أولا: ركز أنظارك الداخلية على الله أبيك السماوي. يقول القديس باسيليوس الكبير: لحين تبدأ الصلاة فلتنس كل خليقة منظورة وغير منظورة، وابدأ الصلاة بمدح الله خالق الكل، لذلك قيل: “فقال الهم متى صليتم، فقولوا أبانا (لو ۱۱: ۲) “.
ويقول القيس أمبروسيوس: لا يتسلق الجبال كل مصل، إذ توجد صلاة حسب خطية (مز 104: 8). من تعلم الصلاة يسمو فوق الفتى الأرضي إلى السماوي، ويظل متسلقا حتى يبلغ قمة الخلوة العليا، أما الذي يهتم ب ي العالم فلا يتسلق الجبال إنما يشتهي ما لقريبه (من السفليات). من يتطلع إلى رفقة الله يطلب الله فيصعد، هكذا النفوس القوية تتسلق الجبال. لم ينصح النبي أي شخص أن يتسلق الجبال إنما يقول: “على جبل عال اصعدي يا مبشرة صهيون، ارفعي صوتك بقوة يا مبشرة أورشليم” (إش 40: ۹). تسلق الجبال لا يكون بالأقدام إنما بسمو الأعمال، فإنك إذ تتبع المسيح تصير أنت نفسك أحد الجبال التي تحيط بك (مز ۱۲۰: ۲). يقول القديس أوغريس: عندما لا يتصور الذهن شيئا من الأرضيات أثناء الصلاة، فهذا يعني أنه قد صار قويا.
ثانيا: نظم احتياجات جسمك بما يتوافق مع ساعات الصلاة. بمعنى آخر لتكن للصلاة الأولوية عن احتياجات الجسد. يقول القيس باسيليوس الكبير: عندما تجلس لتتناول الطعام لتقوت جسمك، لا تترك المائدة قبل أن تشبع احتياجاتك إلا نادرا، لسبب طاري مستعجل، ولا تكن مستعدا لفعل هذا. كم بالأكثر يلزمك أن تبقى تتمتع بالقوت الروحي وتقوي نفسك بالصلاة، لأن النفس أسمى من الجسم، والسماء أعلى من الأرض، والسماوات فوق الأرضيات. النفس هي أيقونة السماء، لأن الرب يسكن فيها، وأما الجسم فهو صورة الأرض، التي يعيش عليها الناس القابلين للموت والحيوانات غير العاقلة. نظم احتياجات جسمك بما يتوافق مع ساعات الصلاة، ولتكن مستعدا أن توقف المجادلات التي تسحبك بعيدا عن حفظ قانونك. فإن هذا هو الطريق الذي به تجعلنا الشياطين نتغيب في وقت الصلاة بحجة أنه يوجد سبب لائق لغيابنا، وبهذا تسحبنا بما يبدو معقولا بعيدا عن الصلاة المنقذة. لا تقوم أعذارا، قائلا: “آه، رأسي! آه، معدتي !”، مدعيا بوجود أسباب غير منظورة لألم لا وجود له… من أجل نوال راحة. بالحري ثابر على الصلاة السرية فإن الله يراها في الخفاء، ويجازيك عنها علانية (مت 6: 18).
ثالثا: لتنطق في الكنيسة بما يمجد الله ولا تكون ثرثارا مع إخوتك. يقول القديس باسيليوس الكبير: ‘السماوات تحدث بمجد الرب” (مز 19: 1). يقتصر عمل الملكة (النفس البشرية) على تمجيد الله، ويقتصر عمل الجنود السمائيون أن يعطوا مجدا للخالق. كل الخليقة الناطقة أو غير الناطقة، الأرضية أو السماوية، مبيد خالقها.
