أولا: يليق بنا أن نقدم ما استطعنا مع كاروزنا القديس مرقس الرسول رب المجد بكونه الطبيب السماوي، مخلص النفوس وواهب الشفاء للنفس والعقل والعواطف والحواس وكل طاقات الجسد.
أذكر الآن شخصا بذل كل الجهد لفترة طويلة كي يجتذب صديقا له لإنجيل المسيح. أخيرة وافق الصديق أن يذهب إلى الكنيسة ليسمع واعظا مشهورا. في المساء اتصل به كاهن الكنيسة ليسأله عن عظة المساء التي قدمها هذا الواعظ، وكانت الإجابة: “بالكاد احتملت الاستماع إليه لمدة عشر دقائق، لأنني كنت أشكو في داخلي من العالم وضيقاته، وإذا بي أجد هذا الواعظ لا يكف عن مهاجمتي فلم أحتمل سماع صوته! يليق بنا أن نقدم مسيحنا للنفوس المجروحة فيتمتعون بلمسات حبه.
ثانيا: يتجلى إنجيلنا في سلوكنا وعبادتنا وحوارنا مع الآخرين بكونه “رسالة مبهجة للنفس”، نقدمه بمنهج مدرسة الإسكندرية خلال التفسير الروحي للكتاب المقدس بكونه دعوة للقاء مع الله مفرح القلوب، دون تجاهل التفسير التاريخي وأيضا السلوكي، ودون مبالغة في استخدام هذه المناهج الخاصة بالتفسير.
أذكر إنسانا كان يعمل مع شخص بريطاني ملحد لمدة أسبوعين في مصر. وفي أثناء استعداد البريطاني للعودة إلى بلده، قال له: “للمرة الأولى التقيت بشخص متدين يحاور بروح الحب ولا يستخف بي كملح. لقد استرحت لكثير من كلماتك، وإن كنت لا أتفق معك في كل ما قلته. إنني وضعت في قلبي أن أعيد النظر في حياتي وفي مبادئي. إنني لن أنسى كلماتك.” لقد تذوق في حواره إنجيل الحب، فقبله.
يتجلى هذا الفهم في كلمات القديس مار إسحق السرياني، إذ يؤكد إن الدفاع عن الحق بدون الحب يحول الحق إلى عنف وكراهية، كما أن الحب بدون أن يحمل الاشتياق إلى سلوك الكل بالحق يجعل الحب تسيبا.
ثالثا: قدمت لنا المجامع المسكونية صورة عملية للحوار سواء بين المؤمنين وبعضهم البعض أو مع الهراطقة. فمن أعظم القادة الذين قادوا الحوار القديسان أثناسيوس الرسولي وكيرلس الكبير. الأول نادي بأنه متى وجد الفكر الواحد، لا نجعل الألفاظ تفصلنا عن بعضنا البعض. والثاني في دفاعه عن طبيعة كلمة الله المتأنس التي مزقها نسطور، أرسل إليه يعلن حبه له، وإن كان لا يقبل الخطأ. الاثنان يجاهدان بكل قوة على حفظ وحدانية الكنيسة الجامعة بروح الحب الحقيقي والإيمان المستقيم..
رابعا: الكرازة بإنجيل المسيح وليس بالثقافة المحلية. ففي القرن الرابع إذ كرزت الكنيسة الإنجيل في أثيوبيا، راعت الثقافة الأثيوبية، بل ترجمت الكتابات القبطية إلى الأمهرية، وكان للأثيوبيين أدوات موسيقية وألحان وأيقونات تكشف عن غنى ثقافتهم، بل وكانت لهم ليتورجياتهم وكان الذين يخدمون الكلمة في أثيوبيا يلتزمون بالحفاظ على الثقافة الأثيوبية. لم يكن دور الكنيسة القبطية إحلال الثقافة القبطية محل الثقافة الأثيوبية. إنما يعتز كل مؤمن بعمل الثالوث القدوس ويعبر عنه بثقافته.
