدِلَة” (رو2:1-5).
فالشخص الهالك هو الذى قرر مصيره بنفسه. إن الله يريد خلاص كل إنسان ويتحدث لكل شخص بطرق ووسائل مختلفة. ولكن الهالك هو الذي يرفض. اقرأ معي ما يقوله الرب في العهد القديم: ” وَالآنَ يَا سُكَّانَ أُورُشَالِيمَ وَرِجَالَ يَهُوذَا. احْكُمُوا بّيْنِي وَبَيْنَ كَرْمِي. مَاذَا يُصْنَعُ أيْضاَ لِكَرْمِي وَأَنَا لَمْ أَصْنَعْهُ لَهُ؟ لِمَاذَا إِذِ انْتَظَرْتُ أَنْ يَصْنَعَ عِنَبَاً. صَنَعَ عِنباً رَدِيئاً؟ فَالآنَ أُعَرِّفُكُمْ مَاذَا أَصْنَعُ بِكَرْمِي: أَنْزِعُ سِيَاجَهُ فَيَصِيرُ لِلرَّعْيِ. أَهْدِمُ جُدْرَانَهُ فَيَصِيرُ لِلدَّوْسِ. وَأَجْعَلُهُ خَرَاباً لَا يُقْضَبُ وَلَا يُنْقَبُ. فَيَطْلَعُ شَوْكٌ وَحَسَكٌ” (إش 5: 3 – 6).
ويقول الرسول بولس: ” لَانَّهُمْ لَمْ يَقْبَلُوا مَحَبَةَ الْحَقِّ حَتَّى يَخْلُصُوا. ولأَجْلِ هذَا سَيُرْسِلُ إِلَيْهِمُ اللهُ عَمَلَ الضَّلَالِ، حَتَّى يُصَدِّقُوا الْكَذِبَ، لِكَيْ يُدَانَ جَمِيعُ الَّذِينَ لَمْ يُصَدِّقُوا الْحَقَ، بَلْ سُرُّوا بِالإِثْمِ” (2 تس 2: 10 – 11). إن الله لا يرسل لهم عمل الضلال ولكن يتركهم إلى ضلال قلوبهم، يتركهم إلى روح الضلال التي تبعوها وسروا بها.
ما أفهمه من كلمة الله هو أنه اختار جماعة للخلاص، للقداسة، للشهادة، أو كما يقول د. القس صموئيل يوسف: ” اختارنا لنكون آداة إعلان محبة الله ونعمته لكل شعوب الارض (إش 43: 10، 12). اختارنا لنذهب إلى العالم ونحيا له. لا لنحيا نحن في النور وكل إنسان آخر في الظلام. اختارنا لا لنُخدَم بل لنَخدُم ونعلن عن محبته لكل الشعوب التي خلقها “[1]. فنقرأ:
” كَمَا اخْتَارَنَا فِيهِ (أي في المسيح) قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ. لِنَكُونَ قِدِّيسِينَ وَبِلَا لَوْمٍ قُدَّامَهُ في الْمَحَبَّةِ ” (أف 1: 4).
” أَنَّ اللهَ اخْتَارَكُمْ مِنَ الْبَدْءِ لِلْخَلَاصِ، بِتَقْدِيسِ الرُّوحِ وَتَصْدِيقِ الْحَقِّ ” (2 تس 2: 13).
” الْمُختَارِينَ بِمٌقْتَضَى عِلْمِ اللهِ الآبِ السَّابِقْ …” (1 بط 1: 1 – 2).
” لأَنَّ الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ابْنِهِ، لِيَكُونَ هُوَ بِكْراً بَيْنَ إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ” (رو 8: 29).
ويتساءل الأخ ناشد حنا: ” هل عندما يختار الرب واحداً للخلاص، معنى ذلك أنه رفض الآخر؟ ويجيب: كلا. الله لا يرفض أحداً. الله اختار فقط للخلاص، لكن الذين رفضوا هم الذين لم يقبلوا الدعوة ولم يطيعوا الله ” 7 .
وما يؤكد هذا ما قاله بولس في الآيات التالية: ” فَمَاذَا نَقُولُ؟ أَلَعَلَّ عِنْدَ اللهِ ظُلْماً؟ حَاشَا! لأَنَّهُ يَقُولُ لِمُوسَى: ” إِنِّي أَرْحَمُ مَنْ أَرْحَمُ، وَأَتَرَاءَفُ عَلَى مَنْ أَتَرَاءَفُ”. فَإِذاً لَيْسَ لِمَنْ يَشَاءُ وَلَا لِمَنْ يَسْعَى، بَلْ للهِ الَّذِي يَرْحَمُ ” (رو 9: 14 – 16). أرجو أن تلاحظ أنه لم يقل ” إِنِّي أَرْحَمُ مَنْ أَرْحَمُ، وَأهَلك من أهلك ” كلا بل قال “إِنِّي أَرْحَمُ مَنْ أَرْحَمُ، وَأَتَرَاءَفُ عَلَى مَنْ أَتَرَاءَفُ”. فالرب عنده الرحمة والرأفة فقط. أما الهلاك فيجلبه الانسان على نفسه برفضه لنعمة الله. وهو يوزع مراحمه على الكل. ولو منع رحمته عن أي إنسان ما عاش لحظة واحدة. فهو يرحم الجميع. ويشرق شمسه على الأبرار والأشرار. ويعطى مئات بل آلاف الفرص لكل إنسان لكي يتوب ويتمتع بمراحمه الأبدية.
وقد تسألني: وما معنى قول الرسول بولس في عدد 18 “فَإَذاً هُوَ يَرحَمُ مَنْ يَشَاءُ، وَيُقَسِّي مَنْ يَشَاءُ “. أقول لك إن الله لا يمكن أن يكون مصدر القساوة وسببها فهذا يتعارض مع آيات عديدة في الكتاب المقدس مثل (ت 18: 25، يع 1: 13، 17). إنما الإنسان هو الذي يقسِّي قلبه ” الْيَوْمَ إنْ سَمِعْتُمْ صَوْتَهُ، فَلَا تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ” (مز 95: 7، 8).
فالمقصود هو ان الله بعد أن يكلم الانسان عشرات بل ومئات المرات بطرق مختلفة والانسان يرفض، يسلمه إلى قساوة قلبه كما قال لشعبه القديم:”أسمع ياشعبى فأحذرك. ..لا يكن فيك إله غريب، ولا تسجد لإله أجنبى. أنا الرب ألهك، الذى أصعدك من أرض مصر. فلم يسمع شعبى لصوتى، وإسرائيل لم يرض بى. فسلمتهم إلى قساوة قلوبهم ،ليسلكوا في مؤامرات أنفسهم” (مز81:8-12). وكما أعلن الرسول بولس: ” لذلك أسلمهم لله أيضا في شهوات قلوبهم إلى النجاسة. …لذلك أسلمهم الله إلى الهوان. … وكما لم يتحسنوا أن يبقوا لله في معرفتهم أسلمهم الله إلى ذهن مرفوض ليفعلوا ما لا يليق” (رو1:24و26و28)، راجع أيضا: (رو1:22-24:9، 14-17).
