تختلف سلسلة نسب المسيح بحسب إنجيل لوقا (لو 3: 23: 38)، إختلافًا كبيرًا عن تلك الواردة في انجيل متي، ليس من ناحية انها ترجع بنا إلى آدم، إبن الله، وبهذا تضع يسوع في سلسلة الجنس البشري كله، وليس في إطار الأمة اليهودية فحسب، بل من ناحية الأسماء التي تضمنتها.
فمن إبراهيم حتّى داود هناك إتفاق، لكنهما تختلفان إعتبارًا من داود، حيث يتبع متى خط وراثة عرش يهوذا من سليمان، بينما سلسلة الأنساب بحسب لوقا تُحقق ذلك من خلال ناثان، وهو إبن آخر لداود، وتلتقي مع سلسلة الأنساب بحسب متى فقط مع الإسمين شألتئيل وزربابل حتى يوسف.
وبالنسبة لما يُقال من أن متى أو لوقا أخترع ببساطة الأسماء التي سجلها فهذا لا يفق مع ما عُرِفَ عنهما من إهتمامهما بالتفاصيل (وهو الواضح ايضًا في انجيليهما وسفر الاعمال)، وليس هُناك ما يدعوهما إلى ذلك[1].
وفي واقع الأمر نحن لا نعرف تحديدًا ما هي المصادر التي اعتمد عليها كلٍ من القديسين متى ولوقا لمعرفة سلسلة نسب عائلة السيد المسيح، إلا انه في الغالب كانت هُناك سلسلة نسب محفوطة في مستند او في ذاكرة كل عائلة يهودية، إذ كان اليهود مشغولين كثيرًا بسلاسل نسب العائلات هذا لإمور تختص بتقسيم الاسباط في خدمة الهيكل ومجئ المسيا والنسل الملوكي الذي له الأحقية في حكم إسرائيل وما إلى ذلك، وهذا ليس غريبًا فقد ذكر يوسيفوس المؤرخ اليهودي الشهير والمُعاصر لعصر السيد المسيح سلسلة نسب عائلته بالكامل[2].
ويقص علينا أيضا الكاتب الكنسي افريكانوس (220م) في رسالته إلى ارستيدس ان هيرودس الملك كان ادومي الاصل ونسبة غير مُشرف بالمقارنة مع انساب اليهود، ولأنّه كان دائمًا تنغصه خساسة أصله، فقد حرق كلّ سجلاّت الأنساب، ظنًّا منه بأنّه قد يبدو من أصل شريف إن لم يوجد غيره مَن ستطيع أن يُثبّتَ من السجلاّت العامّة أنّه كان ينتمي للآباء البطاركة الأوّلين أو الدخلاء أو الذين اختلطوا بهم الذين كانوا يُسمّون “جوري”، “ومع ذلك فإنّ عددًا قليلًا من الحريصين إذ حصلوا على سجلاّت خاصّة ملك لهم، إمّا بتذكّر الأسماء أو بالحصول عليها بطريقة أخرى من السجلاّت، فإنّهم يفخرون بحفظ تذكار أصلهم النبيل ومن ضمنهم أولئك السابق ذكرهم الذين يُسمّون “دسبوسيني[3]“، بسبب علاقتهم بعائلة المخلّص.
وإذ أتوا من الناصرة وكوتشابا، وهما قريتان في يهوذا، إلى أرجاء أخرى، استقوا سلسلة النسب هذه من الذاكرة، ومن سفر السجلاّت اليوميّة، بمنتهى ما يمكن من الأمانة[4]. ويخبرنا العالِم يواقيم إرميا[5] وهو مسيحي من اصل يهودي أن حفظ الأنساب في أيام المسيح كان ضرورة حتمية كعمل رسمي هام جدًا للعائلات الكهنوتية والعائلات غير الكهنوتية على السواء. وأن هذه الأنساب لم تكن تلفَّق بل كان يُتَّخذ فيها الحيطة الدقيقة بمنتهى الدقة على قدر كبير من الاجتهاد العاملين في تسجيلها، حتى ولو حدث فيها بعض الفجوات فهذا لا يثني القائمين بالأمر من تكميل التسجيل على أكثر صحة ممكنة.
