تقدم الكنيسة الحب كأروع عمل من أعمالها. يقول القديس إكليمنضس السكندري: أفضل شيء أن نقتني ملكوت الله… بمجتمع المحبة المقدسة، الكنيسة السماوية؛ فإن المحبة هي أمر نقي يؤهل لله، عملها الشركة.
ألقى القديس يوحنا الذهبي الفم عظتين عن أتروبيوس الذي كان الإمبراطور يثق فيه ويستشيره في كل شئون المملكة استخدم كل وسيلة للتنكيل بالكنيسة، وعندما اكتشف الإمبراطور أنه دبر مؤامرة لاغتياله، هرب إلى الكنيسة وتمسك بقرون المذبح طالبا تدخل رئيس الأساقفة القديس يوحنا الذهبي الفم ليشفع فيه لدى الإمبراطور.
تجمهر الكثيرون يطلبون أن يسلم القديس يوحنا الذهبي الفم أتروبيوس للسلطات كي تحاكمه، فماذا كان موقف القديس؟ اقد وجه حديثه لأتروبيوس، قائلا:
الكنيسة التي كنت تعاملها كعدو، تفتح لك حضنها وتستقبلك، بينما المسارح التي كنت تتودد إليها، والتي بسببها كثيرا ما كنت تنازعني، تخونك وتهلكك.
والآن فإن الملاعب التي سببت لك غنى عظيما تستل السيف ضدك، أما الكنيسة التي كنت دائما تغضب عليها، تسرع في كل اتجاه لإنقاذك من داخل الشبكة.
وإنني لا أنطق بهذا لكي أقلق نفسك وأنت مطروح على الأرض، إنما أرغب في أولئك الذين لا زالوا قائمين أن يكونوا أكثر أمانا؛ لا عن طريق تهييج قروح إنسان مجروح، إنما بالحري لكي أحفظ الذين لم يجرحوا في صحة كاملة؛ لا بإغراق إنسان تصدمه الأمواج، بل بتعليم أولئك الذين يبحرون في جو هادي حتى لا يهلكون.
وكيف يتم هذا؟ بتأملهم في التغيير الذي يصيب الشئون البشرية. لأنه (أتروبيوس) هذا الذي وقف مرتعا من التغيير الذي حدث له، لم يكن له خبرة قبل ذلك، ولم يفلح عن طريق ضميره كما لم يأخذ بمشورات الآخرين. وأنتم يا من تفتخرون بغناكم، أما تستفيدون بما حدث (لأتروبيوس)، إذ لا شيء أوهن من الشئون البشرية.
إني أعجز عن أن أعبر بدقة عن مدى تفاهة الشئون البشرية (أي سرعة تغيرها).
فإن دعوناها دخانا أو عشا أو حلما أو أزهارا ربيعية، أو أي لقب آخر، فإنه هكذا هي أمور هالكة بل وأقل من العدم. بل وبالإضافة إلى كونها عدم، فإنها تتسم بعنصر خطير جدا تؤكده (وهو سرعة التغيير).
أي إنسان كان أكثر عظمة من هذا الرجل (أتروبيوس)؟
ألم يفوق العالم كله في الغنى؟!
ألم يتسلق إلى برج الرفعة ذاته؟!
ألم يكن الكل يخافه ويرتعب منه؟!
آه، ولكنه مع ذلك ألم يصر أكثر بؤسا من السجين؟ ويرثي له أكثر من العبد الذليل؟ وأكثر إعسارا من الفقير المتضور جوعا؟! إذ يرى كل يوم منظر السيوف الحادة، ومنظر القاتلين والمعذبين يقودونه نحو موته.
وهو مع هذا لا يعرف إن كان قد سبق وفرح ولو مرة واحدة في الماضي، بل ولا يشعر حتى بأشعة الشمس. إنما في وسط النهار يكون نظره معتما كما لو أن ظلاما دامتا قد اكتنفه. وإنني سأحاول قدر المستطاع، رغم عجز اللغة البشرية أن أعبر عن الآلام التي يخضع لها طبيعيا إذ يتوقع الموت كل ساعة.
