لماذا لا تتبع المسيحية شريعة العهد القديم، بينما هي لم تنقضها حسب قول السيد المسيح “لا تظنوا إنى جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء فلماذا لا تسير المسيحية بمبدأ “عين بعين، وسن بسن” ولا داعى لعبارة “من لطمك على خدك حول له الآخر”، وما يشبهها. وإلا تكون قد نقضت الناموس؟
خادم الرب أثناسيوس
لاحظ أن السيد المسيح لم يقل فقط ما جئت لأنقض، وإنما أضاف بل لأكمل. وعبارة إنه جاء ليكمل لها معنيان: الأول: إنه جاء يكمل فهم اليهود للشريعة. فاليهود ما كانوا على فهم سليم للشريعة. حتى أن شريعة السبت مثلاً، كانوا يفهمونها بطريقة حرفية بحتة، فلا يعمل الإنسان أي عمل في السبت، حتى فعل الخير… لدرجة أنه حينما قام السيد المسيح بمعجزة كبيرة، في يوم سبت، وهي منح البصر لشخص مولود أعمى، قابلوا هذا الإنسان بعد أن أبصر وقالوا له إن الذي شفاه إنسان خاطئ!! (يو 9: 24) لمجرد أنه صنع المعجزة في يوم السبت!! وهي منح البصر لشخص مولود أعمى قابلوا هذا الإنسان بعد أن أبصر وقالوا له إن الذي شفاه إنسان خاطئ!! (يو 9: 24) لمجرد أنه صنع المعجزة في يوم سبت!! وقد جادلوا المسيح في عناد عن “هل يحل الإبراء في السبوت؟ لكي يشتكوا عليه (مت 12: 10). وما أكثر المجادلات التي دخلوا فيها لحل مشكلة “هل يحل في السبت فعل الخير؟!” (لو 6: 9) (مت 12: 12). فماذا كان تكميل فهمهم في وصية عين بعين وسن بسن؟ كانت للأحكام القضائية، وليست للمعاملات الشخصية. بدليل أن يوسف الصديق لم يعامل أخوته بوصية “عين بعين وسن بس” ولم ينتقم لنفسه من الشر الذي صنعوه به، وإنما أكرمهم في مصر، وأسكنهم في أرض جاسان، واعتنى بهم” (تك 50: 17-21). وداود النبي لم يكافئ شاول شراً بشر، بل احترمه في حياته. وفي وفاته رثاه بعبارات مؤثرة (2صم 1: 17-25).
وأحسن إلى كل أهل بيته… ثانياً: عبارة يكمل تعنى أيضاً يكمل لهم طريق السمو والقداسة. وبخاصة لأن العهد الجديد بدأت تزول فيه العبادة الوثنية التي كانت منتشرة طوال العهد القديم. وعمل الإيمان في قلوب الناس، إلى جوار عمل الروح القدس فيهم، ومؤازرة النعمة لهم. فكان يمكن لهم أن يتقدموا في حياة الروح ويسلكوا بسمو أعلى من ذي قبل. وتكملة الطريق الروحي، لم يكن فيها نقد للقديم. فمثلاً قال لهم السيد المسيح “سمعتم أنه قيل للقدماء لا تزن، أما أنا فأقول لكم إن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها، فقد زنى بها في قلبه” (مت 5: 27، 28). هنا الوصية القديمة “لا تزن” لا تزال قائمة لم تنقض. لكن أضيف إليها معنى أعمق، هو عفة القلب والنظر، وليس مجرد عفة الجسد… مثال آخر: قال السيد “قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تقتل، ومن قتل يكون مستوجب الحكم. أما أنا فأقول لكم كل من يغضب على أخيه باطلاً يكون مستوجب الحكم” (مت 5: 21، 22). هنا الوصية القديم “لا تقتل”، لا تزال قائمة لم ينقضها، ولكن أضيف إليها منع الغضب الباطل، على اعتبار أن القتل خطوته الأولى هي الغضب، كما أن الزنى خطوته الأولى هي شهوة القلب… إذن السيد المسيح لم ينقض العهد القديم. بل شرح روح الوصية، ومنع الخطوة الأولى إلى الخطية.
ويعوزنا الوقت إن دخلنا في كل التفاصيل بالنسبة إلى كل الوصايا، فهذا يحتاج إلى كتاب كامل، وليس إلى مجرد مقال أو إجابة سؤال. كذلك ليس العهد القديم فيه الوصايا العشر فقط، إنما توجد فيه وصايا وتعاليم أدبية كثيرة فيها سمو كبير. وقد خفي ذلك على عديد من معلمي اليهود. لذلك قال لهم السيد المسيح في مناسبة أخرى: “تضلون إذ لا تعرفون الكتب” (مت 22: 29).