وقد تسأل: إذاً لماذا يقول الرسول في أية 17 “لانة يقول الكتاب لفرعون: “إِنَّى لِهذَا بِعَينْةِ أَقمْتُكَ ،لِكَىْ أُظْهِر فِيك قُوَّتِى ،وَلِكَىْ يُنَادَى بِأسُمِى في كُلَّ الارْضِ”. نجد أن الفعل في(خر9:16) نجدة يقول: “َوَلَكِنْ لأجُلِ هَذَا أَقمْتُكَ لأرِيَكَ قُوَّتِى وَلُيخْبَرَ بِأسُمِى في كُلَّ الارْضِ. نجد أن الفعل “أقمُتكَ “في اللغة العبرية هو (הֶעֱמַדְתִּיךָ) ويعنى (أبقيتك حيآ) وليس أقمتك بمعنى (خلقتك)، فالهدف من النص هو بيان صبر الله وطول أناته. ويقول آلان كول:الأمر الذى يثير الأنتباة هو أن بولس يبدو أنة أقتبس هذة الاية من الترجمة السبيعنية لا من النص الخاص بالترجمة المازورية.
وما يؤكد ذلك هو أن الرسول بولس يقول في عدد 19: فَسَتَقُولُ لِى: “لِمَاذَا يَلُومُ بَعْدُ؟ لاَنُ مَنُ يُقَاِومُ مَشِيئَتَةُ؟ “إن مشيئة أن الجميع يخلصون أن يتوب ويرجع كل إنسان عن شره. لذلك يرسل له مئات الأصوات. ومن يرفض هذة الأصوات يقاوم مشيئته. لذلك يتركه الله لقساوته. ولايقدر أن يلوم الله لأنه قاوم مشيئته. فهى ترد في ترجمة كتاب الحياة: “هنا فَسَتَقُولُ لِى: “لِمَاذَا يَلُومُ بَعْدُ؟ لاَنُ مَنُ يُقَاِومُ قصْدَهُ؟”.
وقد تسأل وماذا عن قول الرسول: “ألَعَل َّالِجْبلَةَ تَقُولُ لِجَابِلهَا: “لِماذَا صَنَعْتَنِى هَكَذَا؟” أَمْ لَيْسَ لِلخَزَّافِ سُلْطَانّ عَلَى الطينِ.أَنُ يَصنَعَ مِنْ كُتْلةٍ وَاحِدة ٍإنَاءً لِلكَرَامَةِ وأَخَر َلِلْهَوانِ؟ (رو9:20-21).
أقول إن الرسول بولس يريد إن يؤكد فكرة سلطان الله. ويظهر لنا أن الله حر في أختياره المسبق حتى لا يجهد أحد نفسه في فحص أمور الله التي لايمكن أن تفحص بعقولنا المحدودة. ولكن علينا أن ندرك أنه كلى العدل وكلى الرحمة والمحبة والإحسان. ولو عرفنا كل أسباب حكمة لقلنا أمين.
فإن كان للخزاف سلطان على الطين أن يصنع من إناء للكرامة وأخر للهوان. فكم بالحرى يكون الله الذى له كل السلطان علينا أن يفعل بنا مايشاء لكنه لا يفعل إلا الأفضل. إنه يصنع فقط أنية للكرامة ، لأن طبيعته نور وحبه وقداسة وصلاح وجوّد (مز145:9).
فعندما تعطى فناناً عظيماً ومحباً ورحيماً قطعة طين لن يصنع منها إناء للهلاك. لكن سيصنع إناء للكرامة. فكم بالحرى الله المحب الحنان الرحيم؟.
ويستطرد بولس قائلا: “فَمَاذَا؟ إِنَ كَان َالله، وَهُوَ يُريدُ أَنْ يُظْهرَ غَضبَه وَ يَبُيّنَ قَوتَة ،أحْتَمَلَ بأِناَةٍ كثِيَرةٍ أَنِيةَ غَضَبٍ مُهَيَّاَةَ لِلهَلاَكِ”لاحظ أن الرسول لا يقول إن الله هيأ تلك الأوانى للهلاك. حاشا. بل “أَنِيةَ غَضَبٍ مُهَيَّاَة لِلهَلاَكِ”. والكلمة “مُهَيَّأَةً “(اسم مفعول في صيغة ،،المبنى للمجهول) مما يدل على أنه ليس المسئول عن تهيئتها للهلاك. وفي محبتة “أحْتَمَلَ بأِناَةٍ كثِيَرةٍ ” فلا يمكن أن يكون قد أعدها للهلاك ،بل أنه يطيل أناته عليها ويحتملها، لأنه لايشاء أن يهلك أناس. ثم يكمل في عدد23: “وَلِكَىُ يُبَيّنَ غِنَى َمجْده عَلَى انِيَة رَحْمَه قَدْ سَبَقَ فَأَعَدَّهَا لِلمَجْدِ”. أرجو أن تلاحظ الفرق إنه يعد آوانى الرحمة.أما آوانى الهلاك فقد هيأت نفسها لذلك.
إنة يسر بالرأفة (مى7:18). بينما الدينونة هى عملة الغريب (إش28:21).
إنة يسر بأن يعطينا الملكوت ،ولكن لا نقرأعن جماعة أعطاهم جهنم.
إننا نقرأعن من سجلت أسماؤهم في السموات(لو10:20) لكن لا نقرأ عن من سجلت أسماؤهم في جهنم.
وفي يوم الدينونة العظيم سيفتح سفر الحياة ويطرح في بحيرة النار كل من لم يوجد مكتوبا فيه(رؤ20:15). ولكننا لا نقرأعن سفر الهلاك ،ليهلك كل من سبق فكتبهم في هذا السفر.
وسيقول للذين عن اليمين”تَعَالوُا يَا مُباَركى أَبِى رِثُوا الّملَكوتَ الْمُعدَّ لَكُمُ مُنْذُ تَأسيِسِ الُعَالَمِ” (مت25:34). لكنه لن يقول للذين عن اليسار: “أذْهُبوا عَنىَّ يَا مَلاَعِينُ إِلى النَّار الابِديَّةِ اْلمُعُدَّة لكم بل” إِلى النَّار الابِديَّةِ اْلمُعُدَّة لابليس وملائكتة ” (مت25:41).
