إنه جسد جديد لكنه ليس خليقة جديدة من الناحية العضوية يمت بصلة للجسد القديم وإن كان بينهما ارتباط كما بينهما اختلاف. وذلك مثل حبة القمح التي تزرع وتأتي بسنبلة، أو كالشخص المولود کاملا الذي كان جنينا في بطن أمه.
في يوم الرب ستجمع أعضاء الجسد الموجودة في القبر أو التي تحللت ويعاد بنائها كجسم جديد. حتى تلك الأعضاء التي لا يعرف الإنسان من أين جمعها الرب، فإن الله لا يجهلها ولا يصعب عليه جمعها، أينما تبعثرت. يجمعها الرب بطريقة سرية، فتقوم بغير فسا، ويحسب الجسم غريبا بالنسبة لهذا العالم الحاضر.
يقوم الجسد بسمات جديدة تليق بالحياة الأبدية. هذا الأمر يبقى لنا سرا يفوق قدراتنا البشرية التعرف عليها.
تحدث رب المجد عن هذا التغير، قائلا: “لأنهم في القيامة لا يزوجون ولا يتزوجون، بل يكونون كملائكة الله في السماء” (مت ۳۰۰ : ۲۲ ).
إذ لا يستطيعون أن يموتوا أيضا، لأنهم يصيرون مثل الملائكة، وهم أبناء الله؛ إذ هم أبناء القيامة” (لو ۲۰: ۳۹). ويقول الرسول بولس: “الأطعمة الجوف والجوف للأطعمة، والله سيبيد هذا وتلك” (1 كو 6: ۱۳).
أولا: بلا فساد (1 كو 15: 4۲). يقول الرسول: “هكذا أيضا قيامة الأموات: يزرع في فساد، ويقام في عدم فساد.” جاءت كلمة ” يزرع” كتعبير مبهج عوض “يدفن”.
ازرع في فساد” إذ يتعرض الجسم للانحطاط والفساد والانحلال. ويقام في عدم فساد”، كجسير مجيد لن يخضع بعد إلى فساير أو انحلال أو موت. يقول القديس كيرلس الأورشليمي: أسيقوم هذا الجسد ولكن ليس في ضعفه الحالي. سيقوم نفس الجسم ولكن بعد إزالة الفساد وتحوله، وذلك كالحديد الذي يصير نارا عندما يتحد بالنار، وذلك كما يعرف الرب الذي يقيمنا. إذن هذا الجسد سيقوم، ولكن لن يبقى في وضعه الحالي بل يصير جسدا أبديا. لا يعود يحتاج إلى قوت للحياة كما الآن، ولا إلى درجات يصعد عليها. يصير روحيا، إنه أمر عجيب، نسأل أن نتعرف على وضعه.
يقول القديس أغسطينوس:
مع أن القديسين روحيون في الذهن إلا أنهم لا يزالوا جسديين في الجسد القابل للفساد الذي يبقى نقلا على النفس. إنهم سيصيرون روحيين أيضا في الجسد عندما يزرع الجسد الحيواني ويقوم جسدا روحانيا. إنهم لا يزالوا سجناء في حصون الخطية، ما داموا يخضعون لإغراءات الشهوات التي لا يوافقون عليها. هكذا فهمت هذا الأمر كما حدث مع هيلاري وغريغوريوس وأمبروسيوس وغيرهم من معلمي الكنيسة المشهورين، هؤلاء رأوا أن الرسول بكلماته حارب بقوة نفس المعركة ضد الأفكار الجسدية التي لم يكن يريدها؟
كما أنه عندما تخدم الروح الجسد تدعى بحق جسدانية، هكذا عندما يخدم الجسد الروح يدعى بحق روحانيا. ليس بمعنى أنه يتحول إلى روح كما يتوهم البعض بتفسيرهم الكلمات: “يزرع في فساد ويقام في عدم فساد”، وإنما لأنه يخضع للروح في استعداد للطاعة الكاملة العجيبة ويتجاوب في كل شيء مع الإرادة التي دخلت إلى الخلود، فيزول عنها كل تخاذل وفساد وخمول. لأن الجسد ليس فقط سيكون أفضل مما عليه الآن في أفضل حالته الصحية، بل وسيسمو فوق جسدي أبوينا الأولين اللذين أخطأ.
بطريقة ما تشرق البتولية هناك، وبطريقة أخرى تشرق هناك عفة الزواج، وبطريقة ثالثة سوف شرق التأمل المقدس. يشرق الكل بطرق مختلفة، لكن الكل سيكونون هناك.
لقد شربت (أيها الموت)، لقد جرحت، لقد سقطت طريقا، لكن جرح ذاك الذي خلقني. يا موت، يا موت، هوذا الذي أوجدني جرح من أجلي وبموته غلبك. بنصرة سيقولون: “أين شوكتك يا موت؟ أين غلبتك يا موت؟ (۱ کو 15: 55)
ستتجدد نحن أيضا في الجسد عندما يلبس هذا الفاسد عدم الفساد، فيصير جسدا روحانیا. آدم لم يتغير بعد إلى مثل هذا الجسم، بل كان موضوعا له أن يكون هكذا لو أنه لم يتأهل بسبب الخطية للموت حتى بالنسبة لجسده الطبيعي. أخيرا فإن بولس لم يقل: “الجسد مائت بسبب الخطية، بل الجسد مات بسبب الخطية.
