أولا: الانفتاح على البشرية. إذ يتمتع المؤمن بهذه الوليمة يشتاق بدوره أن يدعو الشعوب إليها. يقول مار يعقوب السروجي: أخرجت (عروس الملك) إلى طرقات العالم لتجمع جميع الشعوب لتسعدهم… قامت في رؤوس الأسواق وزوايا الأرض لتدعو إليها المحافل والجموع إلى الوليمة.
كما يقول: من كان يقدر أن يذبح الابن قدام أبيه، لو لم يذبح هو نفسه بيديه قبل الأمه؟ ربنا هو الحبر الأعظم، والذبيحة الكاملة، ولهذا ذبح نفسه قدام أبيه… إنه ميت، وإذ هو ميت كان حيا ولا عقب، وهو الكاهن والمحرقة وبحثه يفوق المجادلين. عرفهم كيف يشربون كأس دمه، ويسقون منه الشعوب والعالم والبلدان… ختم بدمه العهد الجديد الذي صنعه ليكون لغفران الذنوب للعالم بأسره.
ثانيا: الاهتمام بالفقراء. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: كثيرون يقتربون مع الفقراء إلى هذه المائدة المقدسة، ولكن عندما نخرج نبدو كأننا لم ننظرهم، بل نكون سكري ونحتقر الفقراء، الأمور التي أتهم بها أهل كورنثوس.
ثالثا: السلوك بروح الوحدة والحب. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: لماذا يصير إليه الذين يشتركون فيه؟ جسد المسيح، وليس أجسادا كثيرة، بل جسد واحد (أف 5: ۳۰). فكما أن الخبز يتكون من قمح كثير ويصير واحدا، فلا يعود يظهر القمح وإن كان بالحق موجودا، لكن لا يظهر الاختلاف بسبب الاتحاد معا، هكذا نحن نرتبط مؤا الواحد مع الآخر ومع المسيح… لذلك يقول: “لأننا جميعا نشترك في الخبز الواحد” (1 كو ۱۷ :۱۰) فلماذا لا تظهر ذات الحب ونصير بهذا واحدا؟
يقول القديس أغسطينوس: بالخبز تتعلمون كيف يجب أن تعتوا بالوحدة. هل هذا الخبز مصنوع من القمح؟ أليس كذلك؟ بالأحرى من قمح كثير؟ على أي الأحوال، قبل أن يصير خبرا كان هذا القمح مبعثرا. لقد انضم إلى بعضه البعض في الماء بعد أن طحن. فإنه ما لم يطحن القمح ويعجن بالماء لن يصل إلى ذاك الشكل الذي يدعى خبرا. هكذا أنتم أيضا كنتم قبلا تطحنون كما بمذلة أصوامكم وسر جحد الشيطان. عندئذ جئتم إلى معمودية الماء. لقد عجنتم حتى تبلغون شكل الخبز. ولكن بدون النار لن يوجد خبز.
رابعا: عدم الاشتراك في موائد الأشرار. يقول الذهبي الفم: لا تجري نحو الأمور المضادة. فإنك إن كنت ابن الملك ولك حق الاشتراك في مائدة أبيك… فهل تتركها وتختار مائدة المدانين؟… بكل غيرة يسحبك ليس لكيلا تؤذيك مائدتهم، وإنما لأن في هذا يعيب مائدتك الملوكية المكرمة.
خامسا: السلوك بروح القوة. يقول الذهبي الفم: إليتنا نعود من تلك المائدة كأسود تتنفس نارا ترعب الشيطان، مفكرين في رأسنا وفي حبه الذي أظهره لنا… (يقول الرب أردت أن أصير أخاكم، ومن أجلكم شاركتكم في اللحم والدم، وأعود فأعطيكم الجسد والدم لكي بذلك أصير قريبكم. هذا الدم يجعل صورة ملكنا متجددة فينا، تبعث جمالا لا ينطق به، ولا تدع سمو نفوسنا أن ينزع منا، بل ترويه دائما وتنعشه… هذا الدم السري إن تناولناه بحق يطرد الشياطين، ويجعلهم بعيدين عنا، بينما يدعو الملائكة ورب الملائكة إلينا. فحالما يرون دم الرب تهرب الشياطين وتركض الملائكة معا… شفك هذا الدم وجعل السماء سهلة المنال.