إن فكرة إختيار مجموعة من البشر للهلاك الأبدى تنقض تماماً قول الرب يسوع: “من يقبل إلى لا أخرجه خارجاً” (يو6:37).
(6) لماذا أبغض الله عيسو؟
أود أن أوكد مرة ثانية أن الرب لم يقل لرفقة مطلقاً:”من البطن أحببت يعقوب وأبغضت عيسو”،ولم ترد هذة العبارة في أى موضع في الكتاب المقدس. بل قال في أخر اسفار العهد القديم ” أحببت يعقوب وأبغضت عيسو” (ملا1:2_3) وذلك بعد موت عيسو بحوالى 1400 سنة. بعدما أثبت عيسو عدواته ليعقوب. بل وعدواته لله أيضا. كما أثبت أستخفافه بكل المقدسات الإلهيه: إحتقاره للبكورية والبركة، ولدعوة الله بعد أن ظهرت شخصيته ووحشيته، بل وبعد أن كان نسله يسعى وبقوة لتدمير شعب الرب، ولإفساد المخطط الإلهى لخلاص البشرية. فالكلام كان عن نسل عيسو، وفي الحقيقة عندما نقرأ تاريخ عيسو الشخصى وتاريخ نسلة في الكتاب المقدس سنجد أنة تاريخ اسود تماما، ويكفي أن نقرأ ماسجلة كاتب الرسالة إلى العبرانين عنة ” لَئلاَّ يَكُونَ اَحَدٌ زاِنياً اَوْ مُسْتبَيحا كَعِيسُو. الّذِى لأجْلِ أَكْلَةٍ وَاحِدَةٍ بَاعَ بَكُوِريَتةُ”(عب12:16).
وكلمة مستبيح في أصلها تعنى: “لامقدسات في حياته،يعطى نفسه حق التصرف فيما لا يحق له أن يتصرف فيه” فالإستباحة تبيح كل شىء بلا ضوابط و بلا قيم. ويقول الأب متى المسكين: ” لقد شاع عن عيسو أنه كان صياد نساء كما كان صياد غزلان” (8). و يقول العلامة اليهودى فيلو: “كان عيسو إنسانًا غير منضبط، شهوانياً ،محباً للفسق غير طاهر”(9).
لقد باع عيسو المستبيح بكوريته بطبق عدس(تك25:27-32). وبالتالى خسر البركة. لقد كانت الربكة والبكورية يسيران معاً. كان البكر هو سيد العائلة وممثلها أمام الله وكاهنها. يقدم الذبائح نيابةً عنها ويصلى معها ويباركها ويرث في المستقبل نصيب أثنين. لكن عيسو أحتقر البكورية. ها نحن نسمعه يقول: “هَا أَنا َمَاضٍ إَلَى الْمَوتِ فَلِمَاذَا لِى بَكُوريَّةٌ ؟” (تك25:32)، لم يكن للبكورية قيمة او معنى في حياته. كان أعمى عن كل القيم الروحية الغالية. فهذة الأمور لا تقدر بثمن. للأسف هناك من يبيع الغالى بالرخيص. والأبدى بالزمنى. قال ألكسندر هوايت: لقد باعها في سره الآف المرات قبل أن يبيعها علانية. لقد خسر عيسو البكورية والبركة. ولا يلومن أحد الله على ذلك. فلقد باع عيسو البكورية بكامل أرادته و وعيه.
وما أجمل تعليق الأخ الحبيب يوسف رياض إذ يقول”حقا لا يقدر عيسو أن يقول إنه خسر البكورية لأن الله أراد له ذلك أو أن قضاء الله وقدرة هما المسئولان. كلا، فليس قدر الله بل قدر العدس، ولا أقول قِدر العدس. فالثمن الذى باع به بكوريته لم يكن قدراً من العدس بل مجرد “طبق عدس !” (10).
ويعوزنى الوقت لو أخبرت عن نسل عيسو السييء الردىء فهم أيضا نظير أبيهم بل أسوأ. فنحن لا ننسى عماليق حفيد عيسو، أول شعب هاجم بنى إسرائيل بعد خروجهم من مصر (خر17:8 ، عد14:45 ،1صم 15:1-4) فنقرأ: ” أُذْكُرْ مَا فَعَلةٌ بِكَ عَمَاِليقٌ في الطَّرِيقِ عِنُدّ خُرُوجِكَ مِنُ مِصُّر. كَيْفَ لآقَاكَ في الطِّريِق وَقطَعَ مِنَ مّؤخَّرِكَ كُل المُستَضعِفِينَ وَرَاءَكَ وَأَنْتَ كَلِيلٌ و َمُتعْبٌ وَلمْ يَخَفِ الله ” (تث25:17-19) وتحالفوا مع المديانيين لتدمير بنى إسرائيل (قض6:1-5). ثم نقرأ عن أجاج الذى جاء من عماليق (1صم15). ثم هامان الردىء الذى هو من سلالة أجاج (إس3:1،8:3).
إن خطايا نسل عيسو لاتعد ولا تحصى فنقرأ في سفر عوبديا: “تَكَبُّرُ قَلْبِكَ قدْ خَدَعَكَ أَيُّهَا في محَاجِىء الصَّخْرِ، رفْعَةَ مَقْعدَة ِالْقَائِلُ في قلْبِه: مِنْ يُحدًرنِى إِلَى الًارِضِ؟ مِن ْأَجًل ُظلْمِكَ لأخِيكَ يَعقْوبَ، يَغْشَاكَ الِخزْىُ وَتَنقْرضُ إِلىُ الاُبدِ. يَوْمَ وَقفْتَ مُقاَبِلَةُ يَوْمَ سُبَتِ الَأعَاجُم قَدرَتةُ، وَدَخلَتِ الْغُرِبِاءُ أَبْوَابَه، َوألقَوْا قُرْعَةَّ عَلَى أَوٌراشَليَمَ، كَنُتَ أَنْتَ أَيْضَّا كَوَاحِدٍ مِنْهُم ُ….كَمَا فَعَلْتَ يُفُعَلُ بِكَ.عَملَكَ يَرتَد ُّعَلَى رَأْسِكَ “(عو3-15).
ويقول عاموس: هَكَذَا قالَ الرَّبُّ: “مِنْ أَجُلِ ذُنُوبِ أَدُومَ الثَّلاَثةِ وَالاَربْعَة لاَ أَرْجِع ُلاَّنةُ تبَع َبِالسَّيْفِ أَّخَاةُ وَأَفُسَدَ” (عا1:11).