أولئك الذين يتركون منازلهم للاجتماع في الهيكل (بحياة غير مقدسة) يستحقون الشفقة، لأنهم لا يستمعون لكلام حق، ولا يقيمون نفوسهم على ضوئها. لقد سبتهم الخطية دون أن يتأثروا، لا يتألمون بسبب خطاياهم التي يتذكرونها، ولا يخشون الدينونة، لكنهم يتصافحون مع بعضهم، ويجعلون من بيت الصلاة مكانا للثرثرة، محتقرين قول المزمور في هيكله الكل قائل مجد” (مز ۲۹: ۹).
أما أنت، فلم تكتف بعدم إعطاء المجد لله في هيكله، بل زدت على ذلك مضايقة الآخرين. تريد أن تجذب اهتمام الآخرين نحوك، وبالضوضاء الذي يصدر عنك تمنعهم من الاستماع لتعليم الروح.
انتبه إذن لئلا تكون نهايتك مثل نهاية الذين يكفون على اسم الله!… ما هي الطريقة التي بها تمجد الله؟… ليت لسانك يترتم، وليت فكرك يفحص الكلمات التي تقولها حتى تترنم بالروح والذهن (1 کو 14: 14). فالله لا ينقصه المجد، لكنه يريدك أنت! يريدك أن تكون أهلا أن مده! فالذي يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضا (غل 6: 7). ليتك تزرع لمجد الله فتحصد الأكاليل والكرامة والتسبيح في ملكوت السماوات.
في هيكله الكل قائل مجد” (مز ۲۹: ۹). لم تأت هذه الكلمات من فراغ، لأن في هيكل الرب يوجد الذين يثرثرون بلا توقف. وجودهم في الهيكل باطل. ليس باطلا فقط بل وسبب في دينونتهم.
رابعا: كن جادا في الصلاة بإيمان واهرب من تشتيت الفكر. يقول القيس باسيليوس: يليق بنا أن نسأل العون الإلهي لا بكسل ولا بفكر مشتت هنا وهناك، فإن إنسانا كهذا ليس فقط لا ينال ما يسأله، بل بالحري يغضب الله، لو أن إنسانا يقف أمام رئيس تكون عيناه ثابتتين في الداخل والخارج حتى لا يتعرض للعقوبة، فكم بالحري يليق بنا أن نقف أمام الله بحرص ورعدة؟ لكنك إن كنت تثار بخطية ما، فلا تقدر أن تصلي بثبات بكل قوتك. راجع نفسك حتى متى وقفت أمام الله تركز فكرك فيه، والله يغفر لك، لأنك ليس عن إهمال بل عن ضعف لم تستطع أن تظهر أمامه كما ينبغي.
إن ألزمت نفسك بهذا فإنك لا تتركه حتى تنال. فإن لم تنل ما تسأله يكون ذلك لأن سؤالك غير لائق أو بغير إيمان، أو لأنك قمته باستهانة، أو تسأل أمورا ليست بصالحك، أو لأنك تركت الصلاة. كثيرا ما يسأل البعض لماذا نصلي؟ هل يجهل الله ما نحتاج إليه؟ أنه بلا شك يعرف ويعطينا بفيض كل الزمنيات حتى قبل أن نسألها، لكن يجب علينا أولا أن نطلب الصالحات وملكوت السماوات، عندئذ ننال ما نرغب لنسأل بإيمان وصبر، نسأل ما هو صالح لنا، ولا نعوق الصلاة بعصيان ضميرنا.
يقول القديس كيرلس الكبير: امن واجبنا أن تصلي بلا انقطاع ككلمات الطوباوي بولس (۱ تس 5: ۷)، وكما هو معروف لنا حسنا ومؤكد لنا أن ذاك الذي نقدم له سؤالاتنا قادر أن يحقق لنا كل شيء. لقد قيل: “ليطلب بإيمان غير مرتاب البتة، لأن المرتاب يشبه موجا من البحر تخبطه الريح وتدفعه، فلا يظن ذلك الإنسان أنه ينال شيئا من عند الرب” (یع ۱: 6-7). فمن هو مرتاب يرتكب بالحق سخرية، فإن كنت لا تؤمن أنه يقترب إليك ويبهجك ويتمم طلبتك لا تقترب إليه بالكلية، لئلا توجد متهما القدير بكونك في غباوة مرتابا. إذن لنتجنب هذا المرض الدنيء (الارتياب).