يقول الشهيد كبريانوس: الإفخارستيا هي حصن لمن يتناولها. إننا في احتياج إليها لكي نتسلح بحماية فيض الرب، الأمر الذي نرغب فيه ليجعلنا في أمان من الخصم.
ويقول القديس أفرام السرياني: لم يستطع الملاك أن يلمس الجمرة النارية بأصابعه، إنما أحضرها قريبا من فم إشعياء. لم يمسكها الملاك، ولم يلتهمها إشعياء، أما ربنا فسمح لنا أن نفعل هذا وذاك.
سادسا: صدور أنهار مياه حية. يقول الذهبي الفم: (بالحق مهوبة هي أسرار الكنيسة، مهوب بالحق هو المذبح. يصعد ينبوع من الفردوس… من هذه المائدة يصدر ينبوع يبعث أنهارا روحية.
سابعا: احتضان مخلصنا. يقول الذهبي الفم: الكي يتناولوه أيضا، ويحتضنوه في كمال قلوبهم.
ثامنا: بلوغ ملكوت السماء. يقول الذهبي الفم: أيكون للذين يشتركون في جسد الرب ودمه) رزانة النفس، وغفران الخطايا، وشركة الروح، وبلوغ ملكوت السماء، والدالة لديه، وليس للحكم والدينونة.
تاسعا: الشركة في التسبيح مع السمائيين. يقول الذهبي الفم: كأن الإنسان قد أخذ إلى السماء عينها، يقف بجوار عرش المجد، يطير مع السيرافيم، ويترنم بالتسبحة المقدسة.
عاشرا: تحويل القلب إلى بيت لحم. يقول القديس أمبروسيوس: كل نفسي تتقبل الخبز النازل من السماء هي بيت الخبز، خبز المسيح، إذ تقتات ويتقوى قلبها بمؤنة الخبز السماوي الساكن فيها. لهذا يقول بولس: “نحن خبز واحد”. كل نفس أمينة هي بيت لحم، كما أنها تدعى أورشليم، إذ يحل بها سلام أورشليم العليا وهدوءها التي هي السماء. هذا هو الخبز الحقيقي الذي بعد أن يكسر إلى قطع يشبع كل البشرية.
حادي عشر: تحدي الفساد والموت. يقول القديس كيرلس الكبير: (أشبع طعام المن حاجة الجسد زمائا يسيرا جدا، أبعد ألم الجوع، لكنه صار بعدها بلا قوة، ولم يهب الذين أكلوه حياة أبدية. إذن لم يكن ذاك هو الطعام الحقيقي والخبز النازل من السماء. أما الجسد المقدس الذي للمسيح الذي يقوت إلى حياة الخلود والحياة الأبدية فهو بالحقيقة الطعام الحقيقي. لقد شربوا ماء من صخرة أيضا… وما المنفعة التي عادت على الذين شربوا لأنهم قد ماتوا (1 كو ۱۰: ۳-6). لم يكن ذاك الشراب. أيضا شرابا حقيقيا، بل الشراب الحق في الواقع هو دم المسيح الثمين، الذي يستأصل الفساد كله من جذوره، ويزيح الموت الذي سكن في جسم الإنسان.
يعلق القديس كيرلس الكبير على العشاء الأخير، قائلا: إبأية وسيلة يمكن للإنسان الذي على الأرض وقد إلتحف بالمائت أن يعود إلى عدم الفساد؟ أجيب أن هذا الجسد المائت يجب أن يشترك في قوة واهب الحياة النازلة من الله. أما قوة واهب الحياة التي لله الآب فهي الابن الوحيد الكلمة، الذي أرسله إلينا مخلصا وفاديا. كيف أرسله إلينا؟
يخبرنا يوحنا الإنجيلي بكل وضوح: “والكلمة صار جسدا وحت بيننا” (يو 1: 14)… عندما نأكل جسد المسيح المقدس، مخلصنا جميعا، ونشرب دمه الكريم تنال الحياة فينا، إذ نكون كما لو أننا واحد معه، نسكن فيه وهو يملك أيضا فينا… لا تشك فإن هذا حق مادام يقول بنفسه بوضوح: “هذا هو جسدي، هذا هو دمي” (مت ۲۶: ۲۹، ۲۸)، بل تقبل كلمة المخلص بإيمان، إذ هو الحق الذي لا يقدر أن يكذب.