وأخيراً نقرأ عن الهرداسة في الأناجيل وسفر الاعمال تلك العائلة المستبيحة و القاتلة ! فبغضة الرب لعيسو هى إذ بغضة بارة. لا يشوبها ذرة واحدة من الظلم لآنة يستحق البغضة.
(7) ما معنى كلمة أبغضت؟
ما معنى أبغت عيسو؟ هل تعنى أن الله قد كره عيسو وأحب يعقوب. كلا وألف كلا ، وأرجو أن تقرأ معى الايات التالية:
” وَرَفَعَ يعْقُوبُ عَيْنيُةِ وَنَظَرَ وَأذَا عِيُسو مُقبْلٌ وَمَعَةُ أَرَبَعُ مِئَةِ رَجُلٍ. .. وَأَمَّا هُوَ فَاجْتَازَ قُدًّامَهُمُ وَسَجَدَ إِلَى الاَرْضِ سَبْع َمَراتٍ حَتَّى أقَتَربَ إلَى أَخيه. فَرَكَضَ عِيسُو لِلِقَائِة وَعَانَقَه وَوَقعً عَلَى عُنُقِةِ وَقَبلَةُ. وَبَكُياَ. ..فَقَالَ: “مَاذَا مِنْكَ كُلَّ هَذَا الْجَيْشِ الَّذِى صَادَفتُة؟” فقال: “لاَجِدَ نِعْمَةً في عَينْىْ سَيَّدِى”. فَقَالَ عِيسُو: “لِى كَثِير. يَا أَخِى لِيَكُنْ لَكَ الَّذِى لَكَ ” (تك 33:1-11).
من هذه الأيات نرى كيف أن الله بارك عيسو بركة عظيمة جدا. لدرجة أنه يقول ليعقوب “لي كثير. يا اخي ليكن لك الذي لك”. فلو كان الله قد أبغض عيسو بمعنى أنه كرهه كما يظن البعض، فلماذا باركه بكل هذة البركات ،وفاض عليه بكل هذا الغنى المادى؟
إذا، ليس المقصود بالحب والبغضة هنا البركة واللعنة وإلا كان الله قد لعن عيسو وافقره مادياً و كذلك ليس المقصود بيعقوب وعيسو كأشخاص بل القرينة الكتابية تعنى ماذكرت من قبل تدبير النسل الذى سوف يأتى منة المسيح مخلص العالم. فالله أختار أبراهيم ثم أختار إسحق الذى ولد عيسو وهو الأكبر ثم يعقوب وهو الاصغر وبحسب الشريعة عيسو هو المستحق للبكورية.
وكذلك بحسب الفكر البشرى يأتى المسيح من نسل عيسو البكر. لكن فكر الله لم يكن هكذا ، لا لأن عيسو قد صنع شراً ما ويعقوب صنع خيراً ما فالكتاب واضح إذ يقول: ” لانة وهما لم يولدا بعد ولا فعلا خيراً أو شراً لكى يثبت قصد الله حسب الاختيارليس من الاعمال بل من الذى يدعو” (رو9:11). لكن الرسول بولس هنا يريد أن يؤكد فكرة سلطان الله، ويظهر لنا أن الله حر في أختياره المسبق حتى لايجهد أحد نفسه في فحص أمور الله التي لايمكن أن تفحص بعقولنا المحدودة. ولكن من يريد أن يفكر فليضع بديهة قبل أن يفكر وهى أن الله كلى العدل وكلى الرحمة. ولو عرفنا كل أسباب حكمة لقلنا أمين. ولكن الله غير ملزم أن يشرح لنا كل الاسباب في إختياره، ولذلك علينا أن نقبل أحكامة بلا فحص، ولا نضعها تحت قياسات عقلنا القاصر، بل نقبلها بالرضى والشكر. ولثقتنا في عدل الله في اختياره فأننا نعلم أن الله يختار من يختاروه. وبلاشك هو يعرف بسابق علمه من سيتجاوب مع محبته ويقبل دعوته، حتى لو تعرض للسقطات والضعفات فنيته صادقة، ومن سيرفض ويقاوم محبته ونعمته.
وأنا أوكد أن الرسول لا يتكلم هنا عن المصير الأبدى لكل من يعقوب وعيسو. فليس المقصود أنه طالما أن الله أختار عيسو للهلاك الأبدى كلا فالكتاب لم يتحدث عن مصير عيسو الأبدى. فربما يكون قد تاب وندم وقبل نعمة الله. لكن المقصود أن الله له كل الحرية حسب مايراه مناسبا لخليقته أن ياتى أبنه من يعقوب وليس من عيسو.
في ضوء ما سبق أكرر إن كلمة “أبغضت” لا علاقة لها البته بالأختيار الأزلى أو المستقبل الأبدى وانما نعنى أمرين:
أولا: هى لا تعنى يكره او يحقد أو يعادى. بل تعنى أن هذة المحبة إذا قورنت بالمحبة الأخرى تبدو وكأنها كراهية. فمثلا يقول الكتاب: ” وَأَحَبُّ أَيْضًا رَاحِيلَ اَكٌثَرَ مِنْ لَيْئة. وَعًادَ فَخَدَمَ عِنْدَةُ سَبْعَ سِنيِن ٍأَخَرَ، وَرَأى الَّربُّ أُنَّ لّيئُةَ مَكْرُوهَةٌ فَفَتحَ رُحِمُهَا ” (تك29:30،31). الكتاب إذا اوضح ان يعقو ب أحب كلا من راحيل وليئة. إلا إنه أحب راحيل أكثر. فمن هذا المنطلق أعتبرت ليئة مكروهة.
وهو نفس المعنى الذى قصده الرب في (لو14:26)عندما قال: ” أِنْ كَانَ أَحَدٌ يَاْتَى إِلُىَّ وَلاَ يُبْغِضُ أَبَاةُ وَأَمَّة ُوَأمٌرَاَتة ُوَأَوْلَادَةُ وَإخْوَتَة ُ وَأخَوُاَتَة ُ حَتُّى نَفْسَةُ اَيْضًا. فَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِى تِلْميذاً “.
إن كانت التلمذة للمسيح تعنى أن نعيش قيم المسيح من حب وتسامح وعطاء. فكيف يضع المسيح البغض كشرط إساسى من شروط التلمذة؟ وكيف يبغض الإنسان والديه والوصية الخامسة من الوصايا العشر تقول: “أَكْرَمْ أَبَاكَ وَأَمُّكَ لِكَىْ تَطُولَ أَيَّامُك عَلَى الَاْرضِ التي يُعٌطِيكَ الَّربُّ إِلهُكَ “(خر20:12).
