لقد أوضحنا فيما سبق من حديث ، ماذا يمكن للإنسان أن يستخلص من تعاليم الكتاب المقدس ، عن عقيدة العصمة فيه ، ومن الميسور الكثيرين أن يوافقوا على هذه العقيدة أو يعتنقوها ، إلَّا أن بعضهم قد يتراجع عن قبول النتيجة النهائية لها ، بدعوى أن هناك بعض الأخطاء في الكتاب المقدس .
وما من شك بأن هناك الكثيرين من المسيحيين الطيبين ، الذين هم على استعداد أن يثقوا في الكتاب المقدس ثقة كاملة ، غير أنهم يترددون في ذلك بسبب من لقنوهم بأن هناك أخطاء في الكتاب ، ولعل هؤلاء يستحقون منا كل عطف و ترفق ، ۰۰ وقد أوضحنا فيما سبق أن قارئ الكتاب الجاد قد تعترضه صعوبات كثيرة ، وبعض هذه الصعوبات قد تحتاج الى المزيد من الوقت أو الدراية لحلها ، . . ومن البديهي أن هناك كما ذكرنا مشکلات تتجاوز كل ذهن أو فهم بشرى ، لمحدودية ذهن الإنسان ، .. وفي الوقت عينه ان الدراسة الدقيقة الأمينة لابد أن تواجهها هنا أو هناك من الصعوبات ما قد يجهدها ، أو يستنفد الكثير من تفكيرها ومن التعجل الصحيح أن يقال إن الإنسان قادر على حل كل المشکلات ، حلاً نهائياً حاسماً ، ۰۰ على أنه من التعجل الأقسى و الأفجع الزعم أمام الكثير من المشكلات بأنها أخطاء لا حل لها ! ! . . ولیس من الصواب على الاطلاق التشبث بهذه الأخطاء المزعومة ، لأنه اذا كان الكتاب المقدس ، کما سبق أن قلنا ، كتاب الله الذي نفخ به ، فانه ينبغي على ذلك أنه کتاب حق و معصوم . والقول بغير ذلك معناه أن الله عاجز عن العمل بغیر خطأ . و تهتز صورة الطبيعة الالهية نفسها أمام الإنسان ، لأنه اذا كان النص الأصلي للكتاب يحتوي على أخطاء ، فكأنما الله نفسه مدان بأنه يعطينا ما هو غير أو حقیقی ، ولا عبرة بالقول أن هذه الأخطاء جاءت في أمور صغيرة ويسيرة ، لأن الخطأ خطأ سواء كان في الأمور اليسيرة أو الكبيرة ، .. ونحن لا نستطيع الثقة البتة في أي شخص يسترسل في اعطائنا الأخطاء مهما كان الزعم أنها يسيرة أو بسيطة ، بل أن من يتجاوز الأمور الصغيرة يدفع الى الظن دائما أنه قد يتجاوز الأمور الكبيرة أيضا . وإذا كان الله يوصل الينا معلومات خاطئة مهما يقل انها غير مهمة ، فحاشا له أن يكون إلهاً لا يوثق به ، ويصبح الايمان الكتابي بالله نفسه في مأزق و خطر ، .. وقد سبق لنا أن قلنا أنه إذا كان النص الكتابي غير معصوم ، فإنه من المستحيل معرفة ما هو صحيح فيه وما هو غير صحيح ، و يصبح الدفاع عن المسيحية كلها دقیقاً وحرجاً ، ويضحى الاعلان الالهي بأكمله مشوباً بالشبهة والشك !! ..
ولن نـفزع بحال ما ، ونحن نستعرض ، الأخطاء المزعومة التي يقال انها موجودة في الكتاب ، وقد تعرضنا فيما سبق لقصة الخلق الواردة في الأصحاحات الأولى من سفر التكوين ، والتي يزعم أنها حصيلة عصور ما قبل البحث العلمي ، والتي لا يمكن أن تقبل في الوقت الحاضر كحقائق تاريخية ، وما أكثر ما تثار هذه التهمة ، ومن الواجب مواجهتها بافاضة و تأمل أعمق ، .. إن النقد العصري يحاول أن يرد قصة خلق السموات والأرض ، و تجهيز الأرض للإنسان ليسكن فيها ، وخلق الإنسان ، وإعداد جنة عدن ، والتجربة وسقوط آدم ، إلى التقاليد أو الأساطير ، دون أن تكون في نظرهُ تأريخاً واقعاً !! ..