كتب في إحدى رسائله إلى نسطور : لكي نعلن موت ابن الله الوحيد الجنس حسب الجسد الذي هو يسوع المسيح ونعترف بقيامته من الموت وصعوده إلى السماوات نقوم بالاحتفال بالذبيحة غير الدموية في كنائسنا. وبهذا نقترب من بركات روحانية مسيحية بل ونتطهر بالاشتراك في الجسد المقدس والدم الكريم اللذين للمسيح مخلص جميعنا. نحن نتناوله ليس مثل أي جسد (لأن الله يحرم مثل هذا) ولا مثل جسد إنسان مقدس يصاحب الكلمة (اللوغوس)… لكنه جسد حقيقي للكلمة نفسه وبالحقيقة هو يعطي حياة.
يقول القديس إكليمنضس السكندري: ليقول “كلوا هذا هو جسدي، هذا هو دمي” (مت ۲۹: ۲۹، ۲۸). مثل هذا الطعام لائق، قد هيأه الرب، مقدما جسده وباذ” دمه، فلا حاجة للأبناء بعد إلى شي لنموهم، يا له من سر مدهش! إننا نتمتع به لينزع الفساد الجسدي القديم، ولنأخذه عوض الطعام القديم. نتقبله هو ما أمكن؛ نخفيه في داخلنا؛ وإذ ندخر المخلص في نفوسنا تهذب عواطف جسدنا”.
ثاني عشر: نعيش لذاك الذي مات لأجلنا وقام. يقول القديس باسيليوس الكبير: تعلم إذن كيف يليق بك أن تتناول جسد المسيح، أي في ذكرى طاعته حتى الموت، حتى أن الذين يعيشون لا يعيشون بعد لأنفسهم، وإنما لذاك الذي مات لأجلهم وقام.
ثالث عشر: الإعلان عن نفسه. يقول القديس أغسطينوس: أمتي أعلن الرب عن نفسه؟ عند كسر الخبز (لو ۲۶: ۳۰-۳۱)… لذلك عندما نكسر الخبز نتعرف على الرب، فهو لم يعلن عن نفسه إلا هنا على المائدة… لنا نحن الذين لم نستطع أن نراه في الجسد، ولكنه أعطانا جسده لنأكله. فإذا كنت تؤمن بهذا فتعال مهما كنت. وإذا كنت تثق فاطمئن عند كسر الخبز. كما يقول الأب ثيوفلاكتيوس: اتفتح أعين الذين يتقبلون الخبز المقدس لكي يعرفوا المسيح، لأن جسد الرب يحمل فيه قوته العظيمة غير المنطوق بها.
رابع عشر: إدراك سر الفصح المسيحي. يقول الأب ميليتو أسقف ساردس: يتحقق سر الفصح في جسد الرب، فقد اقتيد كحمير، وذبح کشاۃ، مخلصا إيانا من عبودية العالم ومحررنا من عبودية إبليس كما من فرعون، خاتما نفوسنا بروحه وأعضائنا الجسدية بدمه.
خامس عشر: النمو الروحي المستمر. يقول القديس كيرلس الكبير: اكتساب الحياة الروحية من خلال الإفخارستيا يتطلب اشتراگا منتظما في السر. فالمؤمن يحتفظ بحياته الروحية، وينمو في الروح طالما استمر ارتباطه بالمسيح، ليس روحيا فقط، ولكن أيضا من خلال ممارسة عملية منتظمة للتناول من جسد المسيح ودمه، أما الاشتراك غير المنتظم في الإفخارستيا فقد يحرم المؤمن من الحياة الأبدية.
