ما الدليل على إن كلمة الله المقصود به في القرآن أقنوم الكلمة، وليس أي كلمة ينطق بها الله؟
هل نسيت كلمة المرور؟ الرجاء إدخال بريدك الإلكتروني، وسوف تصلك رسالة عليه حتى تستطيع عمل كلمة مرور جديدة.
أول وأكبر موقع للأسئلة والأجوبة المسيحية والذي يخدم جموع الشعب الناطقين باللغة العربية في كل بقاع العالم.
قال القرآن “إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيهًا في الدنيا والآخرة ومن المقرَّبين” (آل عمران 45) وهنا نطرح سؤالين:
الأول: الهاء في “منه” عائدة على مَنْ؟
الثاني: الهاء في “اسمه” عائدة على مَنْ؟
ج: الهاء في “منه” عائدة على الله، فالمسيح هو كلمة الله فالمعنى إن الله يبشرك بكلمة منه.
والهاء في “اسمه” عائدة على الكلمة، ورغم إن الكلمة مؤنث فإن القرآن لم يقل إن الله يبشرك بكلمة منه اسمها.. لماذا؟ لأن المقصود بالكلمة هنا ليست كلمة لفظية مثلما قال الله ليكن نور فكان نور. إنما المقصود بالكلمة هنا كيان معين هو عقل الله الناطق أو اللوغوس أو أقنوم الكلمة.. إذًا ليس المقصود بالكلمة هنا صوتًا لفظيًا إنما شخصًا إلهيًا، وقد أوضح الشيخ محي الدين العربي هذه الحقيقة فقال “الكلمة هي الله متجليًا.. وهي عين الذات الإلهية لا غيرها” (68) وقال أيضًا ” الكلمة هي اللاهوت” (69).
وجاء في سورة النساء ” إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه” (النساء 171) وهنا يفصل بين أمرين:
الأول: إن المسيح بحسب الناسوت هو رسول الله إذ أن الآب أرسل الابن للعالم ليخلص العالم. فهو ليس مثل أي رسول منفصل عن المرسل، إنما هو مرسل من الآب دون أن ينفصل عنه، فهي إرسالية باطية ، وهو عبد الله أيضًا بحسب الناسوت، ولذلك فإن كلام القرآن ” لن يستنكف المسيح أن يكون عبدًا لله” (النساء 172) وقول المسيح “إني عبد الله أتاني الكتاب وجعلني نبيًّا” (مريم 30) يوافق العقيدة المسيحية حيث أن السيد المسيح هو إنسان وإله في آن واحد.
الثاني: إن السيد المسيح بحسب لاهوته هو كلمة الله الكائن منذ الأزل، فهو موجود قائم قبل نزوله في أحشاء القديسة مريم، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. ولذلك قال “ألقاها” فعندما أقول إنني سألقي القلم من يدي، فمعنى هذا إن وجود القلم في يدي أسبق من إلقائه، ولو لم يكن القلم في يدي ما استطعت أن ألقي به، ولكن لأنني ممسك بالقلم في يدي إذًا من الممكن أن أُلقي به. كما أنه لا يوجد أي فرق بين الإنسان وكلمته، ولا بين الله وكلمته، وعندما يحدثني إنسان تليفونيًا وتصل إلى أذني كلمته، فلن أقول له “أهلًا يا كلمة فلان” إنما أقول له ” أهلًا يا فلان”، لأنه لا فرق بين فلان وكلمته. وقال الطبري ” إن كان المسيح هو كلمة الله فانه من البديهي أن يكون هو المتمم لإرادة الله وقصده، حيث إن الله نفسه يدعوه {كلمة الله} فمن الواضح أن يكون المسيح هو الطريق إلى الله” (70). فمن من البشر يجرؤ أن يقول عن نفسه أنه كلمة الله أو روح منه..؟! لا أحد يقدر، ويوم أن تجرأ الخوميني حاكم إيران الأسبق وأدعى أنه ” روح الله ” رد عليه الملك الحسن ملك المغرب السابق وقال أنه لا يوجد أحد يستطيع أن يقول أنه روح الله أو كلمته إلاَّ المسيح ابن مريم.
ورغم إن الملائكة بشَّرت بميلاد بعض الأشخاص، لكن لم يدعى أحد منه أنه كلمة الله. فقد بشَّر الله إبراهيم بولادة إسحق ووصفه بأنه غلام عليم ” إذ دخلوا عليه فقالوا سلامًا قال إنَّا منكم وَجلون. قالوا لا توجل إنَّا نبشرك بغلام عليم” (الحجر 52، 53) وبشَّرت الملائكة بميلاد يوحنا المعمدان ابن زكريا الكاهن ” فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب إن الله يُبشّركَ بيحيى مصدقًا بكلمة من الله وسيدًا وحصورًا ونبيًّا من الصالحين” (آل عمران 39) ولم يقل القرآن عن إسحق ولا يوحنا أنه كلمة الله. بل قال عن إسحق أنه غلام عليم، وقال عن يوحنا ” سيدًا وحصورًا ونبيًّا من الصالحين “. ووصفه بصفة جعلها الأولى من صفاته وهي أنه سيكون مصدّقًا بكلمة من الله أي مصدّقًا بالسيد المسيح، كما فسَّر ذلك الإمام أبو السعود قائلًا “مصدّقًا بكلمة الله أي بعيسى عليه السلام.. إذ قيل أنه أول من آمن به وصدق بأنه كلمة الله وروح منه. وقال السدى: لقيت أم يحيى أم عيسى فقالت يا مريم: أشعرت بحبلي، فقالت مريم: وأنا أيضًا حُبلى، فقالت (أم يحيى) إني وجدت ما في بطني يسجد لما في بطنك فذلك قوله تعالي {مصدّقًا بكلمة من الله}” (71).
وقال الإمام أحمد بن حائط إمام الفرقة الحائطية ” المسيح تذرع بالجسد الجسماني (أتخذ جسدًا) وهو الكلمة القديمة كما قالت النصارى” (الملل والأهواء والنحل ج 1 ص 770) (72) وهو نفس رأي فخر الدين الرازي، وقال الأستاذ أبو الفضل القوشي ” ويمكن أن يكون المراد أن اللاهوت ظهر في الناسوت، وهذا لا يستلزم الكفر, أنه لا إله إلاَّ الله” (هامش على تفسير البيضاوي ج 2) (73).
_____
الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:
(68) نصوص الحكم ج 2 ص 35.
(69) المرجع السابق ص 134.
(70) أورده القمص بولس باسيلي في كتابه المسيح.. من هو؟ ص 200.
(71) تفسير أبي السعود محمد بن محمد العمادي ص 233.
(72) أورده ثروت سعيد في كتابه حقيقة التجسد ص 183.
(73) أورده ثروت سعيد في كتابه حقيقة التجسد ص 183.