اسأل القديس أنبا أنطونيوس أبناءه الرهبان عن أهم الفضائل، وقدم كل راهب الفضيلة التي يعشقها، مركزا على فضيلة التمييز أو الإفراز أو الاستنارة، فيمكن للإنسان أن يمارس عبادات كثيرة، وبدون التمييز ينحرف عن طريق الحق والقداسة.
يقول القديس إكليمنضس السكندري: لإن خطايانا تغفر بدواء عظيم، بمعمودية الكلمة. إننا بالمعمودية نتطهر من جميع خطايانا، ونصير في الحال مبرئين من الشر. وهي بعينها نعمة الإنارة حتى أننا لا نبقى بعد اهتدائنا (تغيير طريقنا) كما كنا قبل أن نغتسل، نظرا إلى أن المعرفة تبزغ مع الاستنارة، وتضئ حول العقل، ونحن الذين كنا بلا معرفة أصبحنا على التو متعلمين. هذه المعرفة التي قد أنعم علينا بها.. لأن التعليم البديهي يقود إلى الإيمان، والإيمان يلقن لنا بالروح القدس في المعمودية.
يقول القديس أنبا أنطونيوس : أحزن البعض أجسادهم بالنسك، وبسبب عدم التمييز هم بعيدون عن الله.
كما أن الربابنة (مديري الدفة) وسائقي المركبات يكتسبون خبرة في عملهم بالتمييز الحكمة في التصرف) والجهاد المتواصل، هكذا أيضا يليق بطالبي الحياة الفاضلة حقا أن يستخدموا التمييز بيقظة، ويحرصوا أن يعيشوا كما يليق وكما هو مقبول لدى الله. لأن الإنسان الذي يرغب في هذه الحياة الفاضلة ويؤمن إنه يستطيع تحقيق رغبته، ينال بالإيمان عدم الفساد (الحياة النقية).
أحقا جاهد كثيرون في الفضيلة جهادا عظيما، لكن بغبائهم عدم التمييز أهلكوا أنفسهم، وليس من العجيب أن يحدث هذا معكم… إذ وأنتم متكاسلون في العمل تحسبون أنكم قد نلتم الفضائل.
لقد سقطتم في هذا المرض الشيطاني الذي يفوق إدراككم)، إذ وأنتم في الظلمة حسبتم أنكم اقتربتم إلى الله وفي النور.
أصلوا لكي يهبكم الله نعمة الإدراك السليم في كل الأمور، فتقدروا أن تميزوا بين الخير والشر تميزا حسنا. لقد كتب الرسول بولس “وأما الطعام القوي فللبالغين” (عب 14 : 5 ). هؤلاء الذين بواسطة العمل المتواصل والجهاد” درب حواسهم وميولهم على التمييز بين الخير والشر، وقد أحصوا كأبناء الملكوت وصاروا من عداد أبناء الله، هؤلاء يعطيهم الله الحكمة والتمييز الحسن في كل أعمالهم، فلا يقدر إنسان أو شيطان أن يخدعهم.
فالعدو يحارب المؤمنين تحت صورة الخير، وينجح في خداع كثيرين، هؤلاء الذين ليس لهم حكمة ولا تمييز حسن. لهذا علم الرسول بولس عن غنى الفهم الذي لا حد لعظمته، المخصص للمؤمنين، إذ كتب إلى أهل أفسس يقول: “كي يعطيكم إله ربنا يسوع المسيح أبو المجد روح الحكمة والإعلان في معرفته مستنيرة عيون أذهانكم لتعلموا ما هو رجاء دعوته وما هو غنى مجد میراثه مع القديسين” (أف ۱۷ : ۱ ، ۱۸). كاتبا هذا بدافع حبه العظيم المتزايد نحوهم، ولعلمه أنهم إن اقتنوا الفهم لا يعود يكون بالنسبة لهم شيء فيه صعوبة، ولا يمسهم خوف، بل يعتريهم فرح الرب نهارا وليلا، وتصير الأعمال بالنسبة لهم عذبة في كل حين.