القمص تادرس يعقوب ملطي
أولا: الانفتاح على البشرية. إذ يتمتع المؤمن بهذه الوليمة يشتاق بدوره أن يدعو الشعوب إليها. يقول مار يعقوب السروجي: أخرجت (عروس الملك) إلى طرقات العالم لتجمع جميع الشعوب لتسعدهم… قامت في رؤوس الأسواق وزوايا الأرض لتدعو إليها المحافل والجموع إلى الوليمة.
كما يقول: من كان يقدر أن يذبح الابن قدام أبيه، لو لم يذبح هو نفسه بيديه قبل الأمه؟ ربنا هو الحبر الأعظم، والذبيحة الكاملة، ولهذا ذبح نفسه قدام أبيه… إنه ميت، وإذ هو ميت كان حيا ولا عقب، وهو الكاهن والمحرقة وبحثه يفوق المجادلين. عرفهم كيف يشربون كأس دمه، ويسقون منه الشعوب والعالم والبلدان… ختم بدمه العهد الجديد الذي صنعه ليكون لغفران الذنوب للعالم بأسره.
ثانيا: الاهتمام بالفقراء. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: كثيرون يقتربون مع الفقراء إلى هذه المائدة المقدسة، ولكن عندما نخرج نبدو كأننا لم ننظرهم، بل نكون سكري ونحتقر الفقراء، الأمور التي أتهم بها أهل كورنثوس.
ثالثا: السلوك بروح الوحدة والحب. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: لماذا يصير إليه الذين يشتركون فيه؟ جسد المسيح، وليس أجسادا كثيرة، بل جسد واحد (أف 5: ۳۰). فكما أن الخبز يتكون من قمح كثير ويصير واحدا، فلا يعود يظهر القمح وإن كان بالحق موجودا، لكن لا يظهر الاختلاف بسبب الاتحاد معا، هكذا نحن نرتبط مؤا الواحد مع الآخر ومع المسيح… لذلك يقول: “لأننا جميعا نشترك في الخبز الواحد” (1 كو ۱۷ :۱۰) فلماذا لا تظهر ذات الحب ونصير بهذا واحدا؟
يقول القديس أغسطينوس: بالخبز تتعلمون كيف يجب أن تعتوا بالوحدة. هل هذا الخبز مصنوع من القمح؟ أليس كذلك؟ بالأحرى من قمح كثير؟ على أي الأحوال، قبل أن يصير خبرا كان هذا القمح مبعثرا. لقد انضم إلى بعضه البعض في الماء بعد أن طحن. فإنه ما لم يطحن القمح ويعجن بالماء لن يصل إلى ذاك الشكل الذي يدعى خبرا. هكذا أنتم أيضا كنتم قبلا تطحنون كما بمذلة أصوامكم وسر جحد الشيطان. عندئذ جئتم إلى معمودية الماء. لقد عجنتم حتى تبلغون شكل الخبز. ولكن بدون النار لن يوجد خبز.
رابعا: عدم الاشتراك في موائد الأشرار. يقول الذهبي الفم: لا تجري نحو الأمور المضادة. فإنك إن كنت ابن الملك ولك حق الاشتراك في مائدة أبيك… فهل تتركها وتختار مائدة المدانين؟… بكل غيرة يسحبك ليس لكيلا تؤذيك مائدتهم، وإنما لأن في هذا يعيب مائدتك الملوكية المكرمة.
خامسا: السلوك بروح القوة. يقول الذهبي الفم: إليتنا نعود من تلك المائدة كأسود تتنفس نارا ترعب الشيطان، مفكرين في رأسنا وفي حبه الذي أظهره لنا… (يقول الرب أردت أن أصير أخاكم، ومن أجلكم شاركتكم في اللحم والدم، وأعود فأعطيكم الجسد والدم لكي بذلك أصير قريبكم. هذا الدم يجعل صورة ملكنا متجددة فينا، تبعث جمالا لا ينطق به، ولا تدع سمو نفوسنا أن ينزع منا، بل ترويه دائما وتنعشه… هذا الدم السري إن تناولناه بحق يطرد الشياطين، ويجعلهم بعيدين عنا، بينما يدعو الملائكة ورب الملائكة إلينا. فحالما يرون دم الرب تهرب الشياطين وتركض الملائكة معا… شفك هذا الدم وجعل السماء سهلة المنال.
