شاركنا كلمة الله بتجسده في كل شيء ماعدا الخطية. إذ صار طفلا قدس الأطفال، ودعاهم إليه، كما دعانا أن نقتدي بهم، قائلا: “لأن مثل هؤلاء يدخلون ملكوت السماوات” (مت 16: 14). وصام لكي يقس أصوامنا، وصلى وهو قابل الصلوات مع أبيه لكي يقس صلواتنا. وتألم وطيب ومات وقام من الأموات لكي نترم مع الرسول: “مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا، بل يحيا المسيح في” (غل ۲: ۲۰). وصعد إلى السماوات لكي بحق نقول: “أقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات” (أف ۲: 6). والآن، بالنسبة للبكاء والدموع، بكى لكي يقس دموعنا التي نسكبها، مقتدين به.
أشار الكتاب المقدس إلى موقفين بكى فيهما السيد المسيح، هما:
أولا: كب الدموع على أورشليم المقاومة للحق الإلهي. يقول معلمنا لوقا البشير: “وفيما هو يقترب نظر إلى المدينة وبكى عليها، قائلا: إنك لو علمت أنت أيضا، حتى في يومك هذا، ما هو لسلامك! ولكن الآن قد أخفي عن عينيك. فإنه ستاتي أيام ويحيط بك أعداؤك بمترسة، ويحدقون بك ويحاصرونك من كل جهة. ويهدمون وبني فيك ولا يتركون فيك حجرا على حجر، لأنك لم تعزفي زمان افتقادك” (لو ۱۹: 41-44) إنه يطلب بدموع توبة أهل أورشليم حتى العاملين في الهيكل. إنه يدعو كل مؤمن أن يصلي باكيا من أجل كل رافضي الحق الإلهي، والمتهاونين في التمتع بالخلاص، سواء من الشعب أو رجال الكهنوت. بهذا يستطيع المؤمن أن يصلي ويبكي، وهو في مخدعه كما وهو على سرير الموت، بروح الحب لا الإدانة من أجل كل الساقطين في العالم. إن كان ابن سيراخ دعانا ألا نعرف الخمول حتى في شيخوختنا وفي أمراضنا، فقد علمنا السيد المسيح بدموعه أن تمارس الحب والصلاة عن كل البشرية، كما نطلب صلوات الآخرين حتى الذين رحلوا عن العالم لشعورنا بالحاجة إلى مساندة الآخرين لنا نحن الضعفاء.
ثانيا: إذ كان السيد قادما للقاء مع أختي الميت لعازر، الذي له أربعة أيام في القبر، وأن يقيمه من الموت وهو مربوط بملابس الدفن، لم يحتمل أن يرى الأختين تبكيان، فبكى هو أيضا (يو 11: ۳۰) ليعلن مدى حبه للبشرية. إنه يشاركنا مشاعرنا؛ وهو عجيب في حبه لبني البشر، لا يحتمل دموعنا، بل يقول: “حولي عني عينيك فإنهما قد غلبتاني” (نش 6: 5).
يقول القديس أغسطينوس أن إقامة لعازر من الأموات ليست موضوع دهشتنا بل موضوع فرحنا. فليس من المدهش أن ذاك الذي يخلق بقوته أناسا يأتي بهم إلى العالم أن يقيم ميئا، لكنه أمر مفرح أنه يهبنا القيامة ويمتعنا بالخلاص.
جاء الفعل “بكي” (يو 11: 35) هنا في اليونانية مختلفا عما ورد عن بكاء مريم وجمهور المحيطين بها (یو ۱۱: ۳۳)، إذ بكاؤه ليس فيه عويل مرتفع مثلهم، بل انسابت الدموع من عينيه. إنها مجرد شهادة عملية لمشاعره العميقة، ومشاركة للمتألمين أمام الجموع التي لم تدرك بعد كيف تواجه الموت. وقد وجدت الجموع في هذه الدموع شهادة حية عن محبته للعازر (يو 11: 36).
يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن كل ما صنعه السيد المسيح كان بحكمته الإلهية لكي تنتفع الجموع بصنع المعجزة، فمن جانب لم يتحدث مع مريم أمام الجموع بما قاله لمرثا حين التقت به منفردة، إذ تحدث عن إقامته للعازر. فلو سمعت الجموع ذلك حيث يحمل كثيرون له عداوة، لتركوه ورجعوا إلى أورشليم، ولم يروا إقامة لعازر، من جانب آخر أكد ناسوته في تلك اللحظات، حتى لا تنفر الجموع، إن تحدث عما يخص لاهوته.
بكى في صمت، واضطرب ثم تنهد، وسأل عن موضع القبر. كل هذا أثار تساؤلات في أذهان اليهود، ورغبة في معرفة ما سيفعله دون نفور من جانبهم.
ويقول القديس أغسطينوس: بكى الرب نفسه أيضا من أجل لعازر الذي سيقيمه إلى الحياة، بلا شك لكي يسمح لنا بمثاله أن نبكي على موتانا، وإن كان لم يعطنا وصيته بذلك، هذا مع إيماننا بأنهم يقومون إلى الحياة الحقيقية. ويقول القديس جيروم: الكي يظهر المخلص نفسه أن لديه مشاعر بشرية حقيقية حزن من أجل ذاك الذي سيقيمه من الأموات.
يطلب القديس أمبروسيوس منا أن نسأل السيد المسيح أن يبكي علينا، قائلا:
التهب لي يا رب أن تأتي إلى قبري، فتسكب الدموع علي، حيث جقت عيناي ولم تعودا قادرتين على سكب دموع كهذه من أجل معاصي. إن بكيت يا رب علي (كما على لعازر) فسأنقذ… أنت تدعوني من قبر جسدي هذا، قائلا: “هلم خارجا (يو 11: 43)”، حتى لا يعود تفكيري ينحصر في حدود جسدي هذا الضيق، بل يخرج نحو المسيح ويحيا في النور، فلا أعود أفير في أعمال الظلمة بل في أعمال النور.
ناد يا رب خادمك، رغم ربطه بسلسلة الخطايا، وتقييد قدميه ويديه، فإنه الآن مدفون في قبر الأفكار والأعمال الميتة. لكن عندما تدعوني أقوم حرا، وأصير أحد الجالسين في وليمتك وتفوح في بيتك رائحة طيب ذكية.
إن كنت قد وهبت لأحد أن يخلص، فإنك تحافظ عليه أيضا، فيقال عني: انظر! إنه لم يحضر وسط الكنيسة، ولا تأب منذ طفولته، بل كان هارا من الحكم. فجذب من أباطيل العالم، ودخل في صفوف المرتلين، بدلا من أن يكون بين المولولين، وقد ثابر في كهنوته لا بقوته الخاصة بل بنعمة المسيح، وصار جالسا بين المدعوين في الوليمة السمائية.
احفظ أيها الرب عملك، واحرس عطاياك التي وهبتها حتى لذاك الذي هرب منها. فإنني أعلم إنني لم أكن مستحقا أن أدعى أسقفًا، لأنني انشغلت بهذا العالم، لكن نعمتك جعلتني على ما أنا عليه. وفي الحقيقة إنني أصغر جميع الأساقفة، وأقلهم استحقاقا. ومع ذلك فقد تعهدت ببعض الأعمال الخاصة بكنيستك المقدسة، وسهرت على هذه الثمرة، وإذ اخترتني للكهنوت وأنا مفقود، لا تسمح بعد أن أكون مفقودا وأنا كاهن. إن أول عطية هي أن أعرف كيف أحزن حزنا عميقا مع أولئك الذين يخطئون، لأن هذه هي أعظم فضيلة.