الله ينصت للذين يقدمون له صلواتهم لا بتراخ أو إهمال بل بجدية واستمرارية، هذا ما يؤكد لنا المثل الماثل بينا. فإن كان مجيء الأرملة المظلومة قد غلب القاضي الظالم الذي لا يخاف الله ولا يهاب إنسانا، حتى وهبها طلبتها بغير إرادته (لو ۱۸: ۱-۸)، أفليس ذاك الذي يحب الرحمة ويكره الظلم، الذي يمد يده على الدوام لمحبيه، يقبل الذين يقتربون إليه ليل نهار، وينتقم لهم بكونهم مختاريه؟
خامسا: سلم الأمر في يد الله. يرى القديس أغسطينوس أن سر استجابة الله لصلوات داود وإعطاء أذنيه لكلام فمه هو تسليم الأمر بين يدي الله، تاركًا القرار بين يديه، إذ يقول: (أنت مريض، فلا تملي على الطبيب الأدوية التي يختارها لك. إن كان معلم الأمم، بولس الرسول، يقول: “لأننا لسنا نعلم ما نصلي لأجله كما ينبغي” (رو ۲۹ : ۸ )، فكم بالأكثر يكون حالنا نحن؟! كما يقول: ليت المريض لا ينسحب من بين يدي الطبيب، ليته لا يقم مشورة للطبيب. ليكن الأمر هكذا في كل الأمور الزمنية.
سادسا: لنطلب بالإيمان لا بالجدال. يقول القديس أغسطينوس: الأثر الكامل للإيمان هو هذا: يجعلنا نسأل فنأخذ، نطلب فنجد، نقرع فيفتح لنا. بينما الإنسان الذي يجادل، يغلق باب رحمة الله أمام نفسه.
سابعا: لنطلب أن نقتني الله نفسه لا الزمنيات. الصلاة، في ذهن القديس أغسطينوس، هي لغة شوق النفس نحو الله، هي ترجمة لاشتياق القلب. إنه يقول: الصلاة هي بلوغ العقل المملوء حبا إلى الله، إنها تشغل الذهن والقلب، الفكر والرغبة، المعرفة والحب. الحياة الكاملة للمسيحي الصالح هي رغبة مقدسة؟. وآسفاه. إنه من السهل أن تطلب أشياء من الله ولا تطلب الله نفسه، كأن العطية أفضل من العاطي “. كما يقول: أيها الإنسان الطماع، ماذا تطلب؟ إن كنت تطلب شيئا آخر، ماذا يشبعك إن كان الله نفسه لا يشبعك؟) كما يقول: (عندما تسألون أمورا زمنية لا تسألون شيئا. “من يشرب من هذا الماء يعطش أيضا” (يو 4: ۱۳)… اسألوا ما يشبعكم! تحدثوا بلغة فيلبس: “يا رب أرنا الأب وكفانا” (يو 14: 8). قال له الرب: أنا معكم كل هذا الزمان ولم تعرفني؟ من رآني يا فيليس، فقد رأى الآب أيضا” (يو 14: 9Vulgate ). قدم تشكرات للمسيح الذي صار ضعيفا لأجلكم لأنكم ضعفاء، ولتكن رغباتكم معدة لإدراك لاهوت المسيح لكي تشبع به.)
وأيضا يقول: (قوله: “كل ما طلبتم (من الآب باسمي يعطيكم يو 16: ۲۳)” يجب ألا يفهم أنه أي طلب كان، بل أي شيء يكون بالحقيقة له علاقة بالحياة المطوبة. وما جاء بعد ذلك: إلى الآن لم تطلبوا شيئا باسمي” يفهم بطريقتين: إما أنكم لم تطلبوا باسمي، إذ لم تعرفوا اسمي بعد كما يجب، أو أنكم لم تطلبوا شيئا، إن قورن بما يجب أن تطلبوه، فما تطلبونه يحسب كلا شيء.