لو سألنا مسيحيا صالحا له زوجة، وقد يكون لديه أبناء منها عما إذا كان يرغب في أن تكون له علاقة جسدية بزوجته في ملكوت السماوات، فبالرغم من محبته لزوجته في الحياة الحاضرة وارتباطه بها، سيجيب بلا تردد رافا بشدة أن تكون علاقته بها في السماء علاقة جسدية، لأنه يهتم بتلك الحياة التي فيها يلبس الفاسد عدم فساد وهذا المائت عدم موت (۱کو 15: 53-54).
هل لي أن أسأله مرة أخرى عما إذا كان يرغب في أن تكون زوجته معه بعد القيامة هناك، حيث يكون لها ذلك التغير الملائكي الذي وعد به الرب القديسين، فإنه سيجيب بالإيجاب بشدة، قدر ما رفض بشدة في الحالة الأولى.
نفهم من أقوال أغسطينوس أن على الزوجين أن يحبا بعضهما البعض ويهتم كل منهما بالحياة الروحية للأخر فلا تكون علاقتهما ببعض مجرد اتصال جسدي، سوف ينتهي ويزول بزوال العالم… وذلك كنظرتنا إلى الطعام، فهو ليس بالشيء المحرم أو النجس ومع ذلك فينبغي ألا يكون هدفا لنا، لأنه طعام فاسد لا يبقى إلى الأبد. فالزواج سر مقدس له كرامته وقدسيته لأن مؤسسه رب المجد نفسه. ويقول عنه أغسطينوس نفسه “إن قداسة السر، لها في زيجتنا (المسيحية) قوة أكثر من قوة ثمرة الأولاد في الدم”.
لهذا ما يحبه المسيحي الصالح في المرأة هو كونها مخلوق إلهي، هذه التي يرغب لها التجديد والتغير دون أن يهتم بالعلاقة الشهوانية. وبنفس الطريقة يحب الإنسان عدوه، لا لأجل عداوته له بل لكونه إنسانا يرغب له نفس النجاح الذي يريده لنفسه، أي بلوغ ملكوت السماوات.
وهذا ينطبق أيضا على الأبوة والأمومة وبقية العلاقات الجسدية (الدموية)، فنبغض فيهم العلاقات الجسدية، بقدر ما نحب كل ما يؤدي بهم إلى الوصول لملكوت السماوات. فهناك لا نقول لأحد: “أبي”، بل جميعنا نقول الله “أبانا”. ولا نقول لأحد: “أمي” بل نقول جميعنا لأورشليم السماوية “أمنا”. ولا نقول لأحد: “أخي” بل يقول الكل للآخر: “أخي”.
حقا سيكون هناك زواج من جانبنا، إذ نتقدم جميعا كزوجة واحدة لذاك الذي خلصنا من نجاسة هذا العالم بسفك دمه، لذلك يلزم لتلميذ المسيح أن يكره تلك الأمور الزائلة المتعلقة بأقربائه، وبقدر كراهيته لهذه الأمور يحب أشخاصهم، راجيا لهم حياة أبدية.
ويقول القديس يوحنا الذهبي الفم:
على أي الأحوال “هذا الفاسد” الذي للجسد “لابد أن يلبس عدم فساد”. أما الآخر، أي النفس، فليس فيها فساد قط حيث يوجد فيها عدم الفساد… الآن إن كنا سنرحل إلى العالم الآخر وفينا فساد فسيصير هذا الفاسد بلا فساد بلا نهاية، بل يبقى محترقا ولا يحترق ليفني، يبقى دوما مضروبا بالدود، فساده لا يفسد. فيكون حاله مثل أيوب الطوباوي الذي فسد (جسده) ولم يمت ولفترة طويلة. كان “انهياره مستمرا يضع كتل التراب على قروحه” (أي 5 : ۷ LXX).