لكن عندما نعود للنص الموازى لهذا في أنجيل متى نفهم معنى كلمة”يبغض” فنقرأ: “مَنْ أَحَبَّ أَبًا أَوَ أَمًا أَكْثَرَ مِنَّى فَلاَ يَسُتحَقِّنِى. وَمَنُ أَحَبَّ أَبْناً أَوِ ابْنُةٌ أَكْثَرَ مِنَّى فَلاَ يَسْتَحقِنِى ” (مت10:37).
فالفكرة هنا أنه يجب أن تكون محبتنا للرب محبة كاملة ومطلقة وبلا حدود وغير مشروطة بحيث إذا قارنا محبتنا لأى شخص أخر بل ولأقرب شخص بمحبتنا للرب تبدؤ وكأنها بغضه.
فعندما نقارن محبة الرب ليعقوب وإختياره له لكى يأتى من نسل المسيح ونقارنها بمحبتة لعيسو تبدو وكأنها بغضه.
والمعنى الثانى المكمل والهام هو ما نتعلمه من العهد الجديد وهو أن الله لا يبغض الشخص ولكن يبغض أفعاله. إنه يحب الخاطىء لكنه يكره أفعاله. فقد قال الله في (رؤ2:6) إنة يكره ” أعمال النقولاويين”. ولكنة يحب “النقولايين أنفسهم “. ويريد توبتهم.
(8) لماذا أحب الله يعقوب؟
جاءت أحدى السيدات إلى الواعظ الشهير سبرجن وسألته بحيرة شديدة: كيف يقول الرب “أحببت يعقوب و أبغضت عيسو” ؟ فسألها الواعظ المشهور عن ماهو الجزء الذى يحيرها ؟ أجابته الجزء الذى يقول إن الله أبغض عيسو رد عليها سبرجن قائلا: ياسيدتى هذا الجزء بالنسبة لى لا يمثل مشكلة إنما المشكلة الحقيقية عندى والتى لا أدرى لها حلا هى لماذا أحب الله يعقوب؟ نعم فمن دراستنا للكتاب المقدس نعرف إنه لم يكن في يعقوب على الأطلاق مايجعل الله يحبه. بل كان فيه كل ما من شأنه أن يجعل الله يبغضه. تماما كما فعل مع عيسو ، بل وربما أكثر ، فما يذهلنا هو محبة الله للخاطىء الذى لا يستحق إلا الهلاك والموت.
ولكن الإجابة على هذا السؤال ليست مستحيلة فقد أعلنها الرب بنفسه وهى النعمة. فمحبة الله للخاطىء هى من نعمته وحدها. بلا أستحقاق في الخاطىء. لقد كان عيسو مستحقاً للعقوبة الإلهيه. ولم يكن يعقوب مستحقاً للنعمة الإلهيه. ولكن هذا هو الخلاص الذى يقدمه الله لكل العالم الذى يبنى على النعمة التي يمنحها الله وليس على الإستحقاق البشرى.
فالنعمة عطية مجانية تعطى لمن لا يستحق.
فيقول الرب بوضوح لنسل يعقوب: “ليْسَ مِنَ كَوْنِكُمْ أَكْثَرَ مَنْ سَائرِ الشٌعُوبِ إلتَصَقَ الرَّبَّ بِكُمُ وَأخُتَارَكَم ْلْانكُمْ أَقلَّ مَنْ سَائِر الشّعُوبِ. بَل ِمنْ مَحَبَّةِ الَّربَّ إِيَّاكُم وَحِفُظه القَسَمَ الذِى أَقسَمَ لكُمْ “(تث7:7،8). وقال أيضا: “لاَ مِنْ أَجْلِكُمْ أَنَا صَانِعٌ يَقٌولُ السيَّدُ الرٌبَّ ،فَليْكُنُ مَعْلٌومًا لُكُمٌ، فَاخْجَلُوا وَاخْزوا مِنُ طُرُقِكُمُ يَا بَيتَ إِسُرَائِيلَ”. (حز26:32) ، وقال أيضا: ” أَنَا. …أُحِبٌهُمْ فَضْلاً ” (هو14:4) لقد أحبهم الله إذا بفضل نعمتة المطلقة. ولا أجد ما أختم به إلا أن أقول: كم نشكر الله لأجل نعمته الغنية فكلنا يعقوب ولكن شملتنا نعمته.
المراجع
(1) Marvin R. Vincent. Word studies in the New Testament. . p. 322.
(2)كوستى بندلى. الله والشر والمصير. ص25.
(3)كليف لويس. ملحد يؤمن، ص 51،52.
(4)Adam Clarkes commentary on the Bible. p.247.
(5)ف.ف. بروس. الرسالة إلى رومية. ص192.
(6)د. القس صموئيل يوسف. كلامك روح وحياة. ص92.
(7)ناشد حنا. سفر ملاخى. ص10.
(8)الآب متى المسكين. الرسالة إلى العبرانيين. ص728.
(9)المرجع السابق. ص728.
(10)يوسف رياض. الاختيار، ص67.
القس عزت شاكر
ثماني مبادئ هامة وهي:
(1) الله المحب لا يبغض أحداً:
هل من المعقول أن الله محبة يبغض إنساناً؟! كلا وألف كلا. فالبغضة والكراهية ضعف. وحاشا لله أن يعتريه الضعف. فهو المكتوب عنه “لا يرذل آحدا”. والكتاب المقدس يعلن لنا أن طبيعة الله محبة(1يو4:16). وأنه أحب العالم كله (يو3:16). لقد أرسل يونان الى نينوى (يون1:2) وهي مدينة أممية، وكانت عاصمة مملكة آشور. التي هي بلاد العراق الآن. وكانت تعيش في صراع مع شعب الله. والغريب أن بعد هذا الأسلوب الدرامي الذي إستخدمه الرب معه ليذهب. وذهب ونادى للشعب بالتوبة وتابوا. جلس حزيناً إذ نقرأ “فغم ذلك يونان غماً شديداً فأغتاظ. …وقال: “آه يارب، اليس هذا كلامي إذ كنت بعد في أرضى؟ لذلك بادرت إلى الهرب على ترشيش، لأني علمت أنك إله رؤوف ورحيم بطيء الغضب وكثير الرحمة ونادم على الشر” (يو4:1-3). وحزن يونان لأنه يعرف طبيعة الله أنه رؤوف ورحيم بطيء الغضب وكثير الرحمة ونادم على الشر. لقد كان يونان يريد خراب المدينة لأنها أممية. وعندما أراد الله أن يصحح مفاهيمه ليدرك أن الله يحب كل الخليقة، وإن كل الشعوب غالية عليه. أعد له يقطينة وإرتفعت وظللت عليه ولكنها في اليوم التالي يبست. وهنا حزن يونان حزنً شديداً وطلب الموت لنفسه. فقال له الله: ” أنت شفقت على اليقطينة التي لم تتعب فيها ولا ربيتها، التي هي بنت ليلة كانت وبنت ليلة هلكت. أفلا أشفق أنا على نينوى المدينة العظيمة التي يوجد فيها أكثر من إثنتي عشرة ربوة من الناس الذين لا يعرفون يمينهم من شمالهم، وبهائم كثيرة “(يون4:10-11). نعم إنه يشفق على نينوى وعلى كل شعب. وعلى كل إنسان، لأن كل إنسان له، فكل إنسان هو صنعة يده ومخلوق على صورته. وإن للرب الأرض وملؤها، المسكونة وكل الساكنين فيها(مز24:1).