الله لا يمنع محبة هذه الأشياء بل أن نجد سعادتنا في حبنا لها. يليق بنا أن نجعل حب خالقنا هو غاية تقديرنا لهذه الأشياء… فالمهر يقدم للمخطوبة لكي في مهره لها تحبه هو. هكذا يعطيك الله كل شيء، فلتحب ذاك الذي صنعها”. لا تطلب شيئا من الله، بل عطية ذاته لك.
أن تترجى الله من الله، هذا هو أن تحب الله صاحب النعمة. ليس بعدل يحب ما يأتي من الله إن كان الله نفسه ينسي بسببه. لا تجد شيئا يقدمه لك أفضل من ذاته، لكن إن كنت تجد ما هو أفضل منه اطلبه بكل وسيلة”. هل لا يوجد لدي الله مكافأة؟ لا توجد إلا عطية ذاته!”
ليتنا لا نكون مجاهدين في الحوار وكسالى في صلواتنا (عنهم). لنصل أيها الأعزاء المحبوبين النص لكي يعطينا الله النعمة، حتى لأعدائنا وبالأخص عن إخوتنا والمحبوبين. “عينا الرب نحو الصديقين وأذناه إلى صراخهم” (مز 34: 15)… ربما تقول: لقد صرخت إليه، ولكني لازلت في محنة. فقط تمسك بطرقه، وعندما تكون في محنة يسمع لك. هو طبيب، ويقيم لك نوعا من التطهير. إنك تصرخ، لكنه يبقى يقطع ولا يرفع يده حتى يقطع حسب مسرته. فإن الطبيب الذي يسمع للشخص ويتوقف عن أن يجرح ويطهر إنما هو قاسي. الأمهات تواصلن في استحمام أطفالهن من أجل صحتهم. أما يصرخ الأطفال بين أياديهن؟ هل هؤلاء قاسيات لأنهن لا يتوقفن ولا يبالين بدموع أطفالهن. ألسن مملوءات حنانا؟… هكذا فان الله أيضا مملوء حبا، لكنه يبدو كمن لا يسمع. إذ لا يتوقف حتى يشفينا أبديا. ربما يقول الشرير، إنني أفعل الشر وأنا في أمان، لأن عيني الرب ليست نحوي، إنما الرب يصغي للأبرار، وليس لي، أفعل ما أريد وأنا في أمان. إذ يرى الرب أفكار البشر قيل: “وجه الرب ضد عاملي الشر، ليقطع من الأرض ذكرهم” (مز 34: 16؛ ۱ بط ۳: ۱۲). خلقتنا لك يا رب، ولن تستقر قلوبنا حتى تستريح فيك.
“تقول للرب: ملجأي وحصني، إلهي فأتكل عليه” (مز ۲۰۹۱). من الذي يقول هكذا للرب؟ “الساكن في ستر العلي”، وليس في ستره هو. من هو هذا الذي يسكن في ستر العلي؟ ذاك الذي لا يتكبر مثل هذين اللذين أكلا (من شجرة معرفة الخير والشر ليصيرا إلهين، ففقدا خلودهما الذي خلقنا عليه. لقد اختارا أن يسكنا في سترهما، لا في ستر العلي. هكذا أنصتا إلى مشورة الحية (تك 3: 5)، واستخفا بوصية الله، وأخيرا اكتشفا أن ما هدد به الله تحقق فيهما وليس وعد الشيطان لهما. لذلك لتقل أنت أيضا: “عليه أتكل، فهو ينجيني، ولست أنا أنجي نفسي”.
ثامنا: صلي من أجل الأخرين. يقول القديس أغناطيوس الثيوفورس: بالصلاة من أجل الآخرين: صلوا بلا انقطاع من أجل الآخرين فإنه يرجى فيهم التوبة ليبلغوا إلى الله..