خامسا: يليق بالمؤمن لكي يشهد لإنجيله أن يكون ناجا في كل شيء ما استطاع وذلك بواسطة النعمة الإلهية. نذكر على سبيل المثال ما كتبه المؤرخ يعقوب نخلة روفيلة:
وممن اشتهر من القبط في أيام الدولة الأيوبية من أهل العلم والعرفان (المعرفة)، والذين تقلدوا الوظائف العالية، وحازوا ألقاب الشرف والتمييز، وعثرنا على أسمائهم في تواريخ الأقباط والمسلمين:
ذكر أسماء أكثر من عشرين شخصا وعدد مواهبهم وكتاباتهم ومراكزهم سواء في المجتمع أو في الكنيسة.) وغيرهم من رجال الإكليروس والعلمانيين الذين يضيق المقام بذكر أسمائهم، وجميع هذه المؤلفات وغيرها من تأليف علماء وأفاضل الأمة القبطية الذين عاشوا قبل هؤلاء والذين نبغوا بعدهم موجودة بخط اليد.
ومما يذكر بالثناء على الخلفاء الفاطميين وملوك الدولة الأيوبية أنهم أطلقوا للأقباط عنان للحرية للدفاع عن دينهم، فألف بعضهم مؤلفات واسعة جديرة بالاعتبار أثبتوا فيها بالبراهين القاطعة والحجج الدامغة صحة معتقدهم وديانتهم.
أكمل المؤرخ حديثه قائلا: “وكان يمكن للأقباط تحسين حالهم أكثر والتدرج في العلوم والمعارف لو لم ينشغل كبارهم وعلماؤهم ولاسيما سكان العاصمة بالمنافسات والمخاصمات الداخلية في غالب الأحيان بسبب مطامع أئمتهم واهتمامهم بمنفعتهم الشخصية أكثر من الفائدة العمومية”.
القمص تادرس يعقوب ملطي
أولا: يليق بنا أن نقدم ما استطعنا مع كاروزنا القديس مرقس الرسول رب المجد بكونه الطبيب السماوي، مخلص النفوس وواهب الشفاء للنفس والعقل والعواطف والحواس وكل طاقات الجسد.
أذكر الآن شخصا بذل كل الجهد لفترة طويلة كي يجتذب صديقا له لإنجيل المسيح. أخيرة وافق الصديق أن يذهب إلى الكنيسة ليسمع واعظا مشهورا. في المساء اتصل به كاهن الكنيسة ليسأله عن عظة المساء التي قدمها هذا الواعظ، وكانت الإجابة: “بالكاد احتملت الاستماع إليه لمدة عشر دقائق، لأنني كنت أشكو في داخلي من العالم وضيقاته، وإذا بي أجد هذا الواعظ لا يكف عن مهاجمتي فلم أحتمل سماع صوته! يليق بنا أن نقدم مسيحنا للنفوس المجروحة فيتمتعون بلمسات حبه.
ثانيا: يتجلى إنجيلنا في سلوكنا وعبادتنا وحوارنا مع الآخرين بكونه “رسالة مبهجة للنفس”، نقدمه بمنهج مدرسة الإسكندرية خلال التفسير الروحي للكتاب المقدس بكونه دعوة للقاء مع الله مفرح القلوب، دون تجاهل التفسير التاريخي وأيضا السلوكي، ودون مبالغة في استخدام هذه المناهج الخاصة بالتفسير.
أذكر إنسانا كان يعمل مع شخص بريطاني ملحد لمدة أسبوعين في مصر. وفي أثناء استعداد البريطاني للعودة إلى بلده، قال له: “للمرة الأولى التقيت بشخص متدين يحاور بروح الحب ولا يستخف بي كملح. لقد استرحت لكثير من كلماتك، وإن كنت لا أتفق معك في كل ما قلته. إنني وضعت في قلبي أن أعيد النظر في حياتي وفي مبادئي. إنني لن أنسى كلماتك.” لقد تذوق في حواره إنجيل الحب، فقبله.
