كيف شطح بعض النُقَّاد في تصوير لقاء الله مع موسى ومحاولة قتله؟
هل نسيت كلمة المرور؟ الرجاء إدخال بريدك الإلكتروني، وسوف تصلك رسالة عليه حتى تستطيع عمل كلمة مرور جديدة.
أول وأكبر موقع للأسئلة والأجوبة المسيحية والذي يخدم جموع الشعب الناطقين باللغة العربية في كل بقاع العالم.
لقد شطح بعض النُقَّاد بخيالهم الجامع ونيتهم غير الحسنة في تصوير لقاء الله مع موسى ومحاولة قتله، وتركوا لخيالهم المريض الحبل على الغارب، وفي داخلهم رغبة دفينة في مهاجمة الكتاب المقدَّس، ظانين أن قرونهم ستوهن الجبل، وأستسمحك ياصديقي في وضع مثال أمامك لشطحات هؤلاء النُقَّاد، وهو جوناثان كيرتش، متحاشياً بقدر الإمكان الألفاظ التي لا تليق، وأوجز كلامي على قدر ما أستطيع.
لقد تصوَّر جوناثان كيرتش أن موسى أمضى ليلته في مأوى هو وزوجته وإبنيه في الليلة الأولى من رحلته إلى مصر، فنصب خيمته، وتناولوا عشائهم وناموا، ومازالت صفورة يقظة تسترجع تاريخها مـع موسى، ثم سمعت حفيف ثياب خارج الخيمة، وتصوَّرت أن هناك إنتفاخاً في الهواء يتحرك على جدار الخيمة من الخارج، وسمعت صوت تنفس ثقيل، وصفورة لا تخف من الأرواح ولا الشياطين، لأن مثل هذه الحكايات كانت مألوفة لديها، ثم رأت هذه الغمامة البيضاء تدخل الخيمة وتحيط بالفراش مما بعث السرور في نفسها، وكأنها سُحرت بالصوت والصورة.. ورأت صفورة شكل إنسان، أو شئ أشبه بالإنسان، إلاَّ أنه لم يكن إنساناً البتة، وبدأ هذا الشكل يكبر وكأنه جثة نُقعت في الماء لفترة طويلة، ثم رأت فمها ينفتح على آخره كاشفاً عن صفين من أسنان حمار صفراء وملتوية، ورأت بينها قطعاً صغيرة من اللحم والعظم، وعيون، وأصابع، وقطع صغيرة يمكن أن تكون أشلاء دامية.. راقبت صفورة المشهد برعب صامت والفم ينغلق ببطء حول زوجها النائم، ساحباً إلى الفم الهائل الرأس والأقدام والذراعين والساقين والصدر والفخذين، حتى لم يبق مرئياً سوى ذلك العضو الوحيد من جسمه (1).. وشعرت صفورة بموسى يرفع ذراعيه وكأنه يحمي نفسه من ضربات موجهة إليه، والطفل يتقلب على ذراعه ويتدحرج على الأرض ويبكي، وأدركت أن زوجها يُهاجم من قِبل كائن ما يريد أن يقتله دون أن ترى المهاجم.
وهنا تذكرت صفورة رغبة زوجها في ختان إبنها، وإعتراضها مع أبيها على هذا، وربطت بين ذاك الأمر وبين هذا الهجوم، وهي تسمع صرخة زوجها المكبوتة، وبكاء طفلها الحار وهو مستلق على ظهره ويداه ورجلاه تتأرجحان في الهواء وهو يصرخ، فربما كان المقتحم للخيمة – إن كان ملاكاً أو شيطاناً أو الرب نفسه – كان منكباً ينزل العقاب بزوج صفورة وإبنها لأنهما أهملا ما كان يصر موسى على أنه شعار مقدَّس (الختان) ولم تدرك صفورة لِمَ قلفة تافهة لطفل صغير مهمة إلى هذا الحد للألوهية، وسمعت صفورة شهيق زوجها المخنوق، فسحبت القماط عن طفلها وعضت على شفتها السفلى وختنت طفلها بحجر الصوان، فبكى الطفل غاضباً، وأمسكت هي بالقلفة ويداها ملوثتان بالدم، ورأت أطراف متأرجحة في الهواء، وكان موسى يكافح ضد الهجوم، فرسخت لطخة حمراء فاقعة من الدم الطازج على طرفي رجليه، مثلما كانت ترى أباها وهو يدهن الذراع واليد والوجه بدم الحمل المُضحىَ بها حديثاً، وقالت صفورة بصوت عالٍ ” بالتأكيد أنت عريس دم لـي ” وانتهـى الأمر بنجاة موسى والطفل (راجع حكايا محرمة ص 171 – 180).