القمص تادرس يعقوب ملطي
أولا: ركز أنظارك الداخلية على الله أبيك السماوي. يقول القديس باسيليوس الكبير: لحين تبدأ الصلاة فلتنس كل خليقة منظورة وغير منظورة، وابدأ الصلاة بمدح الله خالق الكل، لذلك قيل: “فقال الهم متى صليتم، فقولوا أبانا (لو ۱۱: ۲) “.
ويقول القيس أمبروسيوس: لا يتسلق الجبال كل مصل، إذ توجد صلاة حسب خطية (مز 104: 8). من تعلم الصلاة يسمو فوق الفتى الأرضي إلى السماوي، ويظل متسلقا حتى يبلغ قمة الخلوة العليا، أما الذي يهتم ب ي العالم فلا يتسلق الجبال إنما يشتهي ما لقريبه (من السفليات). من يتطلع إلى رفقة الله يطلب الله فيصعد، هكذا النفوس القوية تتسلق الجبال. لم ينصح النبي أي شخص أن يتسلق الجبال إنما يقول: “على جبل عال اصعدي يا مبشرة صهيون، ارفعي صوتك بقوة يا مبشرة أورشليم” (إش 40: ۹). تسلق الجبال لا يكون بالأقدام إنما بسمو الأعمال، فإنك إذ تتبع المسيح تصير أنت نفسك أحد الجبال التي تحيط بك (مز ۱۲۰: ۲). يقول القديس أوغريس: عندما لا يتصور الذهن شيئا من الأرضيات أثناء الصلاة، فهذا يعني أنه قد صار قويا.
ثانيا: نظم احتياجات جسمك بما يتوافق مع ساعات الصلاة. بمعنى آخر لتكن للصلاة الأولوية عن احتياجات الجسد. يقول القيس باسيليوس الكبير: عندما تجلس لتتناول الطعام لتقوت جسمك، لا تترك المائدة قبل أن تشبع احتياجاتك إلا نادرا، لسبب طاري مستعجل، ولا تكن مستعدا لفعل هذا. كم بالأكثر يلزمك أن تبقى تتمتع بالقوت الروحي وتقوي نفسك بالصلاة، لأن النفس أسمى من الجسم، والسماء أعلى من الأرض، والسماوات فوق الأرضيات. النفس هي أيقونة السماء، لأن الرب يسكن فيها، وأما الجسم فهو صورة الأرض، التي يعيش عليها الناس القابلين للموت والحيوانات غير العاقلة. نظم احتياجات جسمك بما يتوافق مع ساعات الصلاة، ولتكن مستعدا أن توقف المجادلات التي تسحبك بعيدا عن حفظ قانونك. فإن هذا هو الطريق الذي به تجعلنا الشياطين نتغيب في وقت الصلاة بحجة أنه يوجد سبب لائق لغيابنا، وبهذا تسحبنا بما يبدو معقولا بعيدا عن الصلاة المنقذة. لا تقوم أعذارا، قائلا: “آه، رأسي! آه، معدتي !”، مدعيا بوجود أسباب غير منظورة لألم لا وجود له… من أجل نوال راحة. بالحري ثابر على الصلاة السرية فإن الله يراها في الخفاء، ويجازيك عنها علانية (مت 6: 18).
ثالثا: لتنطق في الكنيسة بما يمجد الله ولا تكون ثرثارا مع إخوتك. يقول القديس باسيليوس الكبير: ‘السماوات تحدث بمجد الرب” (مز 19: 1). يقتصر عمل الملكة (النفس البشرية) على تمجيد الله، ويقتصر عمل الجنود السمائيون أن يعطوا مجدا للخالق. كل الخليقة الناطقة أو غير الناطقة، الأرضية أو السماوية، مبيد خالقها.