ولماذا أعبر عن ذلك بكلمات من عندي، إن كان هو بنفسه قد رسم لنا صورة منظورة. إذ بالأمس لما جاءوا إليه يطاردونه بالقوة، هرب ليلتجئ في مكان مقدس. وكان وجهه لا يختلف عن هيئة إنسان میت، وصرير أسنانه وارتجاف كل بدنه ورعدته، واضطراب صوته وتلعثم لسانه، بل وكل مظهره العام يكشف عن روح مضطربة…
بينما الكل يحتقره في أثناء دماره، إذا بالكنيسة وحدها كأم حنون تخبئه تحت ساعتها، مهدئة غضب الملك، وهياج الشعب، وكراهيتهم التي تغلي ضده.
هذه هي زينة المذبح (أن تحب الكنيسة من يعاديها ويقاومها). نقول إنه نوع جديد من الزينة الحلي)، عندما يسمح للخاطئ المتهم الذي يبغضها، اللص، أن يتمسك بالمذبح.
إن الزانية أمسكت بقدمي يسوع، تلك التي وصمت بأنجس خطية وأكثرها كرها. ومع ذلك فإن يسوع لم ينتهر عملها، بل بالحري أعجب منها ومدحها، لأن المرأة الشريرة لم تؤذ نقاوته بلمسها ذاك البار الذي بلا خطية.
” ربما يشير إلى المذبح حيث توضع الساعة أمام المذبح.
لا تتذمر إذن أيها الإنسان. فإننا خدام للمصلوب القائل : “اغفر لهم، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون (لو ۲۳: 34).
لكنك قد تقول: ألم ينزع أتروبيوس حقه في الالتجاء هنا بواسطة قوانينه وشرائعه المختلفة؟! نعم. لكنه يتعلم بالخبرة ما قد صنعه، وسيكون هو بأفعاله أول من يكسر قوانينه (ضد الكنيسة)، ويصير مشها للعالم كله، وبالرغم من صمته فإنه ينطق بصوت عال محذرا الجميع، قائلا: “لا تفعلوا ما قد فعلته أنا، حتى لا تعانوا مما أعانيه”.
إنه في نكبته يصير معلما، وينال المذبح مجدا عظيما، موحا برهبة عظيمة في ذلك الأمر. إذ قد أمسك الأسد (أتروبيوس) أسيرا (بخضوعه للكنيسة)…
هكذا فإن هذا الإنسان يعظ دون أن ينطق بكلمة، ويتكلم بأعماله بصوت أعلى من صوت بوق…
لا يثر أحد ولا يغتظ، بل لنطلب مراحم الله أن تمهله عن الموت، وأن تنقذه من الهلاك المحدق به، حتى يتوب عن خطاياه، وأن نتحد مقتربين من الإمبراطور الرحوم، متوسلين إليه من أجل الكنيسة، من أجل المذبح، مقدما حياة هذا الرجل كتقدمة للمائدة المقدسة.
يتحدث أوريجينوس عن الحب الذي يوحد الأرض مع السماء، قائلا:
الآن، حسب كلمة الله، فإن أحد الفضائل العظيمة هي أن نحب بعضنا البعض. ولابد لنا أن نعتقد بأن القديسين الذين رحلوا، لهم تلك المحبة تجاه الذين يجاهدون في معركة الحياة، بدرجة تفوق بكثير من هم مازالوا خاضعين للضعف البشري، ومنشغلين بجهاد إخوتهم الأضعف منهم.
فالكلمات: إن كان عضو واحد يتألم، فجميع الأعضاء تتألم معه. وإن كان عضو واحد يكرم فجميع الأعضاء تفرح معه” (1 كو ۲۹ : ۱۲) لا تقتصر على من يحب إخوته على الأرض. إن كانت ملائكة الله قد جاءت إلى يسوع، وصارت تخدمه (مت ۱۱ : 4 )، وإذا كنا نؤمن بأن خدمة الملائكة هذه لم تكن قاصرة على الفترة القصيرة التي استغرقتها رحلته الأرضية، فكم يكون عدد الملائكة، في رأيك، الذين يخدمون يسوع، عندما شرع في تجميع أبناء إسرائيل واحدا واحدا من الشتات، وفي خلاصهم بخوفي، إذ يدعونه.