كما يمدنا العالِم م. د. جونسون[6] أنه كان هناك اهتمام شديد بنقاوة الأنساب، وكانت العائلات تحتفظ دائمًا بتاريخ أنسابها كتابة وشفاهًا، وكانت حاضرة دائمًا في أذهانهم وعلى لسانهم، لذلك أصبح من غير العدل أن لا يُعترف بها تاريخيًا.
ومن الممكن ايضًا ان يكونا قد أعتمدا على سلسلتي النسب الواردتين في كلٍ من (راعوث 4: 18- 21، وسفر اخبار الايام الاول).
وفي حضارة الشرق القديم وخاصة عند اليهود كانت سلاسل الانساب لا تهدف إلى وضع سلسال متصل دقيق لكل أشخاص العائلة، بل تهدف سلسلة النسب قبل كل شئ إلى البحث عن حق في إمتلاك أرض او حق في الوضع الكهنوتي (انظُر، عز2: 61: 63)، وفي العهد القديم إذا قارننا بين (عز 7: 5)، و(1خ6) سنجد ان عزرا أسقط ستة أسماء من أمريا حتّى عزريا ، وذلك لان سلسلة النسب تتعلق بجوانب روحية وحقوق قانونية أكبر وأهم من النسب البيولوجي. ولهذا فإن سلسلتي النسب عند كلٍ من متى ولوقا تُسقط عمدًا أسماء لا قيمة لها من ناحية إثبات نسب المسيح الملوكي وانه من نسل داود ويهوذا وإبراهيم.
ولهذا فالبشيران لا يذكران نفس عدد الأجيال.
اما من جهة ذكر الشخصيات التي أختلفت بين كلٍ من متى ولوقا فإن ذلك يرجع إلى ان متى يذكر سلسلة نسب يسوع البيلوجية عن يوسف بن يعقوب خطيب مريم والذي انتسب إليه يسوع بالجسد امام العالم، بينما لوقا يعود بالنسب إلى مريم إبنة هالي ويذكر نسب مريم وليس نسب يوسف.
يقول وزرينتون: «من الأمور التقليدية افتراض أن قائمة نسب متَّى تقتفي أثر نسب يسوع من خلال يوسف (نسبه القانوني)، بينما قائمة لوقا تهتم بنسبه من خلال مريم (نسبه الطبيعي). وهذا الحل يجد دعمًا من الحقيقة التي تقول إن متَّى ركز في تسجيله للأحداث على دور يوسف أكثر من مريم، بينما كانت تسجيلات لوقا تجعل من مريم المحور الأساسي في الدراما. وهذا أيضًا ينسجم مع التخمين القديم الذي يقول بأن يوسف هو مصدر كثير من حكايات مولد يسوع عند متَّى، بينما مريم هي المصدر الذي استقى منه لوقا معظم معلوماته[7].
وكل من جيسلر وهاو يتبنيان هذا الموقف، وتفضيلهم لهذا الموقف وأسباب قبولهم له تضيف وتدعم من ملاحظات وزرينتون:
قائمة الأنساب عند لوقا ومتى مختلفتان، إحداهما تتبع نسبه عن طريق الأب القانوني وهو يوسف، والأخرى من خلال أمه وهي مريم. متَّى يمدنا بالخط الرسمي للنسب، طالما أنه يقدم يسوع لليهود الذين يهتمون بالمسيح اليهودي والذي من شروطه أن يكون من نسل إبراهيم وداود» (مت 1: 1). أما لوقا وأمامه جمع كبير من اليونانيين، يقدم يسوع بأنه الرجل الكامل (وهو مطلب يوناني يتفق مع معتقداتهم)، لذا هو يتعقب نسب يسوع حتى الرجل الأول وهو آدم» (لو 3: 38).
أن يقوم متَّى بتسجيل قائمة نسب ليسوع من ناحية الآب، بينما يتتبع لوقا هذا النسب من ناحية الأم فذلك يدعمه عدد من الحقائق. أولًا، بينما تواصل كل من القائمتين التقدم حتى داود: إلا أن متَّى ينسب يسوع إلى يوسف (أبيه القانوني) ويصل به حتى الملك سليمان، والذي يرث منه المسيح الملك وعرش داود (2صم 7: 12). وفي الجانب الآخر، كان هدف لوقا أن يرى الناس المسيح كإنسان عادي، لذا هو يصل بنسبه إلى ناثان ابن داود، ثم إلى والدته مريم، والتي من خلالها يمكن أن يظهر إنسانيته الكاملة، وكونه مخلِّصًا للعالم.