تعليق : لا يمكن لإنسان يؤمن بالله وبكتابه الموحى به المعصوم من الخطأ تصوُّر مثل هذه القصة، بل لا يمكن للإنسان العقلاني المنطقي تخيُّل مثل هذه القصة الوهمية. فقد جاءت هذه الحادثة في ثنايا القصة الكبيرة قصة الخروج، وجاءت في ثلاثة أعداد لا أكثر ” وحدث في الطريق في المنزل أن الرب ألتقاه وطلب أن يقتله. فأخذت صفورة صوَّانة وقطعت غرلة أبنها ومست رجليه. فقالت أنك عريس دم لي. فأنفك عنه. حينئذ قالت عريس دم من أجل الختان ” (خر 4 : 24 – 26) ونحن لا نفضل ضياع الوقت والمجهود لإثبات خيالية هذه القصة التي يعتبر بطلها خيال في خيال، ولكن ما يهمنا بالأكثر هو الإجابات التلغرافية على التساؤلات العديدة التي طرحها هذا الناقد.
س أ : هل الله هاجم موسى أم إبنه الأول جرشوم أم إبنه الثاني اليعازر ؟
ج : النص واضح أن الله التقى موسى وطلب أن يقتله وذلك لأنه أهمل في ختان إبنه، والدليل على هذا أنه بمجرد أن ختنت صفورة إبنها نجا موسى من الموت.
س ب : من الذي قام بالهجوم ؟ هل الله أم أحد أتباعه مثل المُهدِم أو ملاك الموت أو شيطاناً من البانتيون (وهو هيكل مكرَّس لجميع الآلهة في مصر) كما جاء في بعض الترجمات الآرامية واليونانية القديمة أو شيطان من المديانيين ؟
ويقول جوناثان أن الأدب الحاخامي يستبعد هجوم يهوه على موسى ” لذا فهم يقترحون أن الشيطان هو الذي سعى لقتل موسى وابتلاعه حيَّاً. فقد ظهر الشيطان له في هيئة ثعبان، وبلع موسى حتى نهايته حسب ما تذهب إليه إحدى روايات القصة التي وردت في الأدب الحاخامي، فحالما سفحت صفورة دم الختان فوق قدمي زوجها سُمع صوت سماوي يصرخ على الثعبان قائلاً ” الفظه “.. ” (1) كما يقـول جوناثان كيترش ” ونحن مدعوون.. لأن نتخيل أن الإله الذي هاجم موسى ليس يهوه الحقيقي إله إبراهيم وإسحق ويعقوب، بل كان شيطان مدياني منتقم، وأن المرأة التي أنقذت الموقف لم تكن صفورة بل كانت تجسيد للإلهة إيزيس المصرية ” (2).
ج : 1- أوضح النص أن الله هو الذي إلتقى موسى وطلب أن يقتله، ولم يرد في النص أي إشارة للمُهدِم أو ملاك الموت أو الشيطان، والعبـرة بالأصل العبري وليس بالترجمات.
2- نحن نلتزم بالنص التوراتي ولا نلتزم بأي أدب آخر سواء حاخامي أو غيره طالما يتعارض مع نص الكتاب، ولكن إن كان أي أدب أو تفسير يتفق مع النص، فنحن ننظر إليه بعين الإعتبار، ثم أن الشيطان ليس له جنسية فنطلق على شيطان مدياني وآخر يوناني وثالث مصري. وما أبعد الفارق بين أسطورة إيزيس التي جمعت أشلاء جثة زوجها، وبين صفورة التي بتصرفها الحسن أنقذت زوجها قبل أن يموت، ثم كيف نقارن بين أسطورة خيالية وبين قصة حدثت حقيقة على أرض الواقع ؟!.
س ج : أي جزء مسحته يوكابد بالدم ؟ يقول جواناثان : على أي عضو تناسلي وضعت صفورة الحجر المسنون وسط طقوس الختان : عضو إبنها ؟ أم عضو موسى ؟ أم عضو المهاجم ؟ فعلينا أن نفهم أن الساقين يعنيان الجهاز التناسلي (راجع حكايا محرمة ص 184 – 187).
ج : أوضح النص صراحة أن صفورة مست رجليه، وأنها عائدة على موسى ” فمست رجليه.. فانفك عنه ” فالمقصود موسى الذي التقاه الرب وطلب أن يقتله، وجاء في ترجمة كتاب الحياة ” فأخذت صفورة صوَّانة وقطعت غلفة إبنها ومست بها قدمي موسى قائلة أنك عريس دم لي ” (خر 4 : 25) فلماذا خلط الأمور والتساؤل عما إذا كان المقصود رجلي الله، مع أن الله روح بسيط لا جسد له.