غير أننا لا نقبل على الاطلاق هذا النقد، إذ أن مجرد الاطلاع على الأصحاحات الثلاثة الأولى من سفر التكوين . يؤكد أننا بصدد قصة تاريخية ، ولسنا أمام تصوير خيالي أو أسطوري ، و كاتب القصة كان يؤمن أنه يدون حقيقة تاريخية ، والمسيح القدوس والمعصوم كان يسلم بها أليس هو القائل : « وقال لهم أما قرأتم أن الذي خلق من البدء خلقهما ذكرا وأنثي » (مت 19: 4) وهو لم يقتبس هذا من سفر التكوين فحسب ، بل أكثر من ذلك أسس تعليمه الخالد عليه : « فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان » ( مت ۱۹: ٦ ) ولو صح ما يزعم به النقد العصرى ، لوقع المسيح وحاشا له – في خطأ جسيم ، كما أن بولس الرسول كان يرى الوقائع الواردة في سفر التكوين حقائق تاريخية ، إذ قارن بين سقوط آدم وفداء المسيح وطاعته ، ولن يكون من المبالغة في شيء حتى ولو ادعی العصريون العكس – القول ان السقوط لو لم يكن عند بولس حقيقة تاريخية ، لما كان الفداء أيضا ، لقد رأى بولس الأصحاحات الأولى من سفر التكوين واقعاً تاريخياً ، فهل كان يعوزهُ قوة « ابصار » اللاهوت العصرى أو « مغانم » نقد القرن التاسع عشر ، وهو الذي لا يمكن أن يداني بين الناس في تفسير العهد القديم ؟!!
ان الأصحاحات الأولي من سفر التكوين لا يمكن إلَّا أن تفسر تفسيراً تاريخياً ، وهي تتحدث عما جرى فعلاً من وقائع ، اذ تذكر أن الله خلق السموات والأرض ، وأن آدم وحواء شخصيتان تاریخیتان عاشتا على هذه الأرض ، وأنهما اذ أكلا من الثمرة المحرمة عصيّا الله ، .. وجلبا بعصيانهما النتائج المروعة التي شملت كل العالم ، .. ومن المعتقد أن من يقول ان الأصحاحات الأولى من سفر التكوين ، وان كانت تحتوي على تاريخ ، إلَّا أنه لا يؤمن بهذا التاريخ ، أفضل بما لا يقاس ، مِمَنْ يزعم أنها تتضمن حقاً عميقاً ، حتى وان لم تكن قد وضعت في الكتاب كقصة تاريخية !! ..
إن القاعدة الأساسية في القصة ، اذا هو الايمان بالوقائع التاريخية فيها ، .. فاذا وصلنا الى هذه النقطة ، يأتي السؤال اللاحق هل اختلط الخطأ بهذه الوقائع بزعم أنها لابد أن تكون كذلك لمجيء الكتاب في عصر سابق للبحث العلمي ؟!! .. إن الجواب على ذلك يقطع بالنفي ، لأن الحقائق الواردة في سفر التكوين تتفق تماماً ما انتهى اليه البحث العلمي ولا يستطيع أحد قط أن يثبت أن هناك حقيقة علمية تجافي مثلاً ما جاء في الأصحاح الأول من سفر التكوين !! ..
ويزداد هذا الفكر تأصلاً وبهاءً ، إذا حاولنا أن نقارن الأصحاح الأول من سفر التكوين بما يطلق عليه القصة البابلية عن الخليقة !! . . ويكفي أن تسأل السؤال عن القصة البابلية ، وهل هناك أخطاء فيها لتجد الجواب جاهزاً ، .. اذ أن أي تفكير جاء في هذه القصة تبين أنها ممتلئة ومشحونة بالأخطاء ، وفي الواقع أن الأصحاح الأول من سفر التكوين يقف في وسط تعدد الألهة وخرافات العالم القديم وهو أشبه بالزهرة الجميلة الفواحة في قلب الصحراء القاحلة ، وشتان بين روايته عن تنظيم الكون وروايتها الممتلئة بالخرافات والأساطير ، أن رواية سفر التكوين تتحدث في روعة كاملة عن الاله الواحد الخالق المجيد ، المُمَجد في عمله العظيم في الخليقة ، ومن لا يملك إلَّا أن يمجد الله وهو يری عظمته الفائقة في الخليقة التي أبدعها بسلطان الكلمة الخارجة من فمه !! . .