يقول الشهيد كبريانوس: الإفخارستيا هي حصن لمن يتناولها. إننا في احتياج إليها لكي نتسلح بحماية فيض الرب، الأمر الذي نرغب فيه ليجعلنا في أمان من الخصم.
ويقول القديس أفرام السرياني: لم يستطع الملاك أن يلمس الجمرة النارية بأصابعه، إنما أحضرها قريبا من فم إشعياء. لم يمسكها الملاك، ولم يلتهمها إشعياء، أما ربنا فسمح لنا أن نفعل هذا وذاك.
سادسا: صدور أنهار مياه حية. يقول الذهبي الفم: (بالحق مهوبة هي أسرار الكنيسة، مهوب بالحق هو المذبح. يصعد ينبوع من الفردوس… من هذه المائدة يصدر ينبوع يبعث أنهارا روحية.
سابعا: احتضان مخلصنا. يقول الذهبي الفم: الكي يتناولوه أيضا، ويحتضنوه في كمال قلوبهم.
ثامنا: بلوغ ملكوت السماء. يقول الذهبي الفم: أيكون للذين يشتركون في جسد الرب ودمه) رزانة النفس، وغفران الخطايا، وشركة الروح، وبلوغ ملكوت السماء، والدالة لديه، وليس للحكم والدينونة.
تاسعا: الشركة في التسبيح مع السمائيين. يقول الذهبي الفم: كأن الإنسان قد أخذ إلى السماء عينها، يقف بجوار عرش المجد، يطير مع السيرافيم، ويترنم بالتسبحة المقدسة.
عاشرا: تحويل القلب إلى بيت لحم. يقول القديس أمبروسيوس: كل نفسي تتقبل الخبز النازل من السماء هي بيت الخبز، خبز المسيح، إذ تقتات ويتقوى قلبها بمؤنة الخبز السماوي الساكن فيها. لهذا يقول بولس: “نحن خبز واحد”. كل نفس أمينة هي بيت لحم، كما أنها تدعى أورشليم، إذ يحل بها سلام أورشليم العليا وهدوءها التي هي السماء. هذا هو الخبز الحقيقي الذي بعد أن يكسر إلى قطع يشبع كل البشرية.
حادي عشر: تحدي الفساد والموت. يقول القديس كيرلس الكبير: (أشبع طعام المن حاجة الجسد زمائا يسيرا جدا، أبعد ألم الجوع، لكنه صار بعدها بلا قوة، ولم يهب الذين أكلوه حياة أبدية. إذن لم يكن ذاك هو الطعام الحقيقي والخبز النازل من السماء. أما الجسد المقدس الذي للمسيح الذي يقوت إلى حياة الخلود والحياة الأبدية فهو بالحقيقة الطعام الحقيقي. لقد شربوا ماء من صخرة أيضا… وما المنفعة التي عادت على الذين شربوا لأنهم قد ماتوا (1 كو ۱۰: ۳-6). لم يكن ذاك الشراب. أيضا شرابا حقيقيا، بل الشراب الحق في الواقع هو دم المسيح الثمين، الذي يستأصل الفساد كله من جذوره، ويزيح الموت الذي سكن في جسم الإنسان.
يعلق القديس كيرلس الكبير على العشاء الأخير، قائلا: إبأية وسيلة يمكن للإنسان الذي على الأرض وقد إلتحف بالمائت أن يعود إلى عدم الفساد؟ أجيب أن هذا الجسد المائت يجب أن يشترك في قوة واهب الحياة النازلة من الله. أما قوة واهب الحياة التي لله الآب فهي الابن الوحيد الكلمة، الذي أرسله إلينا مخلصا وفاديا. كيف أرسله إلينا؟
يخبرنا يوحنا الإنجيلي بكل وضوح: “والكلمة صار جسدا وحت بيننا” (يو 1: 14)… عندما نأكل جسد المسيح المقدس، مخلصنا جميعا، ونشرب دمه الكريم تنال الحياة فينا، إذ نكون كما لو أننا واحد معه، نسكن فيه وهو يملك أيضا فينا… لا تشك فإن هذا حق مادام يقول بنفسه بوضوح: “هذا هو جسدي، هذا هو دمي” (مت ۲۶: ۲۹، ۲۸)، بل تقبل كلمة المخلص بإيمان، إذ هو الحق الذي لا يقدر أن يكذب.