س د : ماذا كانت تعني صفورة حين نطقت بالعبـارة ” أنـت بالتأكيد عريس دم لي ” ؟ فإن التوراة لم تحدد الشخص الذي وُجهت إليه هذه الكلمات، ولماذا قالت صفورة هذه الكلمات بصوت عالٍ ؟ أن العبارة تبدو كأنها سحر أو تعويذة تحث الله على إيقاف هجومه (راجع حكايا محرمة ص 184 – 187).
ج : كان من تقاليد أهل مديان مس العريس بدم الذبائح، فيُدعى عريس دم، ولأن صفورة أدركت أن موسى كان معرضاً للموت ثـم نجا، فهو بالنسبة لها كأنه عريس جديد، ولذلك دعته بعريس دم، وما جرى هو ببساطة عملية ختان للطفل الصغير، فالموضوع بعيد تماماً عن السحر والتعاويذ.
س هـ : هل الأساس الأصلي لهذه القصة قد فقد من وراء الذاكرة، وأنها تعتبر بقايا قصة من الفولكلور تحمل الطابـع التجديفي لأنها تُظهر يهوه كمُطارد في الليل، وأنه لا يهدأ إلاَّ برؤية الدم ؟ (راجع حكايا محرمة ص 184)
ج : لقد كتب القصة موسى النبي الذي تربى على الوحدانية، ولا يمكن أن هذا النبي العظيم يأخذ من الفولكلور والأساطير الوثنية ويعتبرها حقيقة.
س و : كيف يسعى الله لقتل الشخص الذي إختاره وأرسله لخلاص شعبه ؟ أليس هذا يتعارض مع العلاقات الحميمة بين الله وموسى ؟ (راجع حكايا محرمة ص 184)
ج : العلاقة الحميمة بين الله وموسى لا تلغي ولا تنقص من أهمية العهد القائم على الختان.
س ز : هل تعرض موسى لمرض شديد هدَّد حياته ؟ يقول جوناثان ” فإن الشيخ اليهودي المشهور المعروف باسم راشي، كان رجلاً عقلانياً في القرن الحادي عشر، لم يكن بصراحة، مرتاحاً لمثل هذه القصص الخيالية الدينية، وأصرَّ على أن الهجوم الإلهي على موسى يجب أن يُفهم على أنه ليس أكثر من كناية عن مرض كان يهدد حياة موسى تدبرت صفورة أمر معالجته عن طريق قياسها بشعائر الختان ” (1).
ج : هذا تفسير معقول، فقد تكون صفورة قد فوجئت بمرض زوجها الشديد، وتذكَّرت أنها عارضت زوجها في ختان طفلها، وربطت بين هذا وذاك في ضوء الإرشاد الإلهي، فأسرعت بعلاج الموقف، وليس تفسير راشي السابق يعني أن راشي كان يعتبر هذه القصة أنها قصة خيالية.
س ح : هل كان موسى شبه إله وهو نبي معلول ؟ يقول جوناثان كيرتش ” نحن نميل إلى الإعتقاد بأن موسى كإنسان واسع الحيلة ونبي مُنح الإمتياز لمواجهة الله وجهاً لوجه، لأنه كان شبه إله تقريباً. ومع ذلك تكشف قراءة متأنية للتوراة أن موسى نبي معلول، وإنسان يتنقل ما بين الإصرار والسلبيـة، والقوة والهشاشة، والشجاعة والخوف، وما بين البهجة الحميدة والوهن العميق ” (1).
ج : كيف يكون موسى إنسان واسع الحيلة ويكون معلولاً في نفس الوقت ؟! وموسى النبي لم يُمنح الإمتياز لمواجهة الله، إنما نال شرف الحديث مع الله وجهاً لوجه، ولم يكن موسى يوماً ” شبه إله ” إنما هو إنسان عادي له ضعفاته، وفي نفس الوقت لا يمكن إهمال جوانب العظمة في شخصيته الجبارة، لقد قاد أعظم خروج في التاريخ كله، وكان يتكلم مع الله مباشرة حتى دُعي ” كليم الله ” وصار رئيساً للأنبياء.. إلخ فكيف نقبل القول بأنه كان متردداً في حياته معلولاً ؟!!
(1) في موضع آخر يقول كوناثان ” ويحفظ التلمود تعاليم غريبة تقول أن صفورة كانت قد أُبلغت بالحاجة الملحة لأداء الختان من قبل ملاك نزل من السماء وابتلع جسم موسى كله باستثناء عضوه التناسلي غير المُختن ” (حكايا محرمة في التوراة ص 186)
(1) حكايا محرمة ص 186
(2) المرجع السابق ص 193
(1) حكايا محرمة ص 186
(1) حكايا محرَّمة ص 194