هل هناك أخطاء في الأصحاح الأول في الكتاب المقدس ، أن علينا أن نقول بدون أدني خوف من مناقضة أنه لم يظهر الى الآن من يستطيع أن يثبت خطأ واحدا في الفصل الافتتاحي الرائع للكتاب المقدس ، .. قال البعض أن ذكر النور بدون الشمس دلیل خطأ ، والجواب بسيط إذ أن النور لا يحتاج بالضرورة أن يتركز في الشمس ، والنور أصلاً ولید الحركة والذبذبات المختلفة ، وإن كان القارئ المتعمق في الأصحاح يستطيع أن يرى أن الخالق المبدع أحدث هذه الحركة التي هي أساس کل نور ، .. قال الآخذون بنظرية النشوء والارتقاء ، أن الانسان هو سلالة حيوانات أدني ، وليس كما تصفه القصة الكتابية ، والجواب على ذلك أن النظرية وان كانت قد بدأت بتجارب ، إلَّا انها انتهت الى فروض ، وهي فروض ساقطة بشهادة الكتاب ، والحديث من النظريات العلمية ، .. وليس هناك من دليل إلى الآن يثبت أن الإنسان كان أصلاً حيواناً أدنى ، بل العکس هو الصحيح ، وهو إذا كان حيواناً من الأصل ، فمن أين جاءت قدرة الفهم ، والكلام ، والتعامل ، إن لم نقل قدرة الاحساس الديني والتعبد الله ، أن أصحاب نظرية النشوء والارتقاء ما زالوا عاجزين عن إعطاء الجواب الشافي عن هذه كلها ، ۰۰ ولا جواب فيما نعلم يمكن أن يأتي خارج العبارة المتكررة في الأصحاح الأول عن الخليقة : « كجنسه » ۰۰ في معتقدنا أن نظرية النشوء والارتقاء ، وقد عملت فيها معاول الهدم من كل جانب ، قد خبا بريقها القديم ، ولم تعد لها تلك الهالة الأولي ، وتكاثرت الاعتراضات المتعددة ضدها ، والصعوبات التي تواجه الأصحاح الأول من سفر التكوين ، لم تعد شيئاً بالنسبة للصعوبات التي تواجه نظرية نشوء الإنسان وارتقائه « اقرأ هل هناك برهان النظرية التطور دیور وشلتون لندن عام 1947 »
فإذا ظهر ثمة اعتراض آخر أن كاتب الأصحاح الأول من سفر التكوين جعل الأرض النقطة المركزية في كتابه ، في حين أن الشمس هي مركز الكون ، كان لنا أن نجيب أنه حقاً فعل ذلك ، لأنه كتب القصة من واحد يعيش على الكوكب الأرضي ، وكيف تخدم الأجرام السماوية الأخرى هذه الأرض ، فهل في هذا خطأ ؟!! كما أنه كان لابد أن يركز على الأرض ، وهو يكتب من وجهة النظر الدينية ، فالانسان لن يعيش على کوكب آخر ، بل إنه يحيا على الأرض ، وأمامه قصة الفداء ، فكان ولابد أن يضع سفر التكوين التركيز على الأرض ، .. وما الغاية من أن يركز كاتب السفر على كوكب آخر ؟!! أن ما قاله السفر كان واضح الهدف في التركيز على الفداء ، ومع ذلك فهو لم يذكر بتة أن الأرض هي مركز الكون ، ولم ينازع بذلك الحقائق العلمية ، ان كل ما قاله إن الشمس والقمر يخدمان الأرض ، وليس في ذلك شيء يناقض الحقيقة ، ومهما كان لهما من عمل آخر ، فإنهما لا شك يخدمان الأرض ، والتركيز هنا على الأرض يتمشى تماماً مع الحقائق العلمية ، أن كاتب سفر التكوين لم يقصد أن يبحث العلاقة بين الأجرام السماوية بعضها والبعض ، بل قصد أن يبين خدمة هذه الأجرام للأرض التي نعيش عليها ، فإذا كان هذا هو الغرض فلا يكن أن يكون ثمة خطاً من وجه من الوجوه، إذا كان أي انسان بعد ذلك ، أن يعترض بأنه لا يجوز التركيز على الأرض حتى ولو كان السفر يناقش أمورا دينية . قلنا أن مثل هذا الإنسان ليس من حقه أن يقول ان الشمس تشرق أو الشمس تغرب ، ذلك لأن أي انسان يعيش على هذه الأرض مهما تفاوت حظه من علوم الطبيعة أو الفلك لا يملك إلَّا أن يتكلم عن الكون من وجهة نظر انسان ساكن على الأرض ، .. وهذا ما ينبغي أن يضعه في الحسبان من يناقش نظرية التركيز على الأرض الظاهرة في الأصحاح الأول من سفر التكوين !! ..