لئلا عندما يسمع أحد أن لحما ودما لا يقدران أن يرثا ملكوت الله” يظن أن أجسامنا لا تقوم، لذلك أضاف: “ولا يرث الفساد عدم الفساد”، و “يلبس هذا المائت عدم موت”. الآن فإن الجسم فاسد، الجسم مائت، لذلك يبقى الجسم حقا، لأن الجسم هو الذي سيلبس عدم الفساد، لكن فساده وموته يبيدان، بينما يحل عليه عدم الفساد وعدم الموت. لا تعود بعد تسأل كيف ستعيش حياة بلا نهاية، فقد سمعت الآن عن تحوله إلى عدم الفساد
ثانيا: مجید (۱ کو 15: 43). يتسم الجسم القائم من الأموات أنه مجيد، وقد قال السيد المسيح:
“حينئذ يضيء الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم” (مت ۱۳: 43). بينما يضيء الأبرار كالنجوم أكثر من الشمس يكون الأشرار في الظلمة… يقول الرسول: يزرع في هوان، ويقام في مجي”. بسبب الخطية حرم الجسم وطاقاته وحواسه ومشاعره من كل المجد وصار في هوان، وأصبح مصيره الموت. لكنه يقوم في مجلي، إذ يتمتع بالخلود ويتحرر من عبودية الموت أبديا. يقول القديس ديديموس الضرير: عندما يزرع الجسد الذي يتكون بواسطة العلاقات الجسدية بين ذكر وأنثى يكون فيه هوان وضعف، لأنه جسد نفس هالكة تشاركه سماته. ولكن إذ يقوم بقوة الله يظهر جسدا روحيا يحمل عدم الهلاك والقوة والكرامة. ويقول الأب أمبروسیاستر: يُزرع الجسد في هوان، لأنه يوضع في كفن فيه يفسد ويأكله الدود. ولكن عندما يقوم يكون في مجير وينتهي كل أثر للهوان.
ثالثا: في قوة (1 كو 15: 43). يقول الرسول: “يزرع في ضعف، ويقام في قوة”. يزرع في ضعف”: إذ يتعرض للأمراض، ويقام في قوة”، إذ لا يتعرض بعض التعب والمرض والشيخوخة والانحلال والموت. ماذا يقصد بالقوة هنا؟ ليست كتلك الخاصة بالله ولا بملائكة.
وهي ليست بالقوة البدنية، لكنها قوة تعمل ما يبدو كأنه أمر مستحيل تنفيذه الآن. أيضا القوة هنا مقابل الضعف الذي كان الجسم يتعرض له في هذا العالم. وكأن القوة تعني عدم خضوع الجسم للأمراض والضعفات والاحتياجات الجسمانية من أكل وشرب ونوم، كما لا يمكن أن يحل به الموت أو الفساد أو الانحلال.
رابعا: جسم روحاني (1 كو 15: 44). يقول الرسول: يزرع جسما حيوانيا، ويقام جسما روحانيا. يوجد جسم حيواني، ويوجد جسم روحاني”. يزرع جسما حيوانيا، يشبه الجسم الحيواني من جهة تكوينه كجسم به عضلات وعظام وأعصاب وأوردة وشرايين الخ، لها ذات الوظائف وبه الجهاز الهضمي الذي يحول الطعام إلى دم والجهاز التنفسي الخ. ويقام جسما روحانيا” يتسم بالكمال، فلا يحتاج إلى مئونة خارجية كالطعام والشراب والهواء ؛ ولا يخضع للموت، له وجود روحي، ومئونة روحية.
الجسم الحيواني”، يترجم أحيانا “الجسم الطبيعي”، وهو الجسم الذي به يمارس الحيوان حياته من أكل وشرب وتنفس وحيوية وله حواس ملموسة ويحتاج إلى راحة ونوم. الجسم الروحاني” لا يعني روحا، لأن الروح ليس له جسم.
ما معنى أن الجسد سيكون روحا؟ سيكون الجسد روحيا وإن كان قد تزرع كجسد طبيعي. يرى العلامة أوريجينوس أنه سيكون روحيا لأنه سيكن رقيقا وخفيفا يشبه أجسام الملائكة.
ويقول القديس يوحنا الذهبي الفم إنه سيكون روحيا، إما لأن الروح القدس يبقى في أجساد الأبرار أبديا أو لأن الروح القدس يحكمه على الدوام. وأيضا لأنه سيكون خفيقا، أو لأن هذه الأمور كلها تجتمع معا.
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: (هل جسدنا الحاضر ليس بعد روحيا كما ينبغي؟ حقا إنه روحاني، لكنه سيصير أكثر روحانية، لأنه الآن غالبا ما تفارقه نعمة الروح القدس الغنية متى ارتكب خطايا عظيمة. مرة أخرى فإن الروح يستمر حاضرا وتعتمد حياة الجسد على النفس وتكون النتيجة في هذه الحالة هو الحرمان من الروح. ولكن بعد القيامة لا يعود يكون الأمر هكذا، بل يسكن في جسد البار على الدوام وتكون النصرة حليفة له وتكون النفس الطبيعية حاضرة… بهذا التؤمن أن الله قادر أن يجعل هذه الأجساد الفاسدة غير فاسدة وأكثر سموا من الأجسام المنظورة.
ويقول القديس أغسطينوس: سنكون لا نزال أجسادا لكن نحيا بالروح، فنحتفظ بمادة الجسد دون المعاناة من خموله وإماتته.