ولعل أروع صورة عن حب الله المحب نجدها في(لو 15) إذ نجد ثلاثة أمثلة وهي الخروف الضال. الدرهم المفقود. الأبن الضال. ونرى التدرج في هذه الأمثال الثلاثة. إذا عندما ضاع خروف من المائة نجد الراعي ترك القطيع وبحث عن الضال حتى وجده (لو 15: 4) ولم يهدأ ولم يسترح حتى وجده. وعندما وجده وضعه على منكبيه فرحاً.
وعندما أضاعت المرأة درهماً واحداً من العشرة أوقدت سراجاً وكنست البيت وفتشت بأجتهاد حتى وجدته(لو 15: 8) وعندما وجدته دعت الجارات والصديقات ليفرحن معها. وهذه هي مشاعر الله نحو كل إنسان. إنه يبحث عن كل ضال وكل مفقود ولا يستريح إلا عندما يجده.
وفي المثل الثالث نجد الآبن الضال الأصغر أخذ ثروة أبيه وبذرها بعيش مسرف، ولكن الأب يجلس متطلعا ومنتظرا قدومه. ويقول الوحي”وَإّذْ كَانَ لَمْ يَزَلْ بَعيِداً رآهُ أبوهُ، فَتَحنَّنَ وَرَكَضَ وَوَقع َعَلَى عُنُقِه ِوَقبَّلَه”. (لو 15: 28). هذه هي مشاعر قلب الله نحو الأنسان. إنه يحب كل العالم دون تفرقة او تمييز بين إنسان وأخر ولا بين شعب وأخر، ولا بين دين وأخر، إذ ليس عند الله محاباة، والله لا يكيل بمكيالين وأذ قلنا أن الله يميز شعباً عن أخر. أو فرد عن أخر فنحن نهين الله. فما رأيك في مدرس يعطى درجات أعلى للطلبة الذين ينتمون إلى دينه، ألا تحتقر هذا المدرس؟ فكم بالحري الله العظيم!
(2) نعمة الله المخلصة مقدمة مجاناً لكل إنسان:
إن خلاص الله الأبدي مقدم لكل إنسان، فهو لا يشاء أن يهلك أناساً، بل أن يقبل الجميع إلى التوبة (2بط9:3 )، وهو لا يسر بموت الشرير. ويريد أن الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون. إسمع صوت النعمة: “هئنذا واقف على الباب وأقرع. إن سمع أحد صوتي وفتح الباب، أدخل وأتعشى معه وهو معي ” (رؤ3:20).
إن هذه الآية تحمل إعلانً رائعا نراه في الكلمات “هأنذا” و”أقرع” و”أدخل” و”أتعشى “.
فمن هو الواقف ينتظر إستجابتنا؟ إنه سيد الارض كلها وبالرغم من ذلك يتحمل كل الآلام الجسدية والنفسية وهو ينتظرنا. إن النعمة الغنية هي التي تدفعه ليقف وينتظرنا ولا يتركنا لجهلنا وشرنا. وقد تطول وقفته سنوات طويلة حتى نفتح ونسمح له بالدخول، وقد لا نفتح ولكنة بالرغم من ذلك يظل واقفاً إلى أن ينتهي الأجل فيدخل الانسان الى الظلمة الابدية.
“وأقرع” إنه لا يقف صامتاً بل “يقرع” والفعل اليوناني هو (κρούω) (كرو) وهو لا يعنى مجرد القرع الخفيف العارض بل القرع المستمر الذي يرجو الاستجابة. (1)..
في قدرة يده أن يكسر الباب ويدخل لكنه يحترم حرية إرادة الانسان، يريدنا أن نفتح بإرادتنا. وان نحبة برغبة صادقة.
هل فكرت كيف يقرع على باب قلبك؟؟
قد يقرع عن طريق الذكريات الحلوة! وقد يقرع من خلال صوت الآلم! إنه يقرع بطرق مختلفة ويرجو الأستجابة.
ثم يقول “إِن ْسَمِعَ” إنه لا يقف فقط، ولا يكتفي بالقرع، بل ينادى على كل واحد بأسمه، فما أروع هذة المحبة.
والسؤال: لماذا لا يسمع الانسان صوت أبن الله؟
قد يكون السبب أن هناك أصواتاً أخرى تملأ آذان الأنسان فتشوش على صوت السيد. مثل صوت الجسد، الخطية، الشهوات ..الخ وقد يكون السبب في البعد، فأنت لا تسمع رنين التليفون إذا كنت أبعد من اللازم ونحن في مرات كثيرة يأخذنا تيار الحياة بعيد عن صوته. “وَفَتَحَ” والمقصود”بالفتح” التوبة الصادقة، التسليم الكامل. وإن فتحنا يقول: “أَدْخُلَ إِلَيْه وأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ معي”
وهنا نجد المسيح يعد بالدخول لكل إنسان يفتح ثم يقول: والفعل “أتَعَشَّى” في اليونانية هو (δειπνήσω) “ديابينسو” وهو يفيد الوجبة الرئيسية. فقد كان العشاء يعد بسخاء ولم يكن وجبة سريعة خاطفة.
وكان العشاء في الشرق يعبر عن الصداقة والعلاقة الخاصة القريبة والشركة التي تكتمل بالمبيت والإقامة. آلم يقل المسيح “إِلَيْه نأتي. وعنده نَصْنَعُ مَنْزِلاً” (يو14:23). ما أروع مسيحنا إذ يدخل حياتنا ويدخلنا إلى قلبه. ونصبح شركة بل ووحدة معه تبدأ هنا وتكتمل في المجد.
