ماذا يعني الرسول بقوله: “كما هو الترابي هكذا الترابيون أيضا، وكما هو السماوي هكذا السماويون أيضا” (1 كو 10: 48)؟
أول وأكبر موقع للأسئلة والأجوبة المسيحية والذي يخدم جموع الشعب الناطقين باللغة العربية في كل بقاع العالم.
القمص تادرس يعقوب ملطي
كما كان آدم الذي تشكل من التراب هكذا تكون سلالته، خاضعين للضعف والانحلال والموت. وكما هو السماوي هكذا من يتحد به يشترك في المجد السماوي. يقول العلامة أوريجينوس: إن بقيت فيما هو من الأرض فإنك تتحول إليها في النهاية. يجب أن تتغير، يلزم أن تصير سماويا.
ويقول مكسيموس أسقف تورينو : تشكل آدم من الطين بيدي الله، وتشكل المسيح في الرحم بروح الله.
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: لماذا إذن؟ ألم يمت هذا الإنسان أيضا؟ حقا لقد مات لكن لم تصبه أذية من هذا بل بالأحرى وضع نهاية للموت.
يقول الأب بطرس خريسولوجوس:
ليتنا نسمع ما جاء بعد ذلك: “كما كان الترابي هكذا الترابيون، وكما هو السماوي، هكذا يكون السمائيون”. كيف يمكن للذين لم يولدوا هكذا کسمائيين أن يوجدوا سمائيين؟ ليس ببقائهم على ما ولدوا عليه بل بالاستمرار في أن يكونوا حسب الولادة الجديدة.
أيها الإخوة هذا هو السبب أن الروح السماوي بأمر سري لنوره أعطى خصوبة لرحم الأم العذراء. لقد أراد أن يلد أولئك الذين لهم أصل من كم ترابي موروث فجاءوا كبشر أرضيين في حالة يرثى لها ليصيروا ككائنات سماوية. أراد أن يحضرهم إلى شبه خالقهم. هكذا ليتنا نحن الذين بالفعل قد وُلدنا ثانية وتشكلنا على صورة خالقنا نحقق ما أمر به الرسول. لذلك وإن كنا قد حملنا شبه الأرضي، فلنحمل شبه السماوي!
لنثق بأن كل هذا كان ضرورة وهو أننا قد تشكلنا من الأرض، فلا نقدر أن نجلب ثمارا سماوية. نحن الذين ولدنا من الشهوة لا نقدر أن نتجنب الشهوة، نحن الذين ولدنا من إغراءات الجسد القوية لابد لنا أن نحمل ثقل إغراءاته. وإذ نتنقل بإغراءاته حسبنا هذا العالم بيتنا وصرنا أسرى لشروره. نحن نولد من جديد على شبه رينا (كما أشرنا) الذي حبلت به البتول، فنحيا بالروح، ونحمل التواضع ويولد فينا الكمال، وتنتعش فينا البراءة، ونتعلم القداسة، ونتمرن على الفضيلة، ويتبنانا الله أبناء له.
لنحمل صورة خالقنا في إنتاج كامل. ليكن ذلك إعادة إنتاج ليس لذاك الجلال الذي هو فريد في هذا، وإنما في تلك البراءة والبساطة والوداعة والصبر والتواضع والرحمة والسلام الذي به قد عين لكي يصير واحدا معنا.
ليته تبطل احتكاكات الرذائل المزعجة، وتنهزم إغراءات الخطايا الخطيرة، وضبط العين مصدر الجرائم. ليت كل ضباب الأمور الزمنية يتبدد من حواسنا. ليت كل وهن الشهوات العالمية تطرد من أذهاننا.
لنقبل فقر المسيح الذي يخزن لنا غنى أبدا في السماء. لنحفظ بالكامل قداسة النفس والجسد، لكي نحمل صورة خالقنا ونعتز بها فينا، لا خلال حجمها بل طريقة عملها.
يؤكد الرسول ما قلناه بكلماته: “الآن أقول يا إخوة أن لحما ودما لا يقدران أن يرثا ملكوت الله”. انظر كيف يكرز بقيامة الجسد! هناك الروح تملك الجسد، لا الجسد يملك الروح، كما توضح الكلمات التالية: “ولا يرث الفساد عدم الفساد” (1 كو 15: 50).
ها أنتم ترون أنه ليس الجسد هو الذي يهلك، بل عنصر الفساد؛ ليس الإنسان، بل أخطاؤه، ليس الشخص بل خطاياه، حتى أن الإنسان الذي يعيش في الله وأقامه، هو وحده يفرح عند بلوغه الخلاص من خطاياه.