أولئك الذين يتركون منازلهم للاجتماع في الهيكل (بحياة غير مقدسة) يستحقون الشفقة، لأنهم لا يستمعون لكلام حق، ولا يقيمون نفوسهم على ضوئها. لقد سبتهم الخطية دون أن يتأثروا، لا يتألمون بسبب خطاياهم التي يتذكرونها، ولا يخشون الدينونة، لكنهم يتصافحون مع بعضهم، ويجعلون من بيت الصلاة مكانا للثرثرة، محتقرين قول المزمور في هيكله الكل قائل مجد” (مز ۲۹: ۹).
أما أنت، فلم تكتف بعدم إعطاء المجد لله في هيكله، بل زدت على ذلك مضايقة الآخرين. تريد أن تجذب اهتمام الآخرين نحوك، وبالضوضاء الذي يصدر عنك تمنعهم من الاستماع لتعليم الروح.
انتبه إذن لئلا تكون نهايتك مثل نهاية الذين يكفون على اسم الله!… ما هي الطريقة التي بها تمجد الله؟… ليت لسانك يترتم، وليت فكرك يفحص الكلمات التي تقولها حتى تترنم بالروح والذهن (1 کو 14: 14). فالله لا ينقصه المجد، لكنه يريدك أنت! يريدك أن تكون أهلا أن مده! فالذي يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضا (غل 6: 7). ليتك تزرع لمجد الله فتحصد الأكاليل والكرامة والتسبيح في ملكوت السماوات.
في هيكله الكل قائل مجد” (مز ۲۹: ۹). لم تأت هذه الكلمات من فراغ، لأن في هيكل الرب يوجد الذين يثرثرون بلا توقف. وجودهم في الهيكل باطل. ليس باطلا فقط بل وسبب في دينونتهم.
رابعا: كن جادا في الصلاة بإيمان واهرب من تشتيت الفكر. يقول القيس باسيليوس: يليق بنا أن نسأل العون الإلهي لا بكسل ولا بفكر مشتت هنا وهناك، فإن إنسانا كهذا ليس فقط لا ينال ما يسأله، بل بالحري يغضب الله، لو أن إنسانا يقف أمام رئيس تكون عيناه ثابتتين في الداخل والخارج حتى لا يتعرض للعقوبة، فكم بالحري يليق بنا أن نقف أمام الله بحرص ورعدة؟ لكنك إن كنت تثار بخطية ما، فلا تقدر أن تصلي بثبات بكل قوتك. راجع نفسك حتى متى وقفت أمام الله تركز فكرك فيه، والله يغفر لك، لأنك ليس عن إهمال بل عن ضعف لم تستطع أن تظهر أمامه كما ينبغي.
إن ألزمت نفسك بهذا فإنك لا تتركه حتى تنال. فإن لم تنل ما تسأله يكون ذلك لأن سؤالك غير لائق أو بغير إيمان، أو لأنك قمته باستهانة، أو تسأل أمورا ليست بصالحك، أو لأنك تركت الصلاة. كثيرا ما يسأل البعض لماذا نصلي؟ هل يجهل الله ما نحتاج إليه؟ أنه بلا شك يعرف ويعطينا بفيض كل الزمنيات حتى قبل أن نسألها، لكن يجب علينا أولا أن نطلب الصالحات وملكوت السماوات، عندئذ ننال ما نرغب لنسأل بإيمان وصبر، نسأل ما هو صالح لنا، ولا نعوق الصلاة بعصيان ضميرنا.
يقول القديس كيرلس الكبير: امن واجبنا أن تصلي بلا انقطاع ككلمات الطوباوي بولس (۱ تس 5: ۷)، وكما هو معروف لنا حسنا ومؤكد لنا أن ذاك الذي نقدم له سؤالاتنا قادر أن يحقق لنا كل شيء. لقد قيل: “ليطلب بإيمان غير مرتاب البتة، لأن المرتاب يشبه موجا من البحر تخبطه الريح وتدفعه، فلا يظن ذلك الإنسان أنه ينال شيئا من عند الرب” (یع ۱: 6-7). فمن هو مرتاب يرتكب بالحق سخرية، فإن كنت لا تؤمن أنه يقترب إليك ويبهجك ويتمم طلبتك لا تقترب إليه بالكلية، لئلا توجد متهما القدير بكونك في غباوة مرتابا. إذن لنتجنب هذا المرض الدنيء (الارتياب).