أكثر من ذلك، فإن لوقا لم يقل أنه يصل نسب يسوع بيوسف، بل يسجل أن يسوع «وهو على ما كان يظن» (لو 3: 23) إنه ابن ليوسف، بينما هو في الواقع ابن لمريم. أيضًا، فإن لوقا يسجل نسب مريم لأن هذا يتناسب مع تأكيده المستمر على النساء في إنجيله، والذي دُعي «إنجيل النساء».
وأخيرًا، فإن احتواء كل من القائمتين على نفس الأسماء على وجـه العموم (مـثل شلتـائـيل وزربابـل مـت 1: 12، لو 3: 27) لا يثبت أنهـم نفـس الأشخـاص. أولًا، هـي ليسـت مـن الأسمـاء غيـر الـمتـداولة، وأكثر من ذلـك، حتـى إذا كـانـت نفـس سلسلة النسب، فإن لوقا قد كرر اسمي يوسف، ويهوذا» (لو 3: 26 و30)[8].
ويدعم الباحث الكتابي جليسون أرشر هذا الرأي، فيكتب:
يعطي متَّى (1: 1- 16) سلسلة نسب يسوع عن طريق يوسف، الذي كان هو سليلًا للملك داود. ولأن يسوع هو الابن الذي تبنَّاه يوسف، لذا فإنه يصبح وارثًا له قانونيًا. لاحظ بدقة ما ورد في الآية 16 «ويعقوب ولد يوسف رجل مريم التي وُلد منها يسوع الذي يُدعى المسيح».
وهذا شكل في العرض لا يتوافق مع ما سبقه في سرد قائمة أجداد يوسف: «إبراهيم ولد إسحق، وإسحق ولد يعقوب، الخ». لكن لم يذكر أن يوسف ولد يسوع، لكن يشار إليه بأنه «رجل مريم التي وُلد منها يسوع».
في لوقا 3: 23- 38، من جانب آخر يسجل قائمة نسب مريم نفسها، ويصل بنا حتى إبراهيم ثم آدم وبداية التاريخ الإنساني. وهذا يبدو متضمنًا في الآية 23: يسوع.. «كان يظن أنه ابن يوسف». هذه الكلمة (كان يظن) توضح أن يسوع لم يكن الابن الطبيعي ليوسف، بالرغم أن كل معاصريه يعلمون أنه ابنه. وهذا يدعو إلى تركيز الانتباه على الأم مريم، التي هي الوالد الوحيد ليسوع من خلال عدد من الأسلاف. لذا ذكرت سلسلة نسبها بدءًا من هالي، الذي هو يعتبر حمو يوسف، بينما أب يوسف هو يعقوب (مت 1: 16). وخط نسب مريم ينتهي إلى ناثان وهو ابن لبثشبع زوجة داود. لذلك فإن يسوع من نسل داود وبشكل طبيعي من خلال ناثان، ومن سليمان من الناحية القانونية[9].
ويتضح ذلك من اللغة اليونانية، حيث يجب ان تُعَّرف جميع الأسماء بأداة تعريف، بينما لا نجد إسم يوسف في النص هُنا مُعرف ([10]υἱός, ὡς ἐνομίζετο, Ἰωσήφ)، بينما يأتي إسم هالي او إيلَّي (τοῦ Ἠλί [11]) مُعَّرف، فهذا يعني نا سلسلة النسب هذه لا تخص يوسف (الزوج)، بل تخص مريم (الزوجة). وهذا يعني ان النص يُقرأ هكذا: وهو على ما كان يُظَّن بن يوسف (وهُنا يوسف كناية عن مريم لإن نسب الأنثي لا يُعتد به[12]) وجده هو هالي (اب مريم). وهذا ما يؤكده التلمود إذ ذكر في أكثر من موضع أن مريم هي ابنة هالي[13].