إن هذه النعمة المجانية قبلتها راحاب الزانية(يش2) ومن نسلها جاء المسيح. وقبلتها راعوث المؤابية (را 1:16) ومن نسلها جاء المسيح أيضا. ورغم أنها ليست من إسرائيل الا أنها كتبت أحد أسفار الكتاب المقدس. وقبلها نعمان السرياني الرجل الأممي (2مل5:17،15)، وقبلها اللص التائب الذي قضى كل حياته في الأجرام، ولكنة صرخ بصدق: “أذكرني يَارَبُّ مَتَى جئّت في َملَكُوتك”(لو23:43). وجاءه صوت النعمة “الْيَوُمً تَكُونُ معي في الْفِردُوًس”.
وصوت النعمة يدوي عالياً: “تَعَاَلْوْا إِلَىَّ يّا جمِيعَ اْلمتعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الَاحْمَالِ، وَأَناَ أُرِيحُكُمُ “(مت11:28).
(3) الأنسان حر الإرادة:
يعلن لنا الكتاب المقدس مراراً وتكراراً الإنسان حر الإرادة يستطيع أن يتخذ ما يشاء من قرارات. فهو كائن عاقل وحر له القدرة على الإختيار والتنفيذ. لذلك هو مسؤول مسئولية أدبية عن أفعاله. مسئول أمام الله وأمام المجتمع وأمام ضميره.
وقصة الخلق تؤكد لنا حرية الإُنسان. فقد خلق الله الإنسان على صورته ومثاله (تك1:27). ووضعه في الجنة ليعملها ويحفظها(تك2:19). وسلَّطَه على سمك البحر وطير السماء وكل حيوان يدب على الارض. ومن هنا ندرك أن الله أعطى الأنسان حرية وسلطان وإرادة. وما سقوط أدم في الخطية إلا دليل أكيد على حريته. فكان يمكن لله أن يقيد حريته، أو يجعله عاجزاً عن الوصول إلى الشجرة. كأن يحيطها بسور من نار، أو يجعله يصاب بشلل إذا أقترب منها مسافة متر مثلاً، ولكن الله لا يفعل هذا لأن هذا يتنافى مع كرامة الإنسان. وما ندم أدم عندما أخطأ وتقديم الأعذار وإلقاء اللوم على الأخرين، ومحاولة الأختباء من وجة الله إلا دلالة أكيدة على حريته، فلو لم يكن حراً لما فعل هذا ولو كان مسيراً ومجبراً على تصرفاته لما كان في حاجة الى تبرير أفعاله.
ووجود الوصايا يؤكد لنا حرية الإنسان، فإعطاء الوصية لأدم (تك2:16،17) دليل على أنة حر أنه يمتلك إمكانية مخالفتها. ولو أن الانسان مسير فما ضرورة الوصية؟ هل هى تمثيلية يقوم بها الله؟ كلا. لقد خلقنآ الله احراراً. وأعطانا الوصايا لكى نطيعه بمطلق حريتنا ،وما مخالفة الإنسان للوصية الأكبر دليل على أن الله يحترم حرية الإنسان لدرجة أنه لا يمنعه من مخالفة وصيته.
لذلك نحن لا نؤمن بالقدرية أو الجبرية كما لا نؤمن”بالمكتوب على الجبين” ولا “بالمقسوم” ولا “نصيبك يصيبك” ولا “ساعة القدر يعمى البصر”. فكل هذه العبارات هدامة. ولا تسئ إلا إلى الله أولآ ثم الإنسان.
ووجود يوم للدينونة والمجازاة هو أكبر دليل على حرية الإنسان. فكيف يحاسبنى الله وأنا لم أكن حراً؟ كيف يقول لى: أعط حساب وكالتك وأنا كنت مرغم على تصرفاتي ؟ كيف أجازى عما فعلت سواء خير أو شر وأنا لم أكن سيد قرارى. لأنه من أبسط قواعد العدل ألا يحاسب الانسان على فعل لم يكن صاحب الأرادة فيه.
لقد قضى الله في حكمته أن يخلق الانسان حراً يفكر ويقرر ويختار كما يشاء. وتبعآ لذلك سيحاكم ويجازى. وهذا الإله العظيم الذي يحترم حرية إرادة الإنسان يقول له”
” َقدْ جَعَلْتٌ الْيَوْمَ قٌدامَكَ الْحَيَاةَ والَمَوتَ. الْبَرَكَةَّ وَاللَّعنَة. فَأخترِ الْحَيَاةَ لِكَىْ تحَيا أنْتّ وَنَسلكّ”(نت30:19). وهنا نرى الله يشير على الإنسان أن يختار طريق الحياة ،لأنه يحترم حريته ويريد خلاصه.
ويقول على لسان يشوع للشعب: “فَاخْتارُوا لاَنفُسِكُمُ الْيُومَ مَنْ تَعَبدُونَ…” (يش24:15).
وهناك العديد من الأيات التي تؤكد حرية الإنسان (راجع: يشوع 24 : 15 ، إشعياء 1 : 19 ،لا26 ،تث11:26-29، مر 6 : 56). ويقول الرب يسوع: ” ياأورشليم يا أورشليم! يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها وكم من مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحها، ولم تريدوا! ” (مت23 : 37).
إن الأمر متروك لحرية الإنسان، فكما يقول اللاهوتي الكبير، بول أفدوكيموف:” الله يستطيع كل شىء. .. إلا إرغمنا على محبته ” (2). فكل إنسان حر في أن يقبل أو يرفض، يؤمن أو يلحد.
ويقول اللاهوتي الكبير(C. S. Lewis): “لقد خلق الله الانسان حراً. والحرية تعطى أمكانية عمل الخير أو الشر على السواء).
ثم يتسأل: لماذا أعطى الله الانسان الإرادة الحرة؟ ويجيب على الرغم من أن الإرادة الحرة جعلت عمل الشر ممكناً ، إلا أنها السبيل الوحيد لعمل الخير ، فأن عالماً ميكانيكاً يعمل فيه الناس غير جدير بأن يُخلق أو يُعاش، فالسعادة الحقيقة التي ينشدها الله هى في أن يرى البشر يحبونه ويطيعونه بمحض إرادتهم” (3).
فالله يعرض ولا يفرض، يعرض حبه غفرانه ونعمته، ولا يفرض لأنه خلقنا احراراً ، ولكنة يتمنى أن نختار طريق الحياة والبركة. فماذا ستختار اليوم؟
(4) متى قال الله : أَبْغَضْتُ عِيسُوَ؟
للأسف من المفاهيم الخاطئة الشائعة أن الله أبغض عيسو وهو في البطن. والبعض يظن أن الله قال: “من البطن أحببت يعقوب وأبغضت عيسو ” وهذا غير صحيح بالمرة.