الله ينصت للذين يقدمون له صلواتهم لا بتراخ أو إهمال بل بجدية واستمرارية، هذا ما يؤكد لنا المثل الماثل بينا. فإن كان مجيء الأرملة المظلومة قد غلب القاضي الظالم الذي لا يخاف الله ولا يهاب إنسانا، حتى وهبها طلبتها بغير إرادته (لو ۱۸: ۱-۸)، أفليس ذاك الذي يحب الرحمة ويكره الظلم، الذي يمد يده على الدوام لمحبيه، يقبل الذين يقتربون إليه ليل نهار، وينتقم لهم بكونهم مختاريه؟
خامسا: سلم الأمر في يد الله. يرى القديس أغسطينوس أن سر استجابة الله لصلوات داود وإعطاء أذنيه لكلام فمه هو تسليم الأمر بين يدي الله، تاركًا القرار بين يديه، إذ يقول: (أنت مريض، فلا تملي على الطبيب الأدوية التي يختارها لك. إن كان معلم الأمم، بولس الرسول، يقول: “لأننا لسنا نعلم ما نصلي لأجله كما ينبغي” (رو ۲۹ : ۸ )، فكم بالأكثر يكون حالنا نحن؟! كما يقول: ليت المريض لا ينسحب من بين يدي الطبيب، ليته لا يقم مشورة للطبيب. ليكن الأمر هكذا في كل الأمور الزمنية.
سادسا: لنطلب بالإيمان لا بالجدال. يقول القديس أغسطينوس: الأثر الكامل للإيمان هو هذا: يجعلنا نسأل فنأخذ، نطلب فنجد، نقرع فيفتح لنا. بينما الإنسان الذي يجادل، يغلق باب رحمة الله أمام نفسه.
سابعا: لنطلب أن نقتني الله نفسه لا الزمنيات. الصلاة، في ذهن القديس أغسطينوس، هي لغة شوق النفس نحو الله، هي ترجمة لاشتياق القلب. إنه يقول: الصلاة هي بلوغ العقل المملوء حبا إلى الله، إنها تشغل الذهن والقلب، الفكر والرغبة، المعرفة والحب. الحياة الكاملة للمسيحي الصالح هي رغبة مقدسة؟. وآسفاه. إنه من السهل أن تطلب أشياء من الله ولا تطلب الله نفسه، كأن العطية أفضل من العاطي “. كما يقول: أيها الإنسان الطماع، ماذا تطلب؟ إن كنت تطلب شيئا آخر، ماذا يشبعك إن كان الله نفسه لا يشبعك؟) كما يقول: (عندما تسألون أمورا زمنية لا تسألون شيئا. “من يشرب من هذا الماء يعطش أيضا” (يو 4: ۱۳)… اسألوا ما يشبعكم! تحدثوا بلغة فيلبس: “يا رب أرنا الأب وكفانا” (يو 14: 8). قال له الرب: أنا معكم كل هذا الزمان ولم تعرفني؟ من رآني يا فيليس، فقد رأى الآب أيضا” (يو 14: 9Vulgate ). قدم تشكرات للمسيح الذي صار ضعيفا لأجلكم لأنكم ضعفاء، ولتكن رغباتكم معدة لإدراك لاهوت المسيح لكي تشبع به.)
وأيضا يقول: (قوله: “كل ما طلبتم (من الآب باسمي يعطيكم يو 16: ۲۳)” يجب ألا يفهم أنه أي طلب كان، بل أي شيء يكون بالحقيقة له علاقة بالحياة المطوبة. وما جاء بعد ذلك: إلى الآن لم تطلبوا شيئا باسمي” يفهم بطريقتين: إما أنكم لم تطلبوا باسمي، إذ لم تعرفوا اسمي بعد كما يجب، أو أنكم لم تطلبوا شيئا، إن قورن بما يجب أن تطلبوه، فما تطلبونه يحسب كلا شيء.