ولذلك بينما يذكر متى نسب المسيح عن سليمان بن داود، يذكره لوقا عن ناثان بن داود. فناثان هو احد اجداد مريم بينما سليمان هو احد اجداد يوسف.
وايضًا يذكر متى ان والد يوسف هو يعقوب، بينما يذكر لوقا ان يوسف هو بن هالي كما سبق واوضحنا ذلك، لان يعقوب هو الاب الحقيقي ليوسف، بينما هالي هو حمي يوسف واب مريم وقد استخدم لوقا يوسف كمجرد كناية لمريم لان الانسال في اليهودية ترفض ذكر نسب المرأة.
[1] R. T. France, vol. 1, Matthew: An Introduction and Commentary, Tyndale New Testament Commentaries. P , 77.
[2] See, Flavius Josephus and William Whiston, The Works of Josephus : Complete and Unabridged, Includes Index., Life 1-.12.
[9] Archer, encyclopedia of bible defficulties, p. 316
[10] وهو على ما كان يُظَّن بن يوسف، بينما حرفيًا يجب ان تكون الإبن ليوسف حتّى تكون مُعرفة، وهذا لم يحدث هُنا.
[11] وهو الإسم المُختصر من Ἠλιακίμ- يواقيم وهو الاسم الذي تسلمته الكنيسة القبطية كأب لمريم العذراء بحسب التقليد. انظر: John Nolland, vol. 35A, Word Biblical Commentary : Luke 1:1-9:20, Word Biblical Commentary (Dallas: Word, Incorporated, 2002), p. 171.
[12] يوضح التلمود ان اسرة الاب فقط هي التي تدعي اسرة، اما اسرة الام فلا تدعي هكذا. (Baba Batra 109B)
[13] See, jer talmud, hagigah 2: 4 ; Sanhedrin 23: 3- babylonian talmud, Sanhedrin 44: 2
تختلف سلسلة نسب المسيح بحسب إنجيل لوقا (لو 3: 23: 38)، إختلافًا كبيرًا عن تلك الواردة في انجيل متي، ليس من ناحية انها ترجع بنا إلى آدم، إبن الله، وبهذا تضع يسوع في سلسلة الجنس البشري كله، وليس في إطار الأمة اليهودية فحسب، بل من ناحية الأسماء التي تضمنتها.
فمن إبراهيم حتّى داود هناك إتفاق، لكنهما تختلفان إعتبارًا من داود، حيث يتبع متى خط وراثة عرش يهوذا من سليمان، بينما سلسلة الأنساب بحسب لوقا تُحقق ذلك من خلال ناثان، وهو إبن آخر لداود، وتلتقي مع سلسلة الأنساب بحسب متى فقط مع الإسمين شألتئيل وزربابل حتى يوسف.
وبالنسبة لما يُقال من أن متى أو لوقا أخترع ببساطة الأسماء التي سجلها فهذا لا يفق مع ما عُرِفَ عنهما من إهتمامهما بالتفاصيل (وهو الواضح ايضًا في انجيليهما وسفر الاعمال)، وليس هُناك ما يدعوهما إلى ذلك[1].
وفي واقع الأمر نحن لا نعرف تحديدًا ما هي المصادر التي اعتمد عليها كلٍ من القديسين متى ولوقا لمعرفة سلسلة نسب عائلة السيد المسيح، إلا انه في الغالب كانت هُناك سلسلة نسب محفوطة في مستند او في ذاكرة كل عائلة يهودية، إذ كان اليهود مشغولين كثيرًا بسلاسل نسب العائلات هذا لإمور تختص بتقسيم الاسباط في خدمة الهيكل ومجئ المسيا والنسل الملوكي الذي له الأحقية في حكم إسرائيل وما إلى ذلك، وهذا ليس غريبًا فقد ذكر يوسيفوس المؤرخ اليهودي الشهير والمُعاصر لعصر السيد المسيح سلسلة نسب عائلته بالكامل[2].