لقد قال الله: ” أَحْبَبتُ يَعُقُوبَ، أَبْغَضْتُ عِيسُو “.
في أخر سفر من اسفار العهد القديم (ملا1:2-3) فلم يقل هذه الكلمات قبل أن يولدا، بل بعد أن ولدا وعاشا وماتا ومر على موتهما نحو 1400 سنة.
ويقول أدم كلارك (Adam Clarke) (4): عندما نعود إلى كلمات الرب: ” أَحْبَبتُ يَعُقُوبَ، أَبْغَضْتُ عِيسُو ” (ملاخي 2:1-3).
سنجد ثلاتة أمور وهى:
1- أن هذة الكلام لا علاقة له على الإطلاق بالخلاص الأبدى سواء عيسو أو يعقوب.
2- إن هذا الكلام خاص بالنصيب الأرضى. فهو يكمل ويقول: ” أَحْبَبتُ يَعُقُوبَ،أَبْغَضْتُ عِيسُو ،وَجَعَلْتُ حبْالَةُ خَرَابًآ وَمِيَراثَةُ لِذِئَابِ الْبَريَّةِ “.(ملا1:2-3)، فهو تأديب وقضاء أرضى لا علاقة له بالخلاص الأبدى. ونقرأعن هذا القضاء في(إش34:5-8 ،63:1-4 ، إر49:9-17).
3- إن هذا القضاء هو على أدوم كأمة أى أنه يتكلم على نسل عيسو وليس عيسو كشخص.
فالله لم يقرر أنه أبغض عيسو كشخص وهو في البطن إطلاقاً وهذة البغضة لا علاقة لها بالخلاص الأبدى. فواضح من القرينة أن المقصود هو الأمة الإسرائيلية وشعب أدوم. وليس يعقوب وعيسو لإنهما كما ذكرت كانا قد ماتا من مئات السنين. إنه يخاطب شعب أدوم باسم عيسو كما كان يخاطب شعب أدوم باسم عيسو كما كان يخاطب المملكة الشمالية بأسم أفرايم ، والمملكة الجنوبية بأسم يهوذا فنقرأ:
أَفْرَاِيم ُموثَقٌ بِالاَصْنامِ.اتْركُوة ُ” (هو4:17).
مُاذَا أَصْنَعُ بِك َيُا أَفُّرِايمُ ؟مَاذَا أَصْنَع ُبِكَ يَايَهُوذَا؟ فَإِنَّ إِحْسَانَكُم ْكَسَحَابِ الصُّبْحِ. وَكُالنَّدَى الْماَضِى بَاكِرًا” (هو7:8).
” أَفُرَايِم يَختُلِطُ بِالشّعَوبِ. أَفُرَايِم صَارَ خُبْزْ مَلَّة َّلَمَ يُقْلَبُ” (هو 7:8).
أما ماقيل عن عيسو ويعقوب وهما في البطن وقبل أن يعملآ خيراًأو شراً فنجده في (تك25:23) حيث قال الرب لرفقة: “في بُطِنكِ أُمَّتٌانِ، وِمنُ أَحُشَّائِكِ يفَتَرِقَ شَّعُبَانِ: شَعْبٌ يَقُوَى عَلَى شَعْبٍ وَكَبِيٌر يُسْتَعْبَد ُلِصَغيرٍ “.
وأرجو أن تلاحظ هنا أن الله لا يقرر مصير كل واحد منهما، ولأنه يعلن عما سيحدث، فهو لايقول: “سوف أجعل شعبا يقوى على شعب” ولا يقول ” سوف أجعل الكَبِيٌر يُسْتَعْبَد ُللِصَغيرٍ “، ولكنه قال في صيغة المبنى للمجهول ” شَعْبٌ يَقُوَى عَلَى شَعْبٍ وَكَبِيٌر يُسْتَعْبَد ُلِصَغيرٍ “. أنه يتحدث عن النتائج الطبيعية التي سوف يصل أليها كل منهما نتيجة لقرارته وتصرفاته، فهو الله العالم بكل المستقبل.
ويقول (F. F. Bruce) إن هذه النبوة لا تخص أشخاص عيسو ويعقوب (إذ أن عيسو لم يتعبد قط ليعقوب) وأنما تخص نسلهما، أنها ذات علاقة بالعصور الطويلة التي أستعبد فيها الأدوميون (نسل عيسو) لإسرائيل ويهوذا راجع:(2صم8:14 ،1مل 22:47 ،2مل14:7) (5). فواضح أن الذي كان في قصده وهما في البطن هو من جهة النسل، أن الكبير يستعبد للصغير.
أما عن المفهوم الشائع الخاطىء فقد بنى على ما قاله الرسول بولس (رومية 9:11-13) ” لأنه وهما لم يولدا بعد ولا فعلا خيراًأو شراً لكي يثبت قصد الله حسب الأختيار ليس من الأعمال بل من الذى يدعو قيل لها: (إن الكبير يستعبد للصغير)، كما هو مكتوب: “أحببت يعقوب وأبغضت عيسو).
وسؤالي: هل قال الرسول بولس: ” لانه وهما في البطن ولم يعملا خيراً أو شراً قيل لهما (أَحْبَبتُ يَعُقُوبَ، أَبْغَضْتُ عِيسُو)؟
كلا و ألف كلا وأرجو ان تقرا كلمات بولس جيدا، فعندما ندرس هذه الآيات في قرينتهما دراسة جادة سنجد أن الرسول بولس كان يتحدث عن سلطان الله المطلق على الكون في أن نسل يعقوب هو النسل المختار ليأتى منة المسيح، أو بصيغة أخرى يتحدث عن خطة الله لفداء البشرية، أو المسار الألهى الذى أختاره الله لكى ينفذ خطته لخلاص البشرية. فالله يتدخل ليبقى الحق معلناً والخلاص متاحاً. وليس لكى يحدد مسار الناس الأبدية. ولكى يوضح فكرته أقتبس من العهد القديم ما ورد عن نسل كل من يعقوب وعيسو، وأقتبس من(تك25:23) و(ملا1:2-3) وفصل بين الأقتباسين فترد في ترجمتة (ك ح ): “ليس ذلك فقط، بل أن رفقة أيضا، وقد حبلت من رجل واحد، من أسحق أبينا ولم يكن الوالدان قد ولدا بعد، ولا فعلاً خيراً أو شراً، وذلك كى يبقى قصد الله من جهة الإختيار لا على أساس الأعمال بل على أساس دعوة منه ،قيل لها: “إن الولد الأكبر يكون عبداً للأصغر “. كما قد كتب: “أَحْبَبتُ يَعُقُوبَ،أَبْغَضْتُ عِيسُو ” (رؤ9:13-13).