الله لا يمنع محبة هذه الأشياء بل أن نجد سعادتنا في حبنا لها. يليق بنا أن نجعل حب خالقنا هو غاية تقديرنا لهذه الأشياء… فالمهر يقدم للمخطوبة لكي في مهره لها تحبه هو. هكذا يعطيك الله كل شيء، فلتحب ذاك الذي صنعها”. لا تطلب شيئا من الله، بل عطية ذاته لك.
أن تترجى الله من الله، هذا هو أن تحب الله صاحب النعمة. ليس بعدل يحب ما يأتي من الله إن كان الله نفسه ينسي بسببه. لا تجد شيئا يقدمه لك أفضل من ذاته، لكن إن كنت تجد ما هو أفضل منه اطلبه بكل وسيلة”. هل لا يوجد لدي الله مكافأة؟ لا توجد إلا عطية ذاته!”
ليتنا لا نكون مجاهدين في الحوار وكسالى في صلواتنا (عنهم). لنصل أيها الأعزاء المحبوبين النص لكي يعطينا الله النعمة، حتى لأعدائنا وبالأخص عن إخوتنا والمحبوبين. “عينا الرب نحو الصديقين وأذناه إلى صراخهم” (مز 34: 15)… ربما تقول: لقد صرخت إليه، ولكني لازلت في محنة. فقط تمسك بطرقه، وعندما تكون في محنة يسمع لك. هو طبيب، ويقيم لك نوعا من التطهير. إنك تصرخ، لكنه يبقى يقطع ولا يرفع يده حتى يقطع حسب مسرته. فإن الطبيب الذي يسمع للشخص ويتوقف عن أن يجرح ويطهر إنما هو قاسي. الأمهات تواصلن في استحمام أطفالهن من أجل صحتهم. أما يصرخ الأطفال بين أياديهن؟ هل هؤلاء قاسيات لأنهن لا يتوقفن ولا يبالين بدموع أطفالهن. ألسن مملوءات حنانا؟… هكذا فان الله أيضا مملوء حبا، لكنه يبدو كمن لا يسمع. إذ لا يتوقف حتى يشفينا أبديا. ربما يقول الشرير، إنني أفعل الشر وأنا في أمان، لأن عيني الرب ليست نحوي، إنما الرب يصغي للأبرار، وليس لي، أفعل ما أريد وأنا في أمان. إذ يرى الرب أفكار البشر قيل: “وجه الرب ضد عاملي الشر، ليقطع من الأرض ذكرهم” (مز 34: 16؛ ۱ بط ۳: ۱۲). خلقتنا لك يا رب، ولن تستقر قلوبنا حتى تستريح فيك.
“تقول للرب: ملجأي وحصني، إلهي فأتكل عليه” (مز ۲۰۹۱). من الذي يقول هكذا للرب؟ “الساكن في ستر العلي”، وليس في ستره هو. من هو هذا الذي يسكن في ستر العلي؟ ذاك الذي لا يتكبر مثل هذين اللذين أكلا (من شجرة معرفة الخير والشر ليصيرا إلهين، ففقدا خلودهما الذي خلقنا عليه. لقد اختارا أن يسكنا في سترهما، لا في ستر العلي. هكذا أنصتا إلى مشورة الحية (تك 3: 5)، واستخفا بوصية الله، وأخيرا اكتشفا أن ما هدد به الله تحقق فيهما وليس وعد الشيطان لهما. لذلك لتقل أنت أيضا: “عليه أتكل، فهو ينجيني، ولست أنا أنجي نفسي”.
ثامنا: صلي من أجل الأخرين. يقول القديس أغناطيوس الثيوفورس: بالصلاة من أجل الآخرين: صلوا بلا انقطاع من أجل الآخرين فإنه يرجى فيهم التوبة ليبلغوا إلى الله..