كما يقول: كما أن الروح عندما تخدم الجسد لا يكون غير لائق أن يقال إنها جسدية هكذا الجسد عندما يخدم الروح يدعي روحانيا بحق. ليس لأنه قد تحول إلى روح كما ظن الذين أساءوا تفسير النص يزرع جسد طبيعي ويقوم جسد روحاني”، وإنما لأنه سيخضع للروح في طاعة كاملة عجيبة مرنة، فتقبل قانونه الخاص بالخلود غير المنحل، وتطرد جانبا كل شعور بالتعب، وكل ظل للألم، وكل علامة للانحطاط. هذا الجسد الروحاني ليس فقط يصير أفضل من أي جسد على الأرض في صحة كاملة بل ويتعدى جسد آدم وحواء قبل السقوط.
خامسا: على شبه جسم الإنسان الثاني، الرب من السماء (1 كو 15: 45-50). إننا سنلبس صورة السماوي، يقول الرسول: “هكذا مكتوب أيضا صار آدم الإنسان الأول نفسا حية، وآدم الأخير روكا محييا” (1 كو 15: 45)
يشير الرسول بولس إلى ما ورد في سفر التكوين ۲: ۷، بأن آدم صار نفسا حية. أما بالنسبة لآدم الثاني الذي صار روحا محيا، فيتحدث بعض اليهود عن روح المسيا أنه هو الروح الذي كان يرف على وجه المياه (تك 1: ۲) ليهب حياة، وأنهم دوما كانوا يشيرون إلى المسيا أنه يحي الذين يسكنون في التراب. وقد جاء في إنجيل يوحنا: “فيه كانت الحياة” (يو 1: 4).
أقام الله آدم نفسا حية، لكنه كان يحتاج إلى الحياة من خارجه، لهذا إذ وهبه الله زوجة دعاها “حواء ” أي “حياة” لتجلب حياة، وتكون أما لكل حي، وإذ بها تجلب موا. أما آدم الثاني فهو الكلمة المتجسد المحيي يؤكد لنا: “أنا هو الحياة والقيامة”.
ثمرة التصاقنا بأبينا آدم الأول أننا حملنا جسدا حيوانيا، أما ثمرة اتحادنا بأبينا الجديد آدم الثاني أننا نصير جسدا روحانيا، إذ يهبنا الحياة السماوية الأبدية.
يقول بطرس خريسولوجوس:
اليوم يعتبر الرسول القديس بولس أن شخصين هما أصل الجنس البشري، أعني آدم والمسيح. هما شخصان، لكنهما مختلفان في الاستحقاق. حقا متشابهان في هيكل الأعضاء لكنهما بالحق مختلفان في بدايتهما.
الإنسان الأول، آدم كما يقول النص صار نفسا حية، وآدم الأخير صار روحا محييا.
الإنسان الأول خلقه الأخير، منه نال نفسه لكي يحيا. هذا الأخير تكون بذاته، فهو وحده لا ينتظر الحياة من آخر، بل يهبها لكل البشر.
الأول قد تشكل من التراب الرخيص جدا، والأخير جاء من رحم العذراء الثمين. في حالة الأول تحول التراب إلى جسد، أما في الأخير فالجسد نفسه صعد إلى الله.
لماذا؟ أقول أكثر من هذا. هذا الأخير هو آدم الذي وضع صورته في الأول عندما خلقه. هذا هو السبب الذي لأجله قام (المسيح) بنفس الدور مثل السابق، وتقبل اسمه حتى لا يسمح له بالهلاك إذ هو مهتم به، ولهذا السبب خلقه على صورته.
آدم الأول وآدم الأخير؛ الأول له بداية والأخير بلا حدود. لأنه بالحق هذا الأخير هو الأول، إذ يقول: “أنا هو الأول وأنا الآخر”، فبالتأكيد هو بلا نهاية.
يقول النص: “لكن ليس الروحاني أولا بل الجسداني وبعد ذلك الروحاني”. فبالتأكيد توجد الأرض قبل الثمرة، لكنها ليست في قيمة الثمرة. الأرض تخرج تنهدات وأتعاب، والثمرة تهب وجودا وحياة. بحق يمجد النبي مثل هذه الثمرة: “من ثمرة بطنك أجلس على كرسيك” (مز۱۳۲: ۱۱).
يكمل النص: “الإنسان الأول من التراب هو أرضي، والإنسان الثاني من السماء سماوي”. أين هؤلاء الذين يظنون أن حبل العذراء وميلادها لطفلها يشبه ما يحدث مع النساء الأخريات؟ ما حدث مع النساء الأخريات هو من الأرض، وأما ما حدث للعذراء فمن السماء.
واحد تم بقوة إلهية، والآخر بضعف بشري.
حالة تمت خلال جسد خاضع للأهواء ، والأخرى خلال هدوء الروح الإلهي وسلام الجسد البشري..
صمت الدم، ودهش الجسد، واستراحت أعضاؤها، وكان كل رحمها في راحة خلال افتقاد السماوي له. ارتدى موجد الجسد ثوبا من الجسد، حتى يمكن لذاك الذي ليس فقط وهب الأرض للإنسان بل وهو يهبه السماء يمكنه أن يصير إنسانا سماويا.