على أنه ثمة اعتراض آخر على القصة في سفر التكوين من حيث عدد الأيام الستة التي خلقت فيها السموات والأرض ، وما يزال السؤال قائماً هل كان يقصد كاتب سفر التكوين ستة أيام بمفهومنا لليوم ، أم يقصد بالأيام عصوراً طويلة من الزمن ، ومع أننا نؤمن بأن الفكر الأخير هو الأقرب الى القصد، إلَّا أننا نؤمن في الوقت عينه بأن الله قادر على أن يصنع الكون كله في ستة أيام بالمفهوم العادى اليومي ، ولا نستطيع أن نفهم الاعتراض على ذلك . إلَّا اذا أنكرنا على الله قوته الخالقة والقادرة على كل شيء ، .. أجل انه من الممكن أن تكون الأيام المذكورة في سفر التكوين عصوراً جيولوجية طويلة ، لكن هذا لا يمنع من الجانب الآخر
تصور أن هذه الأيام يمكن أن تكون ستة أيام بالمعنى المفهوم لليوم العادي ، ومن جانبي أميل إلي تصور أنها عصور جيولوجية، فيها اليوم أكثر من أربع وعشرين ، .. ولا أقول ذلك لكي أنسق بين القصة الكتابية والجيولوجيا ، بل لمحض التفسير الكتابي ، فالكلمة يوم تعتبر القصة الكتابية وفي المعنى المستخدم أكثر من مجرد أربع وعشرين ساعة. و مهما يكن التصور عن اليوم من حيث وقته أو طوله ، فان العلم لم يثبت ولا يستطيع أن يثبت غلطة واحدة في القصة الكتابية عن الخليقة في سفر التكوين !! ..
وعلى العكس من هذا هناك اعتراض يقوم على أن الفكرة عن الخليقة لا يمكن التعبير عنها على أساس علمي ، ولهذا فإن سفر التكوين لم يدونها على النهج العلمي بل الأسطوری ، ويعللون ذلك بسببين، أولهما أنه إذا كتب الأصحاح الأول من سفر التكوين على أساس علمي ، فإن ذلك يقتضى دراسة تعاقب العصور والأزمنة ، وهذا ما لا سبيل اليه ههنا ، كما أن هذا يقتضي العودة إلى الزمن غير المحدود والذي لا بداءة له . وهذا ما يستحيل الخوض فيه ، ۰۰ ولهذا فان كاتب سفر التكوين كان عليه أن يعالج الحقائق التي تتجاوز نطاق الزمن والفضاء ، في المالوف من لغة الحاضر في الزمان والفضاء ومثل هذا الاعتراض ، في الواقع يخلو من اللياقة والكياسة ، ولا يستطيع مواجهة الحقائق الصحيحة ، إذ أن الوقائع الكتابية ليست ملزمة لاحقة الأزمنة المختلفة ، والحديث عن الزمن غير المحدود، وأي مطلب من هذا القبيل ، يخرج الله من الصورة ، أو يحاول وضعه في مستوى الخليقة واخضاعه للحدودية التي يخضع لها الإنسان ، أن عجز الكثيرين من الناس عن التمييز بين الله والإنسان هو الذي يجعلهم على غير استعداد لقبول القصة الكتابية عن الخليقة ، من حيث هي کقصة تاريخية صحيحة !! ..
