هل موسى إله هرون “هو يكون لك فمًا وأنت تكون له إلهًا” (خر 4: 16) أم أنه إله فرعون “أنا جعلتك إلهًا لفرعون وهرون أخوك يكون نبيك” (خر 7: 1)؟ وهل هرون فمًا لموسى أم نبيًا له؟ وهل ما ورد في التوراة السامرية ” هو يكون لك لسانًا وأنت تكون له سلطانًا ” يعتبر نوعًا من التحريف؟ وهل دعوة موسى بأنه إله هرون تعتبر إشراك موسى مع الله في صفة الألوهية؟
1- جعل الله موسى إلهاً لهارون أي يكون مصدر الفكر والوحي لهارون، فموسى يخبر هرون بفكر الله، وهرون ينقل بفصاحته مضمون هذا الفكر لفرعون، فموسى هنا لم يصر إلهاً يُعبد، إنما صار مصدر الفكر والوحي لهرون.
2- جعل الله موسى أيضاً إلهاً لفرعون، إذ رأى فرعون في موسى قوة السلطان الإلهي الممنوح له، فبكلمة منه تحل الضربة على شعب مصر، وبكلمة منه تزول، ونُكرّر أن موسى لم يصر إلهاً يعبده فرعون، إنما صار مصدر الأمر والنهي بالنسبة لفرعون.
3- صار هرون فماً لموسى إذ كان يكلم فرعون بفكر موسى، فكان بمثابة فم لموسى النبي، وأيضاً صار هرون نبياً لموسى إذ كان موسى مصدر الوحي له، فيوحي له بالأفكار الإلهية، وهرون يترجمها باللغة التي يدركها فرعون ويفهمها بسهولة.
4- هناك فرق بين إله والله (معرفة بالألف واللام) فالله هو واحد وليس سواه، وسفر الخروج لم يخلع هذا الأسم (الله) على موسى. أما إله فمثلها مثل رب، قد تطلق على أحد غير الله، وكل من إلـه ورب يمكن إضافتها إلى غيرها، فنقول مثلاً رب البيت، ورب الأبل، والمقصود صاحب البيت أو صاحب الأبل، وإسم إله هنا أُضيف إلى إسم فرعون أو هارون، فموسى إله فرعون بمعنى أنه سيوقع عليه الضربات حتى يقع رعب موسى في قلبه، ويعترف فرعون بخطئه ويلتمس صلاته من أجله، وموسى إله هرون أي أن هرون ينفذ كلمات موسى وكأنها كلمات الله ذاته.
5- التوراة السامرية ليست هي توراة أخرى غير العبرية، إنما هي مجرد ترجمة للتوراة العبرية كما سبق ورأينا، ولذلك يحسن أن نقول الترجمة السامرية وليس التوراة السامرية، وما ورد بشأن (خر 4 : 16) يحمل نفس المعنى، فسواء كان هرون فماً أو لساناً لموسى فالمعنى واحد، وهو أنه المتحدث الرسمي باسم موسى، وسواء كان موسى إلهاً أو سلطاناً لهارون فالمعنى واحد، وهو أن موسى هو مصدر الوحي أو مصدر السلطان، أو ذو كلمة مسموعة لدى هارون.
6- يقول القديس هيلاريون أسقف بواتيه ” لقد قيل لموسى { أنا جعلتك إلهاً لفرعون } أليست هذه الإضافة { لفرعون } تبين سبب اللقب ؟ فهل منح الله لموسى الطبيعة الإلهية ؟ ألم يجعله إلهاً في نظر فرعون فحسب ؟ إن كان مزمعاً أن يصيبه الرعب عندما تبتلع حيَّة موسى حيَّات السحرة ثم تعود إلى عصا مرة أخرى، وعندما أزال عنه ضربة الحشرات الضارة التي كان قد أنزلها، وعندما أوقف البَرَد بنفس القوة والسلطان الذي إستدعاه به، وأبعد الجراد بنفس القدرة التي جلبه بها، وعندما رأى السحرة محتارين من العجائب التي صنع بأصبع الله.. هذا هو المعنى الذي على أساسه دُعي موسى إلهاً لفرعون، فهو الذي جعله أرتعب، ثم توسَّل، وعوقب ثم شُفي. فهناك إذاً فرق بين أن يُدعى الشخص إلهاً وبين أن يكون إلهاً، فلقد جُعل موسى إلهاً لفرعون ولم يكن له الطبيعة ولا الأسم الذي يختص بالله، وإني أُذكركم أيضاً بحالة أخرى أُعطي فيها الأسم كلقب، حيث كُتب { أنا قلت أنكم آلهة } (مز 82 : 6) ولكنه أوضح هنا أيضاً أنها مجرد منحة وامتياز ” (1).
(1) شرح سفر الخروج – دير القديس أنبا مقار ص 186