القمص تادرس يعقوب ملطي
إنه جسد جديد لكنه ليس خليقة جديدة من الناحية العضوية يمت بصلة للجسد القديم وإن كان بينهما ارتباط كما بينهما اختلاف. وذلك مثل حبة القمح التي تزرع وتأتي بسنبلة، أو كالشخص المولود کاملا الذي كان جنينا في بطن أمه.
في يوم الرب ستجمع أعضاء الجسد الموجودة في القبر أو التي تحللت ويعاد بنائها كجسم جديد. حتى تلك الأعضاء التي لا يعرف الإنسان من أين جمعها الرب، فإن الله لا يجهلها ولا يصعب عليه جمعها، أينما تبعثرت. يجمعها الرب بطريقة سرية، فتقوم بغير فسا، ويحسب الجسم غريبا بالنسبة لهذا العالم الحاضر.
يقوم الجسد بسمات جديدة تليق بالحياة الأبدية. هذا الأمر يبقى لنا سرا يفوق قدراتنا البشرية التعرف عليها.
تحدث رب المجد عن هذا التغير، قائلا: “لأنهم في القيامة لا يزوجون ولا يتزوجون، بل يكونون كملائكة الله في السماء” (مت ۳۰۰ : ۲۲ ).
إذ لا يستطيعون أن يموتوا أيضا، لأنهم يصيرون مثل الملائكة، وهم أبناء الله؛ إذ هم أبناء القيامة” (لو ۲۰: ۳۹). ويقول الرسول بولس: “الأطعمة الجوف والجوف للأطعمة، والله سيبيد هذا وتلك” (1 كو 6: ۱۳).
أولا: بلا فساد (1 كو 15: 4۲). يقول الرسول: “هكذا أيضا قيامة الأموات: يزرع في فساد، ويقام في عدم فساد.” جاءت كلمة ” يزرع” كتعبير مبهج عوض “يدفن”.
ازرع في فساد” إذ يتعرض الجسم للانحطاط والفساد والانحلال. ويقام في عدم فساد”، كجسير مجيد لن يخضع بعد إلى فساير أو انحلال أو موت. يقول القديس كيرلس الأورشليمي: أسيقوم هذا الجسد ولكن ليس في ضعفه الحالي. سيقوم نفس الجسم ولكن بعد إزالة الفساد وتحوله، وذلك كالحديد الذي يصير نارا عندما يتحد بالنار، وذلك كما يعرف الرب الذي يقيمنا. إذن هذا الجسد سيقوم، ولكن لن يبقى في وضعه الحالي بل يصير جسدا أبديا. لا يعود يحتاج إلى قوت للحياة كما الآن، ولا إلى درجات يصعد عليها. يصير روحيا، إنه أمر عجيب، نسأل أن نتعرف على وضعه.
يقول القديس أغسطينوس:
مع أن القديسين روحيون في الذهن إلا أنهم لا يزالوا جسديين في الجسد القابل للفساد الذي يبقى نقلا على النفس. إنهم سيصيرون روحيين أيضا في الجسد عندما يزرع الجسد الحيواني ويقوم جسدا روحانيا. إنهم لا يزالوا سجناء في حصون الخطية، ما داموا يخضعون لإغراءات الشهوات التي لا يوافقون عليها. هكذا فهمت هذا الأمر كما حدث مع هيلاري وغريغوريوس وأمبروسيوس وغيرهم من معلمي الكنيسة المشهورين، هؤلاء رأوا أن الرسول بكلماته حارب بقوة نفس المعركة ضد الأفكار الجسدية التي لم يكن يريدها؟
كما أنه عندما تخدم الروح الجسد تدعى بحق جسدانية، هكذا عندما يخدم الجسد الروح يدعى بحق روحانيا. ليس بمعنى أنه يتحول إلى روح كما يتوهم البعض بتفسيرهم الكلمات: “يزرع في فساد ويقام في عدم فساد”، وإنما لأنه يخضع للروح في استعداد للطاعة الكاملة العجيبة ويتجاوب في كل شيء مع الإرادة التي دخلت إلى الخلود، فيزول عنها كل تخاذل وفساد وخمول. لأن الجسد ليس فقط سيكون أفضل مما عليه الآن في أفضل حالته الصحية، بل وسيسمو فوق جسدي أبوينا الأولين اللذين أخطأ.
بطريقة ما تشرق البتولية هناك، وبطريقة أخرى تشرق هناك عفة الزواج، وبطريقة ثالثة سوف شرق التأمل المقدس. يشرق الكل بطرق مختلفة، لكن الكل سيكونون هناك.