حقا إن كثيرين من الرهبان والعذارى في المجمع لم يقتنوا الفهم بهذه الدرجة، وأما أنتم فإن أردتم أن تحصلوا عليه بهذا المقدار الذي فيه كمال، فاهربوا من أولئك الذين يحملون اسم “رهبان وبتوليين” دون أن يكون لهم الإدراك الحقيقي والتمييز الحسن. لأنكم إن اختلطتم بهم، لن يدعوكم تتقدمون، بل وربما يطفئون حرارة غيرتكم، إذ لا حرارة لهم، بل برودة، وهم يسيرون وراء أهوائهم. فإن أتوا إليكم وتحدثوا معكم في أمور أرضية حسب أهوائهم الخاصة، لا تستكينوا لهذا، إذ كتب الرسول بولس: “لا تطفئوا الروح، لا تحتقروا النبوات” (1 تس 5: ۱۹-۲۰)، عالمين أنه لا شيء يطفئ الروح أكثر من الكلام الباطل. (رسالة 16)
اعرفوا مشورات الشرير، فإن جاءكم في زي من يعلم بالحق لكي يخدعكم ويقودكم بمكر، أو جاءكم كملاك نور، فلا تصير قوه ولا تطيعوه، لأنه يفتن المؤمنين بمظاهر مغرية لها صورة الحق.
ولا يعرف غير الكاملين حيل الشيطان وما يبثه فيهم دائما. أما الكاملون فيعرفونها، إذ يقول الرسول: “وأما الطعام القوى فللبالغين الذين بسبب التمرن قد صارت لهم الحواس مدربة على التمييز بين الخير والشر (عب 5: 14). أمثال هؤلاء يعجز عن أن يخدعهم. إنما يفتن… أولئك الذين لا يسهرون على أنفسهم، فيصطادهم بطعم يبدو لهم حلوا. وذلك كصياد السمك الذي يخفي صنارته في طعم حتى يصطاد السمك. وكما يقول سليمان الحكيم: “توجد طريق تظهر للإنسان مستقيمة وعاقبتها طرق الموت” (أم ۲۰: ۱۹ ). هذا يحدث معهم بسبب اتكالهم على ذواتهم، إذ يتبعون دوما ميول قلوبهم، ويحققون أهواءهم الخاصة، ولا ينصتون إلى آبائهم ولا يطلبون مشوراتهم. هكذا يظهر لهم الشيطان رؤى وتصورات خادعة، نافا قلوبهم بالكبرياء… وأحيانا يرسل لهم أحلاما في الليل تتحقق في النهار، حتى يسقطوا في حيرة عظيمة، بل وعلاوة على هذا يظهر لهم في الليل نورا يضيء المكان الذين هم فيه، ويصنع لهم أمورا أخرى كثيرة خاطئة وعلامات… كل هذا لكي تطيب له قلوبهم فيقبلونه كملاك. وبقدر ما يقبلونه، يقذف بهم من علوهم إلى أسفل، بواسطة روح الكبرياء الذي تسلط عليهم. ويجعلهم يحسبون أنفسهم عظماء وأجلاء روحيا أكثر من غيرهم، وأنهم ليسوا بمحتاجين إلى آبائهم أو الإنصات إليهم. هكذا يتم فيهم قول الكتاب المقدس إنهم عناقيد عنب حقيقية زاهرة لكنها مرة وغير ناضجة. فقد صارت تعالیم آبائهم بالنسبة لهم صعبة، إذ يحسبون أنهم عارفون بكل شي. (رسالة ۱۸)
يقول القديس مرقس الناسك: (علم التلاميذ الجموع هذا التمييز الذي للصلاة… قائلين: “لا يرضى أن نترك نحن كلمة الله ونخدم موائد، فانتخبوا أيها الأخوة سبعة رجال منكم مشهودا لهم ومملوئين من الروح القدس وحكمة، فنقيمهم على هذه الحاجة. وأما نحن فنواظب على الصلاة وخدمة الكلمة. فحسن هذا القول أمام كل الجمهور” (أع 6: ۲-5). ماذا نتعلم من هذا؟ أن الذين لا يقدرون أن يبقوا في الصلاة طول حياتهم من الأفضل أن يخدموا (دون أن يمتنعوا عن الصلاة)، لئلا يخسروا الأولى والثانية، وأن الذين لهم الإمكانية للتفرغ للصلاة… فإنه خير لهم ألا يتركوا ما هو أفضل.
يقول الأب أوغريس الراهب: تقترن الحكمة بالسكينة (النياح)، ويقترن التمييز الحسن بالعمل. لا نقدر أن نقتني الحكمة بدون جهاد، ولا نستطيع أن ننتصر في الجهاد بغير التمييز الحسن. من عمل التمييز الصالح” أن يصد الغضب الذي تثيره الشياطين، وأن يشدد قوى النفس حتى تعمل هذه القوى قدر المستطاع حسب طبيعتها، وهكذا يمهد التمييز الصالح طريق الحكمة.
