يقول : إن كنت داخل المنزل فضل وقت الساعة الثالثة وسبح الله، وإن كنت في أي موضع وجاء وقت هذه الساعة صلي في قلبك لله. ولنا على هذا النص ملحوظتان: و صلوات الساعات ليست عملا مظهريًا، إنما يمكن للإنسان أن يصليها في بيته أو في قلبه أثناء العمل دون أن يشعر به أحد.. : قوله “سبح الله” يشير إلى فهم الصلاة كعمل تسبيحي خاصة بالمزامير والتسابيح الكنسية، إنه عمل مفرح للقلب وليس فرضا تمارسه بدون روح الفرح.
تحدث أيضا الأب هيبوليتس الروماني عن الأفكار التي ينشغل بها المرء أثناء صلوات السواعي، فيرى أنه في وقت الساعة الثالثة ينشغل بآلام المسيح الخلاصة حيث بدأ دور الصليب عمليا، كما أشار إلى خبز الوجوه الذي كان يقدم في وقت الساعة الثالثة وتقديم الحمل في ذلك الوقت. وفي وقت الساعة السادسة غلق السيد على الخشبة، وأنشق نور النهار وصارت ظلمة (مت ۲۷: 45)، هكذا نصلي بروح النصرة والغلبة على قوات الظلمة. وفي الساعة التاسعة بين السيد في جنبه فأفاض دم وماء (يو 16: 34)، وتبددت الظلمة، وصار نور حتى المساء. وكأنه جاءنا يفجر يوم جديد، إذ بنومه على الصليب دخل بنا إلى قيامته. أما عن صلاة نصف الليل فيقول: رقم اغسل يديك بماء وصل. إن كان لك زوجة فصليا معا كما قدم لها تفسيرين:
التفسير الطبيعي: في هذا الوقت إذ تكون الخليقة ساكنة تقف الكواكب والنباتات والمياه لتسبح الله. وفي هذا الوقت يكون السمائيون ساهرين يسبحون الله. هكذا يستيقظ المسيحي ليبيح الله مع الخليقة الأرضية والسمائية ومع الراقدين أيضا.
التفسير الأخروي “: في نصف الليل تسمع العذارى الحكيمات صوتا: هوذا العريس قادم (مت ۲۰: ۱۰). فيقيم المؤمن صلاة الحب مشتاقا إلى العريس الأبدي.
ثانيا: الشهيد كبريانوس (القرن الثاني)
قدم لنا صورة حية لما ينبغي على المؤمن أن ينشغل به أثناء الصلاة. ففي وقت الساعة الثالثة يتنكر حلول الروح القدس (أع ۲: ۱۰)، وفي الساعة السادسة يرفع قلبه نحو السماء مع بطرس الرسول الذي صعد على السطح ليصلي فتعلم من الرؤيا أن الله محب للبشر جميعا، ليس بينهم من هو نجس أو دنس (أع 10: 9). وفي الساعة التاسعة يتذكر كيف غسل الرب خطايانا بدمه على الصليب، وإعلان كمال نصرته بألامه. وفي الغروب نذكر شوقنا إلى وجود المسيح – شمسنا – في داخلنا وعدم غروبه عنا. وفي صلاة باكر نتذكر قوة قيامته.
ثالثا: القيس أثناسيوس الرسولي (القرن الرابع)
في المقال De Virginitate المنسوب للقيس أثناسيوس الرسولي، يعطي الكاتب تعليلا للالتزام بهذه الصلوات. تصلي وقت الساعة الثالثة لأنه في هذه الساعة جاءوا إليه بالخشبة ليحملها، وفي السادسة رفع على الصليب من أجلنا، وفي التاسعة لم الروح.
كما قدم تعليلا لصلاة النوم، حيث نذكر أن الرب نزل إلى عالم الراقدين فنسبح معهم مبتهجين بخلاصة. وفي نصف الليل نذكر قيامته من الأموات”.
رابعا: القيس باسيليوس الكبير
أكد أهمية هذه الصلوات لنمونا الروحي قائلا: ينبغي على الذين اختاروا أن يعيشوا حياتهم ساهرين لمجد الله ومسيحه ألا يسقطوا أو يهملوا إحدى هذه الصلوات”. وتعرض لأهميتها هكذا:
صلاة باكر (أو الفجر): باكر هو بدء نشاط النفس والعقل، فتصلي حتى يكون كل ما في داخلنا مكا للرب. يقول المرل: “باكرا تسمع صوتي، بالغداة أقف أمامك وتراني” (مز 5: 3).
الساعة الثالثة: ننكر عطية الروح القدس للكنيسة، فنسأله أن يعمل في حياتنا: “قلبا نقيا اخلق في يا الله، وروحا مستقيما جدده في أحشائي” (مز 50LXX ).
والساعة السادسة: إذ يحارب الإنسان شيطان الظهيرة (حيث الخمول والضجر) تصلي كي ننجو منه (مز ۹۰)
الساعة التاسعة: هذه الصلاة هي تسليم رسولي، حيث صعد الرسولان بطرس ويوحنا إلى الهيكل ليصليها في