لقد شربت (أيها الموت)، لقد جرحت، لقد سقطت طريقا، لكن جرح ذاك الذي خلقني. يا موت، يا موت، هوذا الذي أوجدني جرح من أجلي وبموته غلبك. بنصرة سيقولون: “أين شوكتك يا موت؟ أين غلبتك يا موت؟ (۱ کو 15: 55)
ستتجدد نحن أيضا في الجسد عندما يلبس هذا الفاسد عدم الفساد، فيصير جسدا روحانیا. آدم لم يتغير بعد إلى مثل هذا الجسم، بل كان موضوعا له أن يكون هكذا لو أنه لم يتأهل بسبب الخطية للموت حتى بالنسبة لجسده الطبيعي. أخيرا فإن بولس لم يقل: “الجسد مائت بسبب الخطية، بل الجسد مات بسبب الخطية.
لو سألنا مسيحيا صالحا له زوجة، وقد يكون لديه أبناء منها عما إذا كان يرغب في أن تكون له علاقة جسدية بزوجته في ملكوت السماوات، فبالرغم من محبته لزوجته في الحياة الحاضرة وارتباطه بها، سيجيب بلا تردد رافا بشدة أن تكون علاقته بها في السماء علاقة جسدية، لأنه يهتم بتلك الحياة التي فيها يلبس الفاسد عدم فساد وهذا المائت عدم موت (۱کو 15: 53-54).
هل لي أن أسأله مرة أخرى عما إذا كان يرغب في أن تكون زوجته معه بعد القيامة هناك، حيث يكون لها ذلك التغير الملائكي الذي وعد به الرب القديسين، فإنه سيجيب بالإيجاب بشدة، قدر ما رفض بشدة في الحالة الأولى.
نفهم من أقوال أغسطينوس أن على الزوجين أن يحبا بعضهما البعض ويهتم كل منهما بالحياة الروحية للأخر فلا تكون علاقتهما ببعض مجرد اتصال جسدي، سوف ينتهي ويزول بزوال العالم… وذلك كنظرتنا إلى الطعام، فهو ليس بالشيء المحرم أو النجس ومع ذلك فينبغي ألا يكون هدفا لنا، لأنه طعام فاسد لا يبقى إلى الأبد. فالزواج سر مقدس له كرامته وقدسيته لأن مؤسسه رب المجد نفسه. ويقول عنه أغسطينوس نفسه “إن قداسة السر، لها في زيجتنا (المسيحية) قوة أكثر من قوة ثمرة الأولاد في الدم”.
لهذا ما يحبه المسيحي الصالح في المرأة هو كونها مخلوق إلهي، هذه التي يرغب لها التجديد والتغير دون أن يهتم بالعلاقة الشهوانية. وبنفس الطريقة يحب الإنسان عدوه، لا لأجل عداوته له بل لكونه إنسانا يرغب له نفس النجاح الذي يريده لنفسه، أي بلوغ ملكوت السماوات.
وهذا ينطبق أيضا على الأبوة والأمومة وبقية العلاقات الجسدية (الدموية)، فنبغض فيهم العلاقات الجسدية، بقدر ما نحب كل ما يؤدي بهم إلى الوصول لملكوت السماوات. فهناك لا نقول لأحد: “أبي”، بل جميعنا نقول الله “أبانا”. ولا نقول لأحد: “أمي” بل نقول جميعنا لأورشليم السماوية “أمنا”. ولا نقول لأحد: “أخي” بل يقول الكل للآخر: “أخي”.
حقا سيكون هناك زواج من جانبنا، إذ نتقدم جميعا كزوجة واحدة لذاك الذي خلصنا من نجاسة هذا العالم بسفك دمه، لذلك يلزم لتلميذ المسيح أن يكره تلك الأمور الزائلة المتعلقة بأقربائه، وبقدر كراهيته لهذه الأمور يحب أشخاصهم، راجيا لهم حياة أبدية.
ويقول القديس يوحنا الذهبي الفم:
على أي الأحوال “هذا الفاسد” الذي للجسد “لابد أن يلبس عدم فساد”. أما الآخر، أي النفس، فليس فيها فساد قط حيث يوجد فيها عدم الفساد… الآن إن كنا سنرحل إلى العالم الآخر وفينا فساد فسيصير هذا الفاسد بلا فساد بلا نهاية، بل يبقى محترقا ولا يحترق ليفني، يبقى دوما مضروبا بالدود، فساده لا يفسد. فيكون حاله مثل أيوب الطوباوي الذي فسد (جسده) ولم يمت ولفترة طويلة. كان “انهياره مستمرا يضع كتل التراب على قروحه” (أي 5 : ۷ LXX).