يتجلى هذا الفهم في كلمات القديس مار إسحق السرياني، إذ يؤكد إن الدفاع عن الحق بدون الحب يحول الحق إلى عنف وكراهية، كما أن الحب بدون أن يحمل الاشتياق إلى سلوك الكل بالحق يجعل الحب تسيبا.
ثالثا: قدمت لنا المجامع المسكونية صورة عملية للحوار سواء بين المؤمنين وبعضهم البعض أو مع الهراطقة. فمن أعظم القادة الذين قادوا الحوار القديسان أثناسيوس الرسولي وكيرلس الكبير. الأول نادي بأنه متى وجد الفكر الواحد، لا نجعل الألفاظ تفصلنا عن بعضنا البعض. والثاني في دفاعه عن طبيعة كلمة الله المتأنس التي مزقها نسطور، أرسل إليه يعلن حبه له، وإن كان لا يقبل الخطأ. الاثنان يجاهدان بكل قوة على حفظ وحدانية الكنيسة الجامعة بروح الحب الحقيقي والإيمان المستقيم..
رابعا: الكرازة بإنجيل المسيح وليس بالثقافة المحلية. ففي القرن الرابع إذ كرزت الكنيسة الإنجيل في أثيوبيا، راعت الثقافة الأثيوبية، بل ترجمت الكتابات القبطية إلى الأمهرية، وكان للأثيوبيين أدوات موسيقية وألحان وأيقونات تكشف عن غنى ثقافتهم، بل وكانت لهم ليتورجياتهم وكان الذين يخدمون الكلمة في أثيوبيا يلتزمون بالحفاظ على الثقافة الأثيوبية. لم يكن دور الكنيسة القبطية إحلال الثقافة القبطية محل الثقافة الأثيوبية. إنما يعتز كل مؤمن بعمل الثالوث القدوس ويعبر عنه بثقافته.
خامسا: يليق بالمؤمن لكي يشهد لإنجيله أن يكون ناجا في كل شيء ما استطاع وذلك بواسطة النعمة الإلهية. نذكر على سبيل المثال ما كتبه المؤرخ يعقوب نخلة روفيلة:
وممن اشتهر من القبط في أيام الدولة الأيوبية من أهل العلم والعرفان (المعرفة)، والذين تقلدوا الوظائف العالية، وحازوا ألقاب الشرف والتمييز، وعثرنا على أسمائهم في تواريخ الأقباط والمسلمين:
ذكر أسماء أكثر من عشرين شخصا وعدد مواهبهم وكتاباتهم ومراكزهم سواء في المجتمع أو في الكنيسة.) وغيرهم من رجال الإكليروس والعلمانيين الذين يضيق المقام بذكر أسمائهم، وجميع هذه المؤلفات وغيرها من تأليف علماء وأفاضل الأمة القبطية الذين عاشوا قبل هؤلاء والذين نبغوا بعدهم موجودة بخط اليد.
ومما يذكر بالثناء على الخلفاء الفاطميين وملوك الدولة الأيوبية أنهم أطلقوا للأقباط عنان للحرية للدفاع عن دينهم، فألف بعضهم مؤلفات واسعة جديرة بالاعتبار أثبتوا فيها بالبراهين القاطعة والحجج الدامغة صحة معتقدهم وديانتهم.
أكمل المؤرخ حديثه قائلا: “وكان يمكن للأقباط تحسين حالهم أكثر والتدرج في العلوم والمعارف لو لم ينشغل كبارهم وعلماؤهم ولاسيما سكان العاصمة بالمنافسات والمخاصمات الداخلية في غالب الأحيان بسبب مطامع أئمتهم واهتمامهم بمنفعتهم الشخصية أكثر من الفائدة العمومية”.