ويقص علينا أيضا الكاتب الكنسي افريكانوس (220م) في رسالته إلى ارستيدس ان هيرودس الملك كان ادومي الاصل ونسبة غير مُشرف بالمقارنة مع انساب اليهود، ولأنّه كان دائمًا تنغصه خساسة أصله، فقد حرق كلّ سجلاّت الأنساب، ظنًّا منه بأنّه قد يبدو من أصل شريف إن لم يوجد غيره مَن ستطيع أن يُثبّتَ من السجلاّت العامّة أنّه كان ينتمي للآباء البطاركة الأوّلين أو الدخلاء أو الذين اختلطوا بهم الذين كانوا يُسمّون “جوري”، “ومع ذلك فإنّ عددًا قليلًا من الحريصين إذ حصلوا على سجلاّت خاصّة ملك لهم، إمّا بتذكّر الأسماء أو بالحصول عليها بطريقة أخرى من السجلاّت، فإنّهم يفخرون بحفظ تذكار أصلهم النبيل ومن ضمنهم أولئك السابق ذكرهم الذين يُسمّون “دسبوسيني[3]“، بسبب علاقتهم بعائلة المخلّص.
وإذ أتوا من الناصرة وكوتشابا، وهما قريتان في يهوذا، إلى أرجاء أخرى، استقوا سلسلة النسب هذه من الذاكرة، ومن سفر السجلاّت اليوميّة، بمنتهى ما يمكن من الأمانة[4]. ويخبرنا العالِم يواقيم إرميا[5] وهو مسيحي من اصل يهودي أن حفظ الأنساب في أيام المسيح كان ضرورة حتمية كعمل رسمي هام جدًا للعائلات الكهنوتية والعائلات غير الكهنوتية على السواء. وأن هذه الأنساب لم تكن تلفَّق بل كان يُتَّخذ فيها الحيطة الدقيقة بمنتهى الدقة على قدر كبير من الاجتهاد العاملين في تسجيلها، حتى ولو حدث فيها بعض الفجوات فهذا لا يثني القائمين بالأمر من تكميل التسجيل على أكثر صحة ممكنة.
كما يمدنا العالِم م. د. جونسون[6] أنه كان هناك اهتمام شديد بنقاوة الأنساب، وكانت العائلات تحتفظ دائمًا بتاريخ أنسابها كتابة وشفاهًا، وكانت حاضرة دائمًا في أذهانهم وعلى لسانهم، لذلك أصبح من غير العدل أن لا يُعترف بها تاريخيًا.
ومن الممكن ايضًا ان يكونا قد أعتمدا على سلسلتي النسب الواردتين في كلٍ من (راعوث 4: 18- 21، وسفر اخبار الايام الاول).
وفي حضارة الشرق القديم وخاصة عند اليهود كانت سلاسل الانساب لا تهدف إلى وضع سلسال متصل دقيق لكل أشخاص العائلة، بل تهدف سلسلة النسب قبل كل شئ إلى البحث عن حق في إمتلاك أرض او حق في الوضع الكهنوتي (انظُر، عز2: 61: 63)، وفي العهد القديم إذا قارننا بين (عز 7: 5)، و(1خ6) سنجد ان عزرا أسقط ستة أسماء من أمريا حتّى عزريا ، وذلك لان سلسلة النسب تتعلق بجوانب روحية وحقوق قانونية أكبر وأهم من النسب البيولوجي. ولهذا فإن سلسلتي النسب عند كلٍ من متى ولوقا تُسقط عمدًا أسماء لا قيمة لها من ناحية إثبات نسب المسيح الملوكي وانه من نسل داود ويهوذا وإبراهيم.
ولهذا فالبشيران لا يذكران نفس عدد الأجيال.
اما من جهة ذكر الشخصيات التي أختلفت بين كلٍ من متى ولوقا فإن ذلك يرجع إلى ان متى يذكر سلسلة نسب يسوع البيلوجية عن يوسف بن يعقوب خطيب مريم والذي انتسب إليه يسوع بالجسد امام العالم، بينما لوقا يعود بالنسب إلى مريم إبنة هالي ويذكر نسب مريم وليس نسب يوسف.
