لو كان لديك أبنين ضرب أحدهما الآخر ففقأ عينه، فهل من الحكمة أن تأمر المصاب بأن يفقأ عين المعتدي (خر 21: 23 – 25)؟ وهل تفضل أن يكون كل من أبنيك الأثنين أعور عوضًا أن يكون أحدهما فقط أعور؟
وأورد ” جيمس فريزر ” الكثير من عادات القبائل التي تُحاكم الحيوان القاتل، سواء كان حيواناً أليفاً أو مفترساً، وتقتله أو تقتل واحداً من نفس الفصيلة، وتوسع فريزر في مثل هذه العادات مدَّعياً أن سفر الخروج قد أقتبس حكمه علـى الثـور النطَّاح مـن هذه العادات (راجع الفولكلور جـ 3 ص 130 – 161).
حلمي القمص يعقوب
1- جاء الحكم الإلهي ” وإذا نطح ثور رجلاً أو إمـرأة فمات يُرجم الثور ولا يؤكل لحمه ” (خر 21 : 28) بل إن كان صاحب الثور يعرف أن ثوره هذا نطَّاحاً ولم يضبطه فأنه يُقتل ” فالثور يُرجم وصاحبه أيضاً يُقتل ” (خر 21 : 29) وهذا التشديد في الحكم يظهر مدى تقدير الله للنفس البشرية، فكل نفس بشرية هي ثمينة جداً في نظر الخالق.
2- رداً على تساؤل الناقد عما إذا كان الله يعلم بالمجاعات التي ستطيح بآلاف البشر، ولماذا لم يقدم لحوم هذه الثيران للذين يتعرضون للموت من جراء تلك المجاعات، نسأله بدورنا : هل تظن أن عدد الثيران النطَّاحة الهائجة في إسرائيل تكفي كل هؤلاء الآلاف والملايين في العالم؟! وهل كان الشعب اليهودي يرجم يومياً عشرات الثيران النطَّاحة؟! وما العمل لو كانت هذه الثيران في سيناء أو أرض الموعد وتلك المجاعات في الصومال وما حولها؟!!
3- ما أتى به ” جيمس فريزر ” من مشارق الشمس ومغاربها من العصور القديمة والعصور الوسطى، لا علم لموسى النبي (كاتب التوراة) به، فموسى النبي لم يقتبس قط من عادات هذه الشعوب، وأغلب الظن أنه لم يسمع مطلقاً بمثل هذه العادات. بل أريد أن أقول إن كانت تلك الشعوب الوثنية قـد إشمئزت من أكل لحوم هذه الحيوانات المؤذية للإنسان، فكيف يطالب الناقد بالإستفادة من لحوم تلك الحيوانات؟ هل تقبل أن تأكل لحم حيوان قتل إبنك أو أخيك أو أبيك؟! وبأي نفس تأكل؟!!
4- يقول أحد الآباء الرهبان بدير مارمينا العامر ” ليس من طبيعة الثور النطح، أي أن هذا التصرف يعتبر تصرفاً شاذاً، وقد يكـون نتيجة إصابة الثور بمرض في دمه ولحمه (هذا قياساً على حالة الكلب المسعور) وبالتالي يكون أكل لحم هذا الثور مُضر للإنسان الذي يأكله، لذا أمر الرب برجم هذا الثور لضمان ألا يأكل منه أحد ” [ من إجابات أسئلة سفر الخروج ].
5- يقول الإكليريكي صموئيل نجيب عطية – إكليريكية شبين الكوم ” أمر الله بإراحة الحيوان في اليوم السابع (خر 20 : 10) كما أوصى بترك الأرض في السنة السابعة حتى تجد وحوش البرية طعامها (خر 23 : 10، 11) وأمر أن لا يحرث الإنسان على ثور وحمار معاً (تث 22 : 10) لأن قوة وسرعة الثور تختلف عن قوة وسرعة الحمار، وأوصى قائلاً ” لا تكم الثور في دراسه ” (تث 25 : 4) وعندما أمر الله برجم الثور النطَّاح فلكي يؤكد على قدسية النفس البشرية وملكيتها لله الذي وحده له الحق في إستردادها متى شاء، والأمر لم يقف عند حد رجم الثور فقط، إنما لو كان صاحبه يعلم أنه ثور نطَّاح ولم يذبحه أو يضبطه، فأنه يقتل أيضاً، أو يدفع الفدية التي يضعها عليه أهل القتيل، وفي رجم الثور وصاحبه عقوبة رادعة لوقف الجريمة، أما الذين يتباكون على الثور فأنهم يُقدّرون الثور أكثر من تقديرهم للنفس البشرية، وإن كان هؤلاء النُقَّاد يقترحون ذبح الثور وتقديم لحمه للفقراء، فإن ما يجب أن يُقدّم للفقراء هو أفضل شئ، فربما كان هذا الثور مريضاً بجنون البقر أو غيره مما يؤثر على الإنسان ” [ من أبحاث النقد الكتابي ].