القمص تادرس يعقوب ملطي
شاركنا كلمة الله بتجسده في كل شيء ماعدا الخطية. إذ صار طفلا قدس الأطفال، ودعاهم إليه، كما دعانا أن نقتدي بهم، قائلا: “لأن مثل هؤلاء يدخلون ملكوت السماوات” (مت 16: 14). وصام لكي يقس أصوامنا، وصلى وهو قابل الصلوات مع أبيه لكي يقس صلواتنا. وتألم وطيب ومات وقام من الأموات لكي نترم مع الرسول: “مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا، بل يحيا المسيح في” (غل ۲: ۲۰). وصعد إلى السماوات لكي بحق نقول: “أقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات” (أف ۲: 6). والآن، بالنسبة للبكاء والدموع، بكى لكي يقس دموعنا التي نسكبها، مقتدين به.
أشار الكتاب المقدس إلى موقفين بكى فيهما السيد المسيح، هما:
أولا: كب الدموع على أورشليم المقاومة للحق الإلهي. يقول معلمنا لوقا البشير: “وفيما هو يقترب نظر إلى المدينة وبكى عليها، قائلا: إنك لو علمت أنت أيضا، حتى في يومك هذا، ما هو لسلامك! ولكن الآن قد أخفي عن عينيك. فإنه ستاتي أيام ويحيط بك أعداؤك بمترسة، ويحدقون بك ويحاصرونك من كل جهة. ويهدمون وبني فيك ولا يتركون فيك حجرا على حجر، لأنك لم تعزفي زمان افتقادك” (لو ۱۹: 41-44) إنه يطلب بدموع توبة أهل أورشليم حتى العاملين في الهيكل. إنه يدعو كل مؤمن أن يصلي باكيا من أجل كل رافضي الحق الإلهي، والمتهاونين في التمتع بالخلاص، سواء من الشعب أو رجال الكهنوت. بهذا يستطيع المؤمن أن يصلي ويبكي، وهو في مخدعه كما وهو على سرير الموت، بروح الحب لا الإدانة من أجل كل الساقطين في العالم. إن كان ابن سيراخ دعانا ألا نعرف الخمول حتى في شيخوختنا وفي أمراضنا، فقد علمنا السيد المسيح بدموعه أن تمارس الحب والصلاة عن كل البشرية، كما نطلب صلوات الآخرين حتى الذين رحلوا عن العالم لشعورنا بالحاجة إلى مساندة الآخرين لنا نحن الضعفاء.
ثانيا: إذ كان السيد قادما للقاء مع أختي الميت لعازر، الذي له أربعة أيام في القبر، وأن يقيمه من الموت وهو مربوط بملابس الدفن، لم يحتمل أن يرى الأختين تبكيان، فبكى هو أيضا (يو 11: ۳۰) ليعلن مدى حبه للبشرية. إنه يشاركنا مشاعرنا؛ وهو عجيب في حبه لبني البشر، لا يحتمل دموعنا، بل يقول: “حولي عني عينيك فإنهما قد غلبتاني” (نش 6: 5).
يقول القديس أغسطينوس أن إقامة لعازر من الأموات ليست موضوع دهشتنا بل موضوع فرحنا. فليس من المدهش أن ذاك الذي يخلق بقوته أناسا يأتي بهم إلى العالم أن يقيم ميئا، لكنه أمر مفرح أنه يهبنا القيامة ويمتعنا بالخلاص.
جاء الفعل “بكي” (يو 11: 35) هنا في اليونانية مختلفا عما ورد عن بكاء مريم وجمهور المحيطين بها (یو ۱۱: ۳۳)، إذ بكاؤه ليس فيه عويل مرتفع مثلهم، بل انسابت الدموع من عينيه. إنها مجرد شهادة عملية لمشاعره العميقة، ومشاركة للمتألمين أمام الجموع التي لم تدرك بعد كيف تواجه الموت. وقد وجدت الجموع في هذه الدموع شهادة حية عن محبته للعازر (يو 11: 36).
يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن كل ما صنعه السيد المسيح كان بحكمته الإلهية لكي تنتفع الجموع بصنع المعجزة، فمن جانب لم يتحدث مع مريم أمام الجموع بما قاله لمرثا حين التقت به منفردة، إذ تحدث عن إقامته للعازر. فلو سمعت الجموع ذلك حيث يحمل كثيرون له عداوة، لتركوه ورجعوا إلى أورشليم، ولم يروا إقامة لعازر، من جانب آخر أكد ناسوته في تلك اللحظات، حتى لا تنفر الجموع، إن تحدث عما يخص لاهوته.
بكى في صمت، واضطرب ثم تنهد، وسأل عن موضع القبر. كل هذا أثار تساؤلات في أذهان اليهود، ورغبة في معرفة ما سيفعله دون نفور من جانبهم.
ويقول القديس أغسطينوس: بكى الرب نفسه أيضا من أجل لعازر الذي سيقيمه إلى الحياة، بلا شك لكي يسمح لنا بمثاله أن نبكي على موتانا، وإن كان لم يعطنا وصيته بذلك، هذا مع إيماننا بأنهم يقومون إلى الحياة الحقيقية. ويقول القديس جيروم: الكي يظهر المخلص نفسه أن لديه مشاعر بشرية حقيقية حزن من أجل ذاك الذي سيقيمه من الأموات.
يطلب القديس أمبروسيوس منا أن نسأل السيد المسيح أن يبكي علينا، قائلا:
التهب لي يا رب أن تأتي إلى قبري، فتسكب الدموع علي، حيث جقت عيناي ولم تعودا قادرتين على سكب دموع كهذه من أجل معاصي. إن بكيت يا رب علي (كما على لعازر) فسأنقذ… أنت تدعوني من قبر جسدي هذا، قائلا: “هلم خارجا (يو 11: 43)”، حتى لا يعود تفكيري ينحصر في حدود جسدي هذا الضيق، بل يخرج نحو المسيح ويحيا في النور، فلا أعود أفير في أعمال الظلمة بل في أعمال النور.
ناد يا رب خادمك، رغم ربطه بسلسلة الخطايا، وتقييد قدميه ويديه، فإنه الآن مدفون في قبر الأفكار والأعمال الميتة. لكن عندما تدعوني أقوم حرا، وأصير أحد الجالسين في وليمتك وتفوح في بيتك رائحة طيب ذكية.
إن كنت قد وهبت لأحد أن يخلص، فإنك تحافظ عليه أيضا، فيقال عني: انظر! إنه لم يحضر وسط الكنيسة، ولا تأب منذ طفولته، بل كان هارا من الحكم. فجذب من أباطيل العالم، ودخل في صفوف المرتلين، بدلا من أن يكون بين المولولين، وقد ثابر في كهنوته لا بقوته الخاصة بل بنعمة المسيح، وصار جالسا بين المدعوين في الوليمة السمائية.
احفظ أيها الرب عملك، واحرس عطاياك التي وهبتها حتى لذاك الذي هرب منها. فإنني أعلم إنني لم أكن مستحقا أن أدعى أسقفًا، لأنني انشغلت بهذا العالم، لكن نعمتك جعلتني على ما أنا عليه. وفي الحقيقة إنني أصغر جميع الأساقفة، وأقلهم استحقاقا. ومع ذلك فقد تعهدت ببعض الأعمال الخاصة بكنيستك المقدسة، وسهرت على هذه الثمرة، وإذ اخترتني للكهنوت وأنا مفقود، لا تسمح بعد أن أكون مفقودا وأنا كاهن. إن أول عطية هي أن أعرف كيف أحزن حزنا عميقا مع أولئك الذين يخطئون، لأن هذه هي أعظم فضيلة.