يقول الأستاذ علاء أبو بكر ” كيف يأمر الرب أن تستعير نساء بني إسرائيل حلي المصريات ويتآمر مع نبيه على سرقة هذا الحلي، بل ويسهل هذه المأمورية بقدرته في عيون المصريات فيقبلوا طلب الإسرائيليات ؟.. هل هذا إله أم زعيم عصابة ؟ إله يكذب ويسرق ؟! فكيف تكون رعيته ؟ وهل سيحاسب على الكذب والسرقة ؟ كيف وهو الذي علمنا إياها ؟ ” كراهة الرب شفتا كذب. أما العاملون بالصدق فرضاه ” (أم 12 : 22) ” (البهريز جـ 1 س 117، راجع أيضاً البهريز جـ2 س434، والبهريز جـ3 س526).
ويقول دكتور محمد بيومي ” وكأنما (الله) هو الذي أراد من الإسرائيليين سرقة المصريين.. وأعطى الرب نعمة للشعب في عيون المصريين حتى أعاروهم فسلبوا المصريين.. ولعل في هذا إشارة واضحة إلى خُلق الإسرائيليين وإستحلالهم لأموال غيرهم وسلبها بأية وسيلة ” (1).
ويرى زينون كوسيدوفسكي أن المصريين لم يكونوا سذجاً للدرجة التي يصدقون فيها أن الحلي التي إستعارها العبرانيات سترجع إليهم بعد ثلاثة أيام، ولذلك فإن أغلب الظن أن الإسرائيليين قد ثاروا على المصريين وسرقوا بيوتهم وهربوا إلى خارج الحدود (راجع الأسطورة والحقيقة في القصص التوراتية ص 122).
(1) تاريخ الشرق الأدنى القديم – تاريخ اليهود ص 239
حلمي القمص يعقوب
1- أستعبد المصريون بني إسرائيل، وسخروهم في صنع الطوب وبناء المدن بلا مقابل، غير السياط التي كانت تلهب ظهورهم0 لذلك فإن ما أخذته العبرانيات من المصريات يعتبر إحقاقاً للحق، وإسترداد لأجرتهم التي سلبها المصريون. فما فعله بنو إسرائيل لا يعتبر سرقة ولا إشتهاء ما للغير، بل يعتبر إسترداد للحق المسلوب، وقد فعلوا ذلك بناء على توجيهات إلهية، وعندما فعلوا هذا لم يغضب الله العادل الذي أوصاهم فيما بعد بعدم السرقة وعدم إشتهاء ما للغير.
2- يقول القديس مارافرام السرياني ” لم يخرج بنو إسرائيل بأنفسهم فقط، بل سلبوا المصريين بسياسة، وأخذوا مالهم. ولم يكن ذلك ظلماً، بل أن المصريين أستعملوهم كثيراً ولم يعطوهم أجرة فأخذوا أجرتهم منهم بسياسة ” (1).
3- لم تأخذ العبرانيات حلي وذهب وملابس المصريات عنوة، ولم يثر الإسرائيليون، ولم ينهبوا بيوت المصريين، إنما أخذوا هذه الأشياء برضاء كامل من جانب المصريات ” طلبوا من المصريين أمتعة فضة وأمتعة ذهب وثياباً. وأعطى الرب نعمة للشعب في عيون المصريين حتى أعاروهم ” (خر 12 : 35، 36) لقد أعطت المصريات الحلي والثياب للعبرانيات برضى وكتقدمة لإرضاء إله إسرائيل لئلا يهلكهم كما أهلك أبكارهن.
4- يقول أحد الآباء الرهبان بدير مارمينا العامر ” إن ما حصله بني إسرائيل من فضة وذهب من المصريين هو بمثابة أجر لهم عن ما قاموا به من أعمال سخرة للمصريين، ولقد سمح الرب أن يأخذوا أجرهم بصورة هادئة وجعل الرضى في قلوب المصريين. بينما كان من الممكن لدى الرب أن يدمر ممتلكاتهم بصورة قاسية بشكل ضربة من الضربات، كما أن الرب أراد من هذا الموقف أن يزرع الطمأنينة في قلوب شعبه كقول المزمور { لم يدع إنسانا يظلمهم } (مز 105 : 14) ” [ من إجابات أسئلة سفر الخروج ].