يقول وزرينتون: «من الأمور التقليدية افتراض أن قائمة نسب متَّى تقتفي أثر نسب يسوع من خلال يوسف (نسبه القانوني)، بينما قائمة لوقا تهتم بنسبه من خلال مريم (نسبه الطبيعي). وهذا الحل يجد دعمًا من الحقيقة التي تقول إن متَّى ركز في تسجيله للأحداث على دور يوسف أكثر من مريم، بينما كانت تسجيلات لوقا تجعل من مريم المحور الأساسي في الدراما. وهذا أيضًا ينسجم مع التخمين القديم الذي يقول بأن يوسف هو مصدر كثير من حكايات مولد يسوع عند متَّى، بينما مريم هي المصدر الذي استقى منه لوقا معظم معلوماته[7].
وكل من جيسلر وهاو يتبنيان هذا الموقف، وتفضيلهم لهذا الموقف وأسباب قبولهم له تضيف وتدعم من ملاحظات وزرينتون:
قائمة الأنساب عند لوقا ومتى مختلفتان، إحداهما تتبع نسبه عن طريق الأب القانوني وهو يوسف، والأخرى من خلال أمه وهي مريم. متَّى يمدنا بالخط الرسمي للنسب، طالما أنه يقدم يسوع لليهود الذين يهتمون بالمسيح اليهودي والذي من شروطه أن يكون من نسل إبراهيم وداود» (مت 1: 1). أما لوقا وأمامه جمع كبير من اليونانيين، يقدم يسوع بأنه الرجل الكامل (وهو مطلب يوناني يتفق مع معتقداتهم)، لذا هو يتعقب نسب يسوع حتى الرجل الأول وهو آدم» (لو 3: 38).
أن يقوم متَّى بتسجيل قائمة نسب ليسوع من ناحية الآب، بينما يتتبع لوقا هذا النسب من ناحية الأم فذلك يدعمه عدد من الحقائق. أولًا، بينما تواصل كل من القائمتين التقدم حتى داود: إلا أن متَّى ينسب يسوع إلى يوسف (أبيه القانوني) ويصل به حتى الملك سليمان، والذي يرث منه المسيح الملك وعرش داود (2صم 7: 12). وفي الجانب الآخر، كان هدف لوقا أن يرى الناس المسيح كإنسان عادي، لذا هو يصل بنسبه إلى ناثان ابن داود، ثم إلى والدته مريم، والتي من خلالها يمكن أن يظهر إنسانيته الكاملة، وكونه مخلِّصًا للعالم.
أكثر من ذلك، فإن لوقا لم يقل أنه يصل نسب يسوع بيوسف، بل يسجل أن يسوع «وهو على ما كان يظن» (لو 3: 23) إنه ابن ليوسف، بينما هو في الواقع ابن لمريم. أيضًا، فإن لوقا يسجل نسب مريم لأن هذا يتناسب مع تأكيده المستمر على النساء في إنجيله، والذي دُعي «إنجيل النساء».
وأخيرًا، فإن احتواء كل من القائمتين على نفس الأسماء على وجـه العموم (مـثل شلتـائـيل وزربابـل مـت 1: 12، لو 3: 27) لا يثبت أنهـم نفـس الأشخـاص. أولًا، هـي ليسـت مـن الأسمـاء غيـر الـمتـداولة، وأكثر من ذلـك، حتـى إذا كـانـت نفـس سلسلة النسب، فإن لوقا قد كرر اسمي يوسف، ويهوذا» (لو 3: 26 و30)[8].
ويدعم الباحث الكتابي جليسون أرشر هذا الرأي، فيكتب:
يعطي متَّى (1: 1- 16) سلسلة نسب يسوع عن طريق يوسف، الذي كان هو سليلًا للملك داود. ولأن يسوع هو الابن الذي تبنَّاه يوسف، لذا فإنه يصبح وارثًا له قانونيًا. لاحظ بدقة ما ورد في الآية 16 «ويعقوب ولد يوسف رجل مريم التي وُلد منها يسوع الذي يُدعى المسيح».
وهذا شكل في العرض لا يتوافق مع ما سبقه في سرد قائمة أجداد يوسف: «إبراهيم ولد إسحق، وإسحق ولد يعقوب، الخ». لكن لم يذكر أن يوسف ولد يسوع، لكن يشار إليه بأنه «رجل مريم التي وُلد منها يسوع».
