كيف أخطأ هرون هذا الخطأ الشنيع وأفسد بني إسرائيل؟ ولماذا لم يعاقبه الله عندما صنع العجل الذهبي (خر 32) بينما عاقب الشعب ” وضرب الرب الشعب لأنهم صنعوا العجل الذي صنعه هرون” (خر 32: 35) فقُتِل منه ثلاثة آلاف رجل (خر 32: 28) بل بسبب خطأ بسيط أحرق الله أبني هرون (لا 10: 1، 2)؟
قال محمد قاسم ورد في (لا 10 : 1، 2) ” وأخذ أبنا هرون ناداب وأبيهو كل منهما مجمرته وجعلا فيها ناراً ووضعا عليهما بخوراً وقرَّبا أمام الرب نار غريبة لم يأمرهما بهأ. فخرجت نار من عند الرب وأكلتهما فماتا أمام الرب.. فكيف لم يعاقب الرب هرون على ما هو أشد مـن ذلك بعبادة العجل وبنـاء مذبح له؟ إلاَّ إذا كان ذلك لم يحدث من هارون ” (1).
وقال ليوتاكسل ” ولما نزل موسى من الجبل حاملاً اللوحين الإلهيين تحت أبطه، ورأى العجل الذهبي في وسط معسكره وجموع شعب يهوه المختار تخر ساجدة له وتقدم القرابين وهي ترقص وتنشد أثار ثورة لا يصعب على القارئ تصوُّرها، وما زاد من شدة عقدة لسانه، أن هارون نفسه، ذلك الأبله المعتوه الذي إنتقاه له يهوه نفسه مساعداً، هو الذي كان يقود تلك الطقوس الوثنية.. إن أمتع ما في هذه القصة هو، أن موسى لم يوجه اللوم إلى هارون الذي سكب الصنم بيديه الآثمتين، بل أمر اللاويين الذين لم تكن جريمتهم أقل بشاعة من جريمة هارون، أن يحملوا أسلحتهم ويجوبوا المعسكر ويقتلوا كل واحد أخاه وكل واحد صاحبه وكل واحد قريبه ” (1).
(1) التناقض في تواريخ وأحداث التوراة ص 16.
(1) التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 183 ، 184
حلمي القمص يعقوب
1- خشى هرون هيجان الشعب، وأرتعب من تجمعهم حوله، وهم يأمرونه ” قم أصنع لنا آلهة “، ولاسيما أن التلمود يقول أن ” حور ” تصدى للشعب الثائر فقتلوه، وأراد هرون الخروج من المأذق، وإذ هو يعرف مدى محبة اليهودي للمال والذهب، طلب منهم المشغولات الذهبية لعلهم يتراجعوا، ولكن الأمر العجيب أنهم أسرعوا بإحضارها، فصنع لهم تمثالأ. ومع هذا فلا يمكن إعفاء هرون من المسئولية، لقد بنى مذبحاً أمام العجل، ونادى : غداً عيد للرب، فأصعدوا محرقات وقدموا ذبائح سلامة ” فقد أراد هارون أن يُغطي بشاعة شرهم بستار التعبد للرب، ببناء مذبح وإقامة عيد للرب وتقديم الذبائح والمحرقات، ولكن لمن هذا المذبح؟ وأي عيد للرب هذا الذي يعيّدونه؟ ولمن تقدّم هذا الذبائح؟.. إن هذه المحاولة من هارون لعبادة الله، بإقامة عيد للرب وتقديم الذبائح والمحرقات، في وجود العجل الذهبي، تجعل لهذه الخطية أثراً أكثر بشاعة0 وتدميراً من مجرد الأنحراف عن عبادة الله إلى آلهة أخرى، لأنها تزييف لعبادة الله الحي ” (2).
2- غضب الله على هرون وأراد أن يبيده، ولكن موسى تشفع له، وهذا ما أوضحه موسى النبي في موضع آخر إذ يقول ” فنظرت وإذ أنتم قد أخطأتم إلى الرب إلهكم وصنعتم لأنفسكم عجلاً مسبوكاً وزغتم سريعاً عن الطريق التي أوصاكم بها الرب.. وعلى هرون غضب الرب جداً ليبيده. فصليتُ أيضاً من أجل هرون في ذلك الوقت. وأما خطيتكم العجل الذي صنعتموه فأخذته وأحرقته بالنار ورضضته وطحنته جيداً حتى نعم كالغبار. ثم طرحت غباره في النهر المنحدر من الجبل ” (تث 9 : 16 – 21).
3- آخذ موسى هرون بشدة وأستجوبه، ولكن لم يمد يده عليه، ربما لأن الضغوط التي وقعت عليه كانت أكثر من إحتماله، وليس كل اللاويين أشتركوا في عبادة العجل، فعندما صرخ موسى ” من للرب فإليَّ. أجتمع إليه جميع بني لاوي. فقال لهم. هكذا قال الرب إله إسرائيل ضعوا كل واحد سيفه على فخذه ومروا وأرجعوا من باب إلى باب في المحلـة وأقتلـوا كـل واحد أخاه وكل واحد صاحبه وكـل واحـد قريبه ” (خر 32 : 26، 27).
4- رداً على الأستاذ محمد قاسم الذي يستبعد ما فعله هرون نقول له أرجع إلى القرآن لترى إقراره بحقيقة القصة، فقد جاء في سورة الأعراف ” وأتخذ قوم موسى من بعده من حُليهم عجلاً جسداً له خوار ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلاً أتخذوه وكانوا ظالمين.. ولما رجع موسى إلى قومه غضبن أسفاً قال بئسما خلقتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه قال أبن أُم أن القوم أستضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تُشمّت بي الأعداء ولا تجعلنـي مـع القـوم الظالمين ” (الأعراف 148 – 150) وفي سورة البقرة ” وإذا واعدنا موسى أربعين ليلة ثم أتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون ” (البقرة 51) وتكرر المعنى في سورة طه 87 – 97 حيث قال أن الذي صنع العجل هو الرجل السامري [ وإن كان ما ورد في القرآن يخالف ما جاء في التوراة في أن العجل كان له خوار، وأن الذي صنع العجل هو السامري، مع أن السامرة لم تكن قد شيدت بعد، ولم يكن لها إسم ولا رسم ].
5- أما عن خطية أبني هارون ناداب وأبيهو، فقد سبق مناقشة هذا الموضوع. راجع: هل إله العهد القديم متحيز لليهود؟
(2) شرح سفر التكوين – دير القديس أنبا مقار ص 704 ، 705