لئلا عندما يسمع أحد أن لحما ودما لا يقدران أن يرثا ملكوت الله” يظن أن أجسامنا لا تقوم، لذلك أضاف: “ولا يرث الفساد عدم الفساد”، و “يلبس هذا المائت عدم موت”. الآن فإن الجسم فاسد، الجسم مائت، لذلك يبقى الجسم حقا، لأن الجسم هو الذي سيلبس عدم الفساد، لكن فساده وموته يبيدان، بينما يحل عليه عدم الفساد وعدم الموت. لا تعود بعد تسأل كيف ستعيش حياة بلا نهاية، فقد سمعت الآن عن تحوله إلى عدم الفساد
ثانيا: مجید (۱ کو 15: 43). يتسم الجسم القائم من الأموات أنه مجيد، وقد قال السيد المسيح:
“حينئذ يضيء الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم” (مت ۱۳: 43). بينما يضيء الأبرار كالنجوم أكثر من الشمس يكون الأشرار في الظلمة… يقول الرسول: يزرع في هوان، ويقام في مجي”. بسبب الخطية حرم الجسم وطاقاته وحواسه ومشاعره من كل المجد وصار في هوان، وأصبح مصيره الموت. لكنه يقوم في مجلي، إذ يتمتع بالخلود ويتحرر من عبودية الموت أبديا. يقول القديس ديديموس الضرير: عندما يزرع الجسد الذي يتكون بواسطة العلاقات الجسدية بين ذكر وأنثى يكون فيه هوان وضعف، لأنه جسد نفس هالكة تشاركه سماته. ولكن إذ يقوم بقوة الله يظهر جسدا روحيا يحمل عدم الهلاك والقوة والكرامة. ويقول الأب أمبروسیاستر: يُزرع الجسد في هوان، لأنه يوضع في كفن فيه يفسد ويأكله الدود. ولكن عندما يقوم يكون في مجير وينتهي كل أثر للهوان.
ثالثا: في قوة (1 كو 15: 43). يقول الرسول: “يزرع في ضعف، ويقام في قوة”. يزرع في ضعف”: إذ يتعرض للأمراض، ويقام في قوة”، إذ لا يتعرض بعض التعب والمرض والشيخوخة والانحلال والموت. ماذا يقصد بالقوة هنا؟ ليست كتلك الخاصة بالله ولا بملائكة.
وهي ليست بالقوة البدنية، لكنها قوة تعمل ما يبدو كأنه أمر مستحيل تنفيذه الآن. أيضا القوة هنا مقابل الضعف الذي كان الجسم يتعرض له في هذا العالم. وكأن القوة تعني عدم خضوع الجسم للأمراض والضعفات والاحتياجات الجسمانية من أكل وشرب ونوم، كما لا يمكن أن يحل به الموت أو الفساد أو الانحلال.
رابعا: جسم روحاني (1 كو 15: 44). يقول الرسول: يزرع جسما حيوانيا، ويقام جسما روحانيا. يوجد جسم حيواني، ويوجد جسم روحاني”. يزرع جسما حيوانيا، يشبه الجسم الحيواني من جهة تكوينه كجسم به عضلات وعظام وأعصاب وأوردة وشرايين الخ، لها ذات الوظائف وبه الجهاز الهضمي الذي يحول الطعام إلى دم والجهاز التنفسي الخ. ويقام جسما روحانيا” يتسم بالكمال، فلا يحتاج إلى مئونة خارجية كالطعام والشراب والهواء ؛ ولا يخضع للموت، له وجود روحي، ومئونة روحية.
الجسم الحيواني”، يترجم أحيانا “الجسم الطبيعي”، وهو الجسم الذي به يمارس الحيوان حياته من أكل وشرب وتنفس وحيوية وله حواس ملموسة ويحتاج إلى راحة ونوم. الجسم الروحاني” لا يعني روحا، لأن الروح ليس له جسم.
ما معنى أن الجسد سيكون روحا؟ سيكون الجسد روحيا وإن كان قد تزرع كجسد طبيعي. يرى العلامة أوريجينوس أنه سيكون روحيا لأنه سيكن رقيقا وخفيفا يشبه أجسام الملائكة.
ويقول القديس يوحنا الذهبي الفم إنه سيكون روحيا، إما لأن الروح القدس يبقى في أجساد الأبرار أبديا أو لأن الروح القدس يحكمه على الدوام. وأيضا لأنه سيكون خفيقا، أو لأن هذه الأمور كلها تجتمع معا.
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: (هل جسدنا الحاضر ليس بعد روحيا كما ينبغي؟ حقا إنه روحاني، لكنه سيصير أكثر روحانية، لأنه الآن غالبا ما تفارقه نعمة الروح القدس الغنية متى ارتكب خطايا عظيمة. مرة أخرى فإن الروح يستمر حاضرا وتعتمد حياة الجسد على النفس وتكون النتيجة في هذه الحالة هو الحرمان من الروح. ولكن بعد القيامة لا يعود يكون الأمر هكذا، بل يسكن في جسد البار على الدوام وتكون النصرة حليفة له وتكون النفس الطبيعية حاضرة… بهذا التؤمن أن الله قادر أن يجعل هذه الأجساد الفاسدة غير فاسدة وأكثر سموا من الأجسام المنظورة.
ويقول القديس أغسطينوس: سنكون لا نزال أجسادا لكن نحيا بالروح، فنحتفظ بمادة الجسد دون المعاناة من خموله وإماتته.