القمص تادرس يعقوب ملطي
اسأل القديس أنبا أنطونيوس أبناءه الرهبان عن أهم الفضائل، وقدم كل راهب الفضيلة التي يعشقها، مركزا على فضيلة التمييز أو الإفراز أو الاستنارة، فيمكن للإنسان أن يمارس عبادات كثيرة، وبدون التمييز ينحرف عن طريق الحق والقداسة.
يقول القديس إكليمنضس السكندري: لإن خطايانا تغفر بدواء عظيم، بمعمودية الكلمة. إننا بالمعمودية نتطهر من جميع خطايانا، ونصير في الحال مبرئين من الشر. وهي بعينها نعمة الإنارة حتى أننا لا نبقى بعد اهتدائنا (تغيير طريقنا) كما كنا قبل أن نغتسل، نظرا إلى أن المعرفة تبزغ مع الاستنارة، وتضئ حول العقل، ونحن الذين كنا بلا معرفة أصبحنا على التو متعلمين. هذه المعرفة التي قد أنعم علينا بها.. لأن التعليم البديهي يقود إلى الإيمان، والإيمان يلقن لنا بالروح القدس في المعمودية.
يقول القديس أنبا أنطونيوس : أحزن البعض أجسادهم بالنسك، وبسبب عدم التمييز هم بعيدون عن الله.
كما أن الربابنة (مديري الدفة) وسائقي المركبات يكتسبون خبرة في عملهم بالتمييز الحكمة في التصرف) والجهاد المتواصل، هكذا أيضا يليق بطالبي الحياة الفاضلة حقا أن يستخدموا التمييز بيقظة، ويحرصوا أن يعيشوا كما يليق وكما هو مقبول لدى الله. لأن الإنسان الذي يرغب في هذه الحياة الفاضلة ويؤمن إنه يستطيع تحقيق رغبته، ينال بالإيمان عدم الفساد (الحياة النقية).
أحقا جاهد كثيرون في الفضيلة جهادا عظيما، لكن بغبائهم عدم التمييز أهلكوا أنفسهم، وليس من العجيب أن يحدث هذا معكم… إذ وأنتم متكاسلون في العمل تحسبون أنكم قد نلتم الفضائل.
لقد سقطتم في هذا المرض الشيطاني الذي يفوق إدراككم)، إذ وأنتم في الظلمة حسبتم أنكم اقتربتم إلى الله وفي النور.
أصلوا لكي يهبكم الله نعمة الإدراك السليم في كل الأمور، فتقدروا أن تميزوا بين الخير والشر تميزا حسنا. لقد كتب الرسول بولس “وأما الطعام القوي فللبالغين” (عب 14 : 5 ). هؤلاء الذين بواسطة العمل المتواصل والجهاد” درب حواسهم وميولهم على التمييز بين الخير والشر، وقد أحصوا كأبناء الملكوت وصاروا من عداد أبناء الله، هؤلاء يعطيهم الله الحكمة والتمييز الحسن في كل أعمالهم، فلا يقدر إنسان أو شيطان أن يخدعهم.
فالعدو يحارب المؤمنين تحت صورة الخير، وينجح في خداع كثيرين، هؤلاء الذين ليس لهم حكمة ولا تمييز حسن. لهذا علم الرسول بولس عن غنى الفهم الذي لا حد لعظمته، المخصص للمؤمنين، إذ كتب إلى أهل أفسس يقول: “كي يعطيكم إله ربنا يسوع المسيح أبو المجد روح الحكمة والإعلان في معرفته مستنيرة عيون أذهانكم لتعلموا ما هو رجاء دعوته وما هو غنى مجد میراثه مع القديسين” (أف ۱۷ : ۱ ، ۱۸). كاتبا هذا بدافع حبه العظيم المتزايد نحوهم، ولعلمه أنهم إن اقتنوا الفهم لا يعود يكون بالنسبة لهم شيء فيه صعوبة، ولا يمسهم خوف، بل يعتريهم فرح الرب نهارا وليلا، وتصير الأعمال بالنسبة لهم عذبة في كل حين.