إن المأزق عند هؤلاء المعترضين ، هو في جوهره ، مأزق الإيمان بالله ، ۰۰ والكتاب المقدس لا يطلب منا الإيمان بالله خاضع للزمن والفضاء وفي الوقت نفسه هو خالق السموات والأرض ، بل إنه بالأحرى يطلب منَّ الإيمان بالله القادر على كل شيء والخالق ، والمستقل عن الزمن والفضاء ، وليس هناك زمن غير محدود ، ولا بداءة له ، ولا يحدثنا الكتاب عن شيء مثل هذا ، بل هناك الله الذي أخرج الزمن والفضاء إلى الوجود ، .. « ولكن لا يخف عليكم هذا الشيء الواحد أيها الأحباء أن يوماً واحداً عند الرب كألف سنة وألف سنة كيوم واحد « ( ٢ بط ۳: ٨ )
وهي كلمات ان دلت على شيء ، فإنما تدل على أن الله ليس محدوداً بزمن : « من قبل أن تولد الجبال أو أبدأت الأرض والمسكونة منذ الأزل الى الأبد أنت الله » ( مز ۹۰ : ۲ .. ) أن لغة الكتاب ، وان كانت لا تخرج بداهة عن المفهوم البشري ، إلا أنها كما يقول : « کرنيليوس فان تل في كتابه لماذا أؤمن بالله » تفصح بأجلى بيان عن استقلال الله عن الزمن !! ..
أن أكبر خطأ يمكن تصوره أن الكتاب المقدس يعلم عن زمن يسبق على هذا الزمن ، أو أنه يتحدث عن زمن غير محدود ، ولا بداءة له ، أنه يعلم فقط عن أزلية الله . ، وأنه الكائن غير المحدود والذي لا بداءة له أو نهاية !! .. وأنه ، هو ، في حكمته غير المدركة أخرج إلى الوجود أو نهاية !! .. ما لم يكن موجوداً من قبل ، وأنه أخضع خليقته التي خلقها للزمن والفضاء ، كما أنه هو بالتأکید صانع الزمن والفضاء ، … وقد يقول البعض انه من الصعب تصور الوجود من غير زمن أو فضاء ، .. علي أنه مهما يكن من صعوبة تصور وجود نهائي ، أو وجود على مستوى الخليقة بدون اشتراط الزمن أو الفضاء ، فهل يصعب الإيمان بالإله الخالق المستقل عن الزمن والفضاء ؟ !! .. أن الكتاب المقدس يعلمنا عن وجود الله واجب الوجود ، ونخطئ أكبر خطأ إذا نزلنا بالله غير المحدود الى مستوى وجود الخليقة ، لأنه مستقل تماماً عن خليقته ، والخليقة خاضعة له ، وليس هو للخليقة !! ..
إن هذا الاعتراض في الواقع خال من اللياقة والكياسة لأنه يعمل على ازالة الخط الفاصل بين الخالق والخليقة ، وعندما يقرر سفر التكوين أن الله خلق السموات والأرض ، فهو يقرر حقيقة علمية ، أنه يعلم أن الله كائن بذاته ، وأنه بكلمة قدرته أخرج الى الوجود ، ما لم يكن من قبل موجوداً ، وكان من الممكن الاعتراض على الخلق لو أنه نسب الى انسان أو ملاك ، لكن الكتاب لم يقل أن إنساناً أو مخلوقاً آخر خلق الخليقة ، بل هو الله الذي خلقها ، وعندما نـقرأ اللغة الرائعة التي جاءت في الأصحاح الأول من سفر التكوين ، نوقن أنها لابد أن تكون مطابقة تماماً للعلم لأنها اعلان الله الذي تكلم بها ، أما الزعم بأنها لا يمكن أن تدون إلا على نهج أسطورى ، فمعنى ذلك أننا ننكر حقيقتها التاريخية ، فإذا ذكرت على على النهج الأسطوري ، فمن الحق أن يأتي السؤال : وهل هناك خليقة حقا ؟!! .. ان الخليقة كما ذكرها الكتاب تطابق اللغة العلمية ، وهي لم تكتب في اللغة الأسطورية أو الرمزية ، بل في اللغة الواقعية المبنية على الحقيقة والتاريخ ، لقد حكم الله أن يخرج العالم الى الوجود : « لأنه قال فكان هو أمر فصار » ( مز ۳۳ : ۹ ) ويمكننا لذلك أن نقرأ الأصحاح الأول من سفر التكوين باليقين أنه يطابق تماماً الحقائق العلمية الثابتة عن الخليقة.
المصدر : ” الكتاب المقدس في الميزان ” تأليف الدكتور ادوارد ج. يونج أستاذ العهد القديم نقله إلي العربية القس إلياس مقار ط 2