كما يقول: كما أن الروح عندما تخدم الجسد لا يكون غير لائق أن يقال إنها جسدية هكذا الجسد عندما يخدم الروح يدعي روحانيا بحق. ليس لأنه قد تحول إلى روح كما ظن الذين أساءوا تفسير النص يزرع جسد طبيعي ويقوم جسد روحاني”، وإنما لأنه سيخضع للروح في طاعة كاملة عجيبة مرنة، فتقبل قانونه الخاص بالخلود غير المنحل، وتطرد جانبا كل شعور بالتعب، وكل ظل للألم، وكل علامة للانحطاط. هذا الجسد الروحاني ليس فقط يصير أفضل من أي جسد على الأرض في صحة كاملة بل ويتعدى جسد آدم وحواء قبل السقوط.
خامسا: على شبه جسم الإنسان الثاني، الرب من السماء (1 كو 15: 45-50). إننا سنلبس صورة السماوي، يقول الرسول: “هكذا مكتوب أيضا صار آدم الإنسان الأول نفسا حية، وآدم الأخير روكا محييا” (1 كو 15: 45)
يشير الرسول بولس إلى ما ورد في سفر التكوين ۲: ۷، بأن آدم صار نفسا حية. أما بالنسبة لآدم الثاني الذي صار روحا محيا، فيتحدث بعض اليهود عن روح المسيا أنه هو الروح الذي كان يرف على وجه المياه (تك 1: ۲) ليهب حياة، وأنهم دوما كانوا يشيرون إلى المسيا أنه يحي الذين يسكنون في التراب. وقد جاء في إنجيل يوحنا: “فيه كانت الحياة” (يو 1: 4).
أقام الله آدم نفسا حية، لكنه كان يحتاج إلى الحياة من خارجه، لهذا إذ وهبه الله زوجة دعاها “حواء ” أي “حياة” لتجلب حياة، وتكون أما لكل حي، وإذ بها تجلب موا. أما آدم الثاني فهو الكلمة المتجسد المحيي يؤكد لنا: “أنا هو الحياة والقيامة”.
ثمرة التصاقنا بأبينا آدم الأول أننا حملنا جسدا حيوانيا، أما ثمرة اتحادنا بأبينا الجديد آدم الثاني أننا نصير جسدا روحانيا، إذ يهبنا الحياة السماوية الأبدية.
يقول بطرس خريسولوجوس:
اليوم يعتبر الرسول القديس بولس أن شخصين هما أصل الجنس البشري، أعني آدم والمسيح. هما شخصان، لكنهما مختلفان في الاستحقاق. حقا متشابهان في هيكل الأعضاء لكنهما بالحق مختلفان في بدايتهما.
الإنسان الأول، آدم كما يقول النص صار نفسا حية، وآدم الأخير صار روحا محييا.
الإنسان الأول خلقه الأخير، منه نال نفسه لكي يحيا. هذا الأخير تكون بذاته، فهو وحده لا ينتظر الحياة من آخر، بل يهبها لكل البشر.
الأول قد تشكل من التراب الرخيص جدا، والأخير جاء من رحم العذراء الثمين. في حالة الأول تحول التراب إلى جسد، أما في الأخير فالجسد نفسه صعد إلى الله.
لماذا؟ أقول أكثر من هذا. هذا الأخير هو آدم الذي وضع صورته في الأول عندما خلقه. هذا هو السبب الذي لأجله قام (المسيح) بنفس الدور مثل السابق، وتقبل اسمه حتى لا يسمح له بالهلاك إذ هو مهتم به، ولهذا السبب خلقه على صورته.
آدم الأول وآدم الأخير؛ الأول له بداية والأخير بلا حدود. لأنه بالحق هذا الأخير هو الأول، إذ يقول: “أنا هو الأول وأنا الآخر”، فبالتأكيد هو بلا نهاية.
يقول النص: “لكن ليس الروحاني أولا بل الجسداني وبعد ذلك الروحاني”. فبالتأكيد توجد الأرض قبل الثمرة، لكنها ليست في قيمة الثمرة. الأرض تخرج تنهدات وأتعاب، والثمرة تهب وجودا وحياة. بحق يمجد النبي مثل هذه الثمرة: “من ثمرة بطنك أجلس على كرسيك” (مز۱۳۲: ۱۱).
يكمل النص: “الإنسان الأول من التراب هو أرضي، والإنسان الثاني من السماء سماوي”. أين هؤلاء الذين يظنون أن حبل العذراء وميلادها لطفلها يشبه ما يحدث مع النساء الأخريات؟ ما حدث مع النساء الأخريات هو من الأرض، وأما ما حدث للعذراء فمن السماء.
واحد تم بقوة إلهية، والآخر بضعف بشري.
حالة تمت خلال جسد خاضع للأهواء ، والأخرى خلال هدوء الروح الإلهي وسلام الجسد البشري..
صمت الدم، ودهش الجسد، واستراحت أعضاؤها، وكان كل رحمها في راحة خلال افتقاد السماوي له. ارتدى موجد الجسد ثوبا من الجسد، حتى يمكن لذاك الذي ليس فقط وهب الأرض للإنسان بل وهو يهبه السماء يمكنه أن يصير إنسانا سماويا.