5- عادى المصريون بني إسرائيل، وكما كانت عادة تلك العصور أنه في حالة العداء والحرب تعتبر المسلوبات غنيمة سائغة، وبهذه المشاعر سلبت العبرانيات حلي وثياب المصريات، وأيضاً كان من عادات ذاك العصر أن السيد الذي يصرف عبداً كان يعطه ما يعينه على المعيشة لحين تدبير أموره، وجاء في الشريعة عن العبد ” وحين تطلقه حراً من عندك لا تطلقه فارغاً. تزوده من غنمك ومن بيدرك ومن معصرتك. كما باركك الرب إلهك تعطيه. وأذكر أنك كنت عبداً في أرض مصر ” (تث 15 : 13 – 15) ومادام المصريون قد أستعبدوا بني إسرائيل ثم أطلقوهم، لذلك كان لزاماً عليهم أن يزودونهم ببعض إحتياجاتهم.
6- يقول الدكتور وهيب جورجي ” ننظر إلى هذه الحادثة من ثلاث نواحي :
(أ) موقف الرب (ب) موقف المصريين (جـ) موقف بني إسرائيل
(أ) موقف الرب : موقف حرب مـع المصريين، وتسفيه لآلهتهم، وإعلان مجده تعالى، وفي هذا الصدد يقول موسى النبي ” الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون ” (خر 14 : 14).
(ب) موقف المصريين : ويتمثل في فرعون وجنوده، موقف العناد والإصرار، وعدم الإيمان بالله، وقسوة القلب وزيادة العبودية على بني إسرائيل، وتسخيرهم، وقتل أطفالهم.
(جـ) موقف بني إسرائيل : شعب مغلـوب على أمره، ذليل مهان ومستعبد وحاني الرأس. لجأ إلى الرب، وصرخ إليه في وقت الشدة.
من النواحي السابقة نلاحظ أن الموقف لم يكن تنفيذاً لناموس أدبي أو كسراً لأوامره، ولكنه موقف حربي، يبعد تماماً عن كافة الإعتبارات للقواعد الأدبية أو الأخلاقية، فهو من جهة الله موقف عدائي وإدانة للمصريين. ومن جانب المصريين : عدم إيمان بالله، وعناد وإصرار على إذلال وتسخير بني إسرائيل، فأمر الرب لبني إسرائيل، أن يحصلوا على أمتعة فضة وأمتعة ذهب، هو جزء لا يتجزأ من هذه الحرب، قُصد به تأديب المصريين من ناحية، وتعويض بني إسرائيل عن خسائرهم وحقوقهم المغتصبة من ناحية أخرى.. إن المصريين قدموا عطاياهم من ذهب وفضة برضاء تام معتقدين أن عطاياهم هذه ترضي إله إسرائيل، فعمل المصريين كان بمثابة تقدمات وهدايا لبني إسرائيل، كي يصلُّوا من أجلهم ليرفع الله غضبه عنهم ” (1).
7- تقول الإكليريكية الدكتورة كارولين ملاك صادق ” لم تسرق نساء بني إسرائيل شيئاً، إنما طلبنّ والمصريات إستجبنّ لطلبهنَّ، وأعطوهنَّ الحلي من الذهب والفضة، بسماح إلهي، كتعويض عن الأجرة، لأن المصريين سخَّروا بني إسرائيل في أعمال بلا مقابل { فاستعبد المصريون بني إسرائيل بعنف. ومرَّروا حياتهم بعبودية قاسية في الطين واللبن وفي كل عمل في الحقل } (خر 1 : 13، 14) والله لم يأمر الإسرائيليات بسرقة المصريات، إنما يطلبن منهنَّ الحلي، واستجابت المصريات برضى، لأنهن كن يستعجلن خروجهن من مصر. وبهذا تحققت نبؤة الكتاب عندما قال الله لإبراهيم { ثم الأمة التي يُستعبدون لها أنا أدينها. وبعد ذلك يخرجون بأملاك جزيلة } (تك 15 : 14) وقال المرنم { فأخرجهم بفضة وذهب ولم يكن في أسباطهم عاثر. فرحت مصر بخروجهم. لأن رعبهم سقط عليهم } (مز 105 : 37، 38) وقال الحكيم { الصالح يُورِث بني البنين. وثروة الخاطئ تُدخر للصديق } (أم 13 : 22) ” [ من أبحاث النقد الكتابي ].
(1) شرح سفر الخروج – دير القديس أنبا مقار ص 2.
(1) مقدمات العهد القديم ص 73 ، 74