حقا إن كثيرين من الرهبان والعذارى في المجمع لم يقتنوا الفهم بهذه الدرجة، وأما أنتم فإن أردتم أن تحصلوا عليه بهذا المقدار الذي فيه كمال، فاهربوا من أولئك الذين يحملون اسم “رهبان وبتوليين” دون أن يكون لهم الإدراك الحقيقي والتمييز الحسن. لأنكم إن اختلطتم بهم، لن يدعوكم تتقدمون، بل وربما يطفئون حرارة غيرتكم، إذ لا حرارة لهم، بل برودة، وهم يسيرون وراء أهوائهم. فإن أتوا إليكم وتحدثوا معكم في أمور أرضية حسب أهوائهم الخاصة، لا تستكينوا لهذا، إذ كتب الرسول بولس: “لا تطفئوا الروح، لا تحتقروا النبوات” (1 تس 5: ۱۹-۲۰)، عالمين أنه لا شيء يطفئ الروح أكثر من الكلام الباطل. (رسالة 16)
اعرفوا مشورات الشرير، فإن جاءكم في زي من يعلم بالحق لكي يخدعكم ويقودكم بمكر، أو جاءكم كملاك نور، فلا تصير قوه ولا تطيعوه، لأنه يفتن المؤمنين بمظاهر مغرية لها صورة الحق.
ولا يعرف غير الكاملين حيل الشيطان وما يبثه فيهم دائما. أما الكاملون فيعرفونها، إذ يقول الرسول: “وأما الطعام القوى فللبالغين الذين بسبب التمرن قد صارت لهم الحواس مدربة على التمييز بين الخير والشر (عب 5: 14). أمثال هؤلاء يعجز عن أن يخدعهم. إنما يفتن… أولئك الذين لا يسهرون على أنفسهم، فيصطادهم بطعم يبدو لهم حلوا. وذلك كصياد السمك الذي يخفي صنارته في طعم حتى يصطاد السمك. وكما يقول سليمان الحكيم: “توجد طريق تظهر للإنسان مستقيمة وعاقبتها طرق الموت” (أم ۲۰: ۱۹ ). هذا يحدث معهم بسبب اتكالهم على ذواتهم، إذ يتبعون دوما ميول قلوبهم، ويحققون أهواءهم الخاصة، ولا ينصتون إلى آبائهم ولا يطلبون مشوراتهم. هكذا يظهر لهم الشيطان رؤى وتصورات خادعة، نافا قلوبهم بالكبرياء… وأحيانا يرسل لهم أحلاما في الليل تتحقق في النهار، حتى يسقطوا في حيرة عظيمة، بل وعلاوة على هذا يظهر لهم في الليل نورا يضيء المكان الذين هم فيه، ويصنع لهم أمورا أخرى كثيرة خاطئة وعلامات… كل هذا لكي تطيب له قلوبهم فيقبلونه كملاك. وبقدر ما يقبلونه، يقذف بهم من علوهم إلى أسفل، بواسطة روح الكبرياء الذي تسلط عليهم. ويجعلهم يحسبون أنفسهم عظماء وأجلاء روحيا أكثر من غيرهم، وأنهم ليسوا بمحتاجين إلى آبائهم أو الإنصات إليهم. هكذا يتم فيهم قول الكتاب المقدس إنهم عناقيد عنب حقيقية زاهرة لكنها مرة وغير ناضجة. فقد صارت تعالیم آبائهم بالنسبة لهم صعبة، إذ يحسبون أنهم عارفون بكل شي. (رسالة ۱۸)
يقول القديس مرقس الناسك: (علم التلاميذ الجموع هذا التمييز الذي للصلاة… قائلين: “لا يرضى أن نترك نحن كلمة الله ونخدم موائد، فانتخبوا أيها الأخوة سبعة رجال منكم مشهودا لهم ومملوئين من الروح القدس وحكمة، فنقيمهم على هذه الحاجة. وأما نحن فنواظب على الصلاة وخدمة الكلمة. فحسن هذا القول أمام كل الجمهور” (أع 6: ۲-5). ماذا نتعلم من هذا؟ أن الذين لا يقدرون أن يبقوا في الصلاة طول حياتهم من الأفضل أن يخدموا (دون أن يمتنعوا عن الصلاة)، لئلا يخسروا الأولى والثانية، وأن الذين لهم الإمكانية للتفرغ للصلاة… فإنه خير لهم ألا يتركوا ما هو أفضل.
يقول الأب أوغريس الراهب: تقترن الحكمة بالسكينة (النياح)، ويقترن التمييز الحسن بالعمل. لا نقدر أن نقتني الحكمة بدون جهاد، ولا نستطيع أن ننتصر في الجهاد بغير التمييز الحسن. من عمل التمييز الصالح” أن يصد الغضب الذي تثيره الشياطين، وأن يشدد قوى النفس حتى تعمل هذه القوى قدر المستطاع حسب طبيعتها، وهكذا يمهد التمييز الصالح طريق الحكمة.