القمص تادرس يعقوب ملطي
تقدم الكنيسة الحب كأروع عمل من أعمالها. يقول القديس إكليمنضس السكندري: أفضل شيء أن نقتني ملكوت الله… بمجتمع المحبة المقدسة، الكنيسة السماوية؛ فإن المحبة هي أمر نقي يؤهل لله، عملها الشركة.
ألقى القديس يوحنا الذهبي الفم عظتين عن أتروبيوس الذي كان الإمبراطور يثق فيه ويستشيره في كل شئون المملكة استخدم كل وسيلة للتنكيل بالكنيسة، وعندما اكتشف الإمبراطور أنه دبر مؤامرة لاغتياله، هرب إلى الكنيسة وتمسك بقرون المذبح طالبا تدخل رئيس الأساقفة القديس يوحنا الذهبي الفم ليشفع فيه لدى الإمبراطور.
تجمهر الكثيرون يطلبون أن يسلم القديس يوحنا الذهبي الفم أتروبيوس للسلطات كي تحاكمه، فماذا كان موقف القديس؟ اقد وجه حديثه لأتروبيوس، قائلا:
الكنيسة التي كنت تعاملها كعدو، تفتح لك حضنها وتستقبلك، بينما المسارح التي كنت تتودد إليها، والتي بسببها كثيرا ما كنت تنازعني، تخونك وتهلكك.
والآن فإن الملاعب التي سببت لك غنى عظيما تستل السيف ضدك، أما الكنيسة التي كنت دائما تغضب عليها، تسرع في كل اتجاه لإنقاذك من داخل الشبكة.
وإنني لا أنطق بهذا لكي أقلق نفسك وأنت مطروح على الأرض، إنما أرغب في أولئك الذين لا زالوا قائمين أن يكونوا أكثر أمانا؛ لا عن طريق تهييج قروح إنسان مجروح، إنما بالحري لكي أحفظ الذين لم يجرحوا في صحة كاملة؛ لا بإغراق إنسان تصدمه الأمواج، بل بتعليم أولئك الذين يبحرون في جو هادي حتى لا يهلكون.
وكيف يتم هذا؟ بتأملهم في التغيير الذي يصيب الشئون البشرية. لأنه (أتروبيوس) هذا الذي وقف مرتعا من التغيير الذي حدث له، لم يكن له خبرة قبل ذلك، ولم يفلح عن طريق ضميره كما لم يأخذ بمشورات الآخرين. وأنتم يا من تفتخرون بغناكم، أما تستفيدون بما حدث (لأتروبيوس)، إذ لا شيء أوهن من الشئون البشرية.
إني أعجز عن أن أعبر بدقة عن مدى تفاهة الشئون البشرية (أي سرعة تغيرها).
فإن دعوناها دخانا أو عشا أو حلما أو أزهارا ربيعية، أو أي لقب آخر، فإنه هكذا هي أمور هالكة بل وأقل من العدم. بل وبالإضافة إلى كونها عدم، فإنها تتسم بعنصر خطير جدا تؤكده (وهو سرعة التغيير).
أي إنسان كان أكثر عظمة من هذا الرجل (أتروبيوس)؟
ألم يفوق العالم كله في الغنى؟!
ألم يتسلق إلى برج الرفعة ذاته؟!
ألم يكن الكل يخافه ويرتعب منه؟!
آه، ولكنه مع ذلك ألم يصر أكثر بؤسا من السجين؟ ويرثي له أكثر من العبد الذليل؟ وأكثر إعسارا من الفقير المتضور جوعا؟! إذ يرى كل يوم منظر السيوف الحادة، ومنظر القاتلين والمعذبين يقودونه نحو موته.
وهو مع هذا لا يعرف إن كان قد سبق وفرح ولو مرة واحدة في الماضي، بل ولا يشعر حتى بأشعة الشمس. إنما في وسط النهار يكون نظره معتما كما لو أن ظلاما دامتا قد اكتنفه. وإنني سأحاول قدر المستطاع، رغم عجز اللغة البشرية أن أعبر عن الآلام التي يخضع لها طبيعيا إذ يتوقع الموت كل ساعة.
ولماذا أعبر عن ذلك بكلمات من عندي، إن كان هو بنفسه قد رسم لنا صورة منظورة. إذ بالأمس لما جاءوا إليه يطاردونه بالقوة، هرب ليلتجئ في مكان مقدس. وكان وجهه لا يختلف عن هيئة إنسان میت، وصرير أسنانه وارتجاف كل بدنه ورعدته، واضطراب صوته وتلعثم لسانه، بل وكل مظهره العام يكشف عن روح مضطربة…
بينما الكل يحتقره في أثناء دماره، إذا بالكنيسة وحدها كأم حنون تخبئه تحت ساعتها، مهدئة غضب الملك، وهياج الشعب، وكراهيتهم التي تغلي ضده.
هذه هي زينة المذبح (أن تحب الكنيسة من يعاديها ويقاومها). نقول إنه نوع جديد من الزينة الحلي)، عندما يسمح للخاطئ المتهم الذي يبغضها، اللص، أن يتمسك بالمذبح.
إن الزانية أمسكت بقدمي يسوع، تلك التي وصمت بأنجس خطية وأكثرها كرها. ومع ذلك فإن يسوع لم ينتهر عملها، بل بالحري أعجب منها ومدحها، لأن المرأة الشريرة لم تؤذ نقاوته بلمسها ذاك البار الذي بلا خطية.
” ربما يشير إلى المذبح حيث توضع الساعة أمام المذبح.
لا تتذمر إذن أيها الإنسان. فإننا خدام للمصلوب القائل : “اغفر لهم، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون (لو ۲۳: 34).
لكنك قد تقول: ألم ينزع أتروبيوس حقه في الالتجاء هنا بواسطة قوانينه وشرائعه المختلفة؟! نعم. لكنه يتعلم بالخبرة ما قد صنعه، وسيكون هو بأفعاله أول من يكسر قوانينه (ضد الكنيسة)، ويصير مشها للعالم كله، وبالرغم من صمته فإنه ينطق بصوت عال محذرا الجميع، قائلا: “لا تفعلوا ما قد فعلته أنا، حتى لا تعانوا مما أعانيه”.
إنه في نكبته يصير معلما، وينال المذبح مجدا عظيما، موحا برهبة عظيمة في ذلك الأمر. إذ قد أمسك الأسد (أتروبيوس) أسيرا (بخضوعه للكنيسة)…
هكذا فإن هذا الإنسان يعظ دون أن ينطق بكلمة، ويتكلم بأعماله بصوت أعلى من صوت بوق…
لا يثر أحد ولا يغتظ، بل لنطلب مراحم الله أن تمهله عن الموت، وأن تنقذه من الهلاك المحدق به، حتى يتوب عن خطاياه، وأن نتحد مقتربين من الإمبراطور الرحوم، متوسلين إليه من أجل الكنيسة، من أجل المذبح، مقدما حياة هذا الرجل كتقدمة للمائدة المقدسة.
يتحدث أوريجينوس عن الحب الذي يوحد الأرض مع السماء، قائلا:
الآن، حسب كلمة الله، فإن أحد الفضائل العظيمة هي أن نحب بعضنا البعض. ولابد لنا أن نعتقد بأن القديسين الذين رحلوا، لهم تلك المحبة تجاه الذين يجاهدون في معركة الحياة، بدرجة تفوق بكثير من هم مازالوا خاضعين للضعف البشري، ومنشغلين بجهاد إخوتهم الأضعف منهم.
فالكلمات: إن كان عضو واحد يتألم، فجميع الأعضاء تتألم معه. وإن كان عضو واحد يكرم فجميع الأعضاء تفرح معه” (1 كو ۲۹ : ۱۲) لا تقتصر على من يحب إخوته على الأرض. إن كانت ملائكة الله قد جاءت إلى يسوع، وصارت تخدمه (مت ۱۱ : 4 )، وإذا كنا نؤمن بأن خدمة الملائكة هذه لم تكن قاصرة على الفترة القصيرة التي استغرقتها رحلته الأرضية، فكم يكون عدد الملائكة، في رأيك، الذين يخدمون يسوع، عندما شرع في تجميع أبناء إسرائيل واحدا واحدا من الشتات، وفي خلاصهم بخوفي، إذ يدعونه.