كيف ينذر يعقوب أن يكون الرب إلهه مقابل لقمة الخبز والثياب؟
” و نذر يعقوب نذرا قائلا إن كان الله معي و حفظني في هذا الطريق الذي انا سائر فيه و أعطاني خبزا لأكل و ثيابا لألبس. و رجعت بسلام إلى بيت أبي يكون الرب لي إلها.” [تك28/20ـ21] ترى هل لو لم يعطه الرب خبزا وثيابا، هل كان سيعبد الأصنام؟
1- إنسان نذر نذرًا لإلهه، سواء أصاب في نذره أم لا، وقد سجل الكتاب المقدَّس ما حدث بأمانة مطلقة، فهل هذا يعيب الكتاب المقدَّس؟ كلاَّ.. هل هذا يعيب يعقوب..؟ ربما، وبما أننا لا نؤمن بعصمة الأنبياء في حياتهم الشخصية وفي تصرفاتهم، لذلك لا توجد ثمة مشكلة لدينا.
2- ما يقوله ليوتاكسل لا يخرج عن كونه تهريجًا لإنسان بعيد كل البعد عن الله، فمثلًا:
أ – الملائكة التي رآها يعقوب في حلمه تصعد وتنزل من على السُلم الممتدة من الأرض للسماء، ما هو إلاَّ تعبير لطيف عن خدمة الملائكة لنا، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. إذ تُصِعد صلواتنا للجالس على العرش، وتأتي باستجابات هذه الصلوات والطلبات.. أما في نظر ليوتاكسل فإنها تعبر عن حركات بهلوانية.
ب- وعد الله يعقوب قائلًا “الأرض التي أنت مضطجع عليها أعطيها لك ولنسلك. ويكون نسلك كتراب الأرض وتمتد غربًا وشرقًا وشمالًا وجنوبًا. ويتبارك فيك وفي نسلك جميع قبائل الأرض. وها أنا معك وأحفظك حينما تذهب وأردك إلى هذه الأرض لأني لا أتركك حتى أفعل ما كلمتك به” (تك 28: 13 – 15).. أما ليوتاكسل فيقول أن الله وعد يعقوب بجبال من الذهب ومفاتيح السماء.. فمن أين آتى بهذه الوعود إلاَّ من خياله؟! فهو يخلط بين الحقيقة والخيال.
جـ- يمثل عشر الثور في نظر ليوتاكسل قرني هذا الثور اللتان بلا قيمة، وهكذا هي موازين ليوتاكسل المقلوبة التي لا يمكن أن يقبلها إنسان منصف.
د – كانت آلهة الشعوب القديمة مجرد أصنام يستطيع صاحبها أن يلقي بها في النهر. أما إله يعقوب فهو الله الخالق القادر على كل شيء، فهل يستطيع يعقوب أو غيره أن يتصرف معه تصرف الأمم بآلهتها..؟! ربما يعد هذا ممكنا في نظر ليوتاكسل.
3- يقول الدكتور محمد بيومي أن الله يبدو في هذه القصة كمساوم مع يعقوب، والحقيقة أن الصورة ليست هكذا على الإطلاق، لأن الله لم يساوم يعقوب ولا غيره، إنما يعقوب في خوفه وضعفه نتيجة الظروف الصعبة التي يجوز فيها، وإذ هو بمفرده طريح الصحراء طريدًا من أخيه، تصرَّف كطفل صغير مع أبيه، وقد يقول لك طفلك ” إن لم تحضر لي اللعبة فإنني لن أكلمك ثانية ” وأنت تقبل منه هذا الكلام وذاك المنطق، وهكذا لم يعقب الله على كلام يعقوب، ولم يعاقبه، ولم يساومه ويفاصل معه.
4- يقول قداسة البابا شنودة الثالث ” ومن جانب يعقوب نذرًا نذرًا بشروط.. (تك 28: 20 – 22) الله قدم هنا وعودًا بلا شروط (تك 28: 13 – 15) ويعقوب قدم نذرًا لله بشروط. ولعل سبب شروط يعقوب، أنه لم يكن قد دخل في عمق الإيمان بعد. إنه الآن في بدء علاقته الشخصية مع الله، ويريد أن يتحقق من وعود الله له!! هوذا الله يقول له ” ها أنا معك وأحفظك حيثما تذهب “ وهو يقول في شروطه ” إن كان الله معي وحفظني في الطريق الذي أنا سائر فيه”.. والله يقول له ” وأردك إلى هذه الأرض “ وهو يقول: “إن رجعت بسلام إلى بيت أبي”..”(4).
5- تقول الدكتورة نبيلة توما ” أن الإنسان مخلوق ضعيف، قد يطلب من الله طلب مادي، فإن تحقق يسير معه ويؤمن به أكثر فأكثر. ويعقوب لم يكن قد تعرَّف على الله بعد، ولم يصل إلى المعرفة الناضجة، ولا اختبر العشرة العميقة مع إلهه، ولذلك طلب في ضعفه وخوفه الحماية من الله وأن يمنحه قوتًا وملبسًا لكيما يعبده. والإنسان في ضعفه قد يطلب علامة من الله كما حدث مع جدعون (قض 6: 36 – 40) بينما حدث العكس مع آحاز الملك، فعندما قال له إشعياء ” أطلب لنفسك آية من الرب إلهك. عمق الطلب أو رفَعه إلى فوق. فقال أحاز لا أطلب ولا أجرب الرب” (أش 7: 11، 12) “(5).
6- يقول الأستاذ الدكتور يوسف رياض ” ما طلبه يعقوب هو أن يعطيه الله مستلزمات الحياة ويرجعه سالمًا إلى بيت أبيه، فهذا سيجعله يعبد الله معترفًا بأفضاله“(6).
_____
(1) البهريز جـ1 س293.
(2) التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 128، 129.
(3) تاريخ الشرق الأدنى القديم – تاريخ اليهود – ص 236، 237.
(4) تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف ص 32.
(5) من إجابات أسئلة سفر التكوين.
(6) من إجابات أسئلة سفر التكوين.