كتب في إحدى رسائله إلى نسطور : لكي نعلن موت ابن الله الوحيد الجنس حسب الجسد الذي هو يسوع المسيح ونعترف بقيامته من الموت وصعوده إلى السماوات نقوم بالاحتفال بالذبيحة غير الدموية في كنائسنا. وبهذا نقترب من بركات روحانية مسيحية بل ونتطهر بالاشتراك في الجسد المقدس والدم الكريم اللذين للمسيح مخلص جميعنا. نحن نتناوله ليس مثل أي جسد (لأن الله يحرم مثل هذا) ولا مثل جسد إنسان مقدس يصاحب الكلمة (اللوغوس)… لكنه جسد حقيقي للكلمة نفسه وبالحقيقة هو يعطي حياة.
يقول القديس إكليمنضس السكندري: ليقول “كلوا هذا هو جسدي، هذا هو دمي” (مت ۲۹: ۲۹، ۲۸). مثل هذا الطعام لائق، قد هيأه الرب، مقدما جسده وباذ” دمه، فلا حاجة للأبناء بعد إلى شي لنموهم، يا له من سر مدهش! إننا نتمتع به لينزع الفساد الجسدي القديم، ولنأخذه عوض الطعام القديم. نتقبله هو ما أمكن؛ نخفيه في داخلنا؛ وإذ ندخر المخلص في نفوسنا تهذب عواطف جسدنا”.
ثاني عشر: نعيش لذاك الذي مات لأجلنا وقام. يقول القديس باسيليوس الكبير: تعلم إذن كيف يليق بك أن تتناول جسد المسيح، أي في ذكرى طاعته حتى الموت، حتى أن الذين يعيشون لا يعيشون بعد لأنفسهم، وإنما لذاك الذي مات لأجلهم وقام.
ثالث عشر: الإعلان عن نفسه. يقول القديس أغسطينوس: أمتي أعلن الرب عن نفسه؟ عند كسر الخبز (لو ۲۶: ۳۰-۳۱)… لذلك عندما نكسر الخبز نتعرف على الرب، فهو لم يعلن عن نفسه إلا هنا على المائدة… لنا نحن الذين لم نستطع أن نراه في الجسد، ولكنه أعطانا جسده لنأكله. فإذا كنت تؤمن بهذا فتعال مهما كنت. وإذا كنت تثق فاطمئن عند كسر الخبز. كما يقول الأب ثيوفلاكتيوس: اتفتح أعين الذين يتقبلون الخبز المقدس لكي يعرفوا المسيح، لأن جسد الرب يحمل فيه قوته العظيمة غير المنطوق بها.
رابع عشر: إدراك سر الفصح المسيحي. يقول الأب ميليتو أسقف ساردس: يتحقق سر الفصح في جسد الرب، فقد اقتيد كحمير، وذبح کشاۃ، مخلصا إيانا من عبودية العالم ومحررنا من عبودية إبليس كما من فرعون، خاتما نفوسنا بروحه وأعضائنا الجسدية بدمه.
خامس عشر: النمو الروحي المستمر. يقول القديس كيرلس الكبير: اكتساب الحياة الروحية من خلال الإفخارستيا يتطلب اشتراگا منتظما في السر. فالمؤمن يحتفظ بحياته الروحية، وينمو في الروح طالما استمر ارتباطه بالمسيح، ليس روحيا فقط، ولكن أيضا من خلال ممارسة عملية منتظمة للتناول من جسد المسيح ودمه، أما الاشتراك غير المنتظم في الإفخارستيا فقد يحرم المؤمن من الحياة الأبدية.