في لوقا 3: 23- 38، من جانب آخر يسجل قائمة نسب مريم نفسها، ويصل بنا حتى إبراهيم ثم آدم وبداية التاريخ الإنساني. وهذا يبدو متضمنًا في الآية 23: يسوع.. «كان يظن أنه ابن يوسف». هذه الكلمة (كان يظن) توضح أن يسوع لم يكن الابن الطبيعي ليوسف، بالرغم أن كل معاصريه يعلمون أنه ابنه. وهذا يدعو إلى تركيز الانتباه على الأم مريم، التي هي الوالد الوحيد ليسوع من خلال عدد من الأسلاف. لذا ذكرت سلسلة نسبها بدءًا من هالي، الذي هو يعتبر حمو يوسف، بينما أب يوسف هو يعقوب (مت 1: 16). وخط نسب مريم ينتهي إلى ناثان وهو ابن لبثشبع زوجة داود. لذلك فإن يسوع من نسل داود وبشكل طبيعي من خلال ناثان، ومن سليمان من الناحية القانونية[9].
ويتضح ذلك من اللغة اليونانية، حيث يجب ان تُعَّرف جميع الأسماء بأداة تعريف، بينما لا نجد إسم يوسف في النص هُنا مُعرف ([10]υἱός, ὡς ἐνομίζετο, Ἰωσήφ)، بينما يأتي إسم هالي او إيلَّي (τοῦ Ἠλί [11]) مُعَّرف، فهذا يعني نا سلسلة النسب هذه لا تخص يوسف (الزوج)، بل تخص مريم (الزوجة). وهذا يعني ان النص يُقرأ هكذا: وهو على ما كان يُظَّن بن يوسف (وهُنا يوسف كناية عن مريم لإن نسب الأنثي لا يُعتد به[12]) وجده هو هالي (اب مريم). وهذا ما يؤكده التلمود إذ ذكر في أكثر من موضع أن مريم هي ابنة هالي[13].
ولذلك بينما يذكر متى نسب المسيح عن سليمان بن داود، يذكره لوقا عن ناثان بن داود. فناثان هو احد اجداد مريم بينما سليمان هو احد اجداد يوسف.
وايضًا يذكر متى ان والد يوسف هو يعقوب، بينما يذكر لوقا ان يوسف هو بن هالي كما سبق واوضحنا ذلك، لان يعقوب هو الاب الحقيقي ليوسف، بينما هالي هو حمي يوسف واب مريم وقد استخدم لوقا يوسف كمجرد كناية لمريم لان الانسال في اليهودية ترفض ذكر نسب المرأة.
[1] R. T. France, vol. 1, Matthew: An Introduction and Commentary, Tyndale New Testament Commentaries. P , 77.
[2] See, Flavius Josephus and William Whiston, The Works of Josephus : Complete and Unabridged, Includes Index., Life 1-.12.
[3] كلمة يونانية معناها من له صلة بالسيد.
[4] تاريخ الكنيسة، للعلامة يوسابيوس القيصري، ترجمة الاب مرقس داود، 7: 13، 14
[5] J. Jeremias, Jerusalem in the time of jesus, London. 1969. Pp. 213- 221. 275- 303.
[6] M. D. Johnson, The Purpose of The Biblical Genealogies, Cambridge, 1969, p, 238.
[7] Witherington III, the birth of jesus, dictionary of jesus and the gospels, p. 65
[8] Geisler, when critics ask, p. 385
[9] Archer, encyclopedia of bible defficulties, p. 316
[10] وهو على ما كان يُظَّن بن يوسف، بينما حرفيًا يجب ان تكون الإبن ليوسف حتّى تكون مُعرفة، وهذا لم يحدث هُنا.
[11] وهو الإسم المُختصر من Ἠλιακίμ- يواقيم وهو الاسم الذي تسلمته الكنيسة القبطية كأب لمريم العذراء بحسب التقليد. انظر: John Nolland, vol. 35A, Word Biblical Commentary : Luke 1:1-9:20, Word Biblical Commentary (Dallas: Word, Incorporated, 2002), p. 171.
[12] يوضح التلمود ان اسرة الاب فقط هي التي تدعي اسرة، اما اسرة الام فلا تدعي هكذا. (Baba Batra 109B)
[13] See, jer talmud, hagigah 2: 4 ; Sanhedrin 23: 3- babylonian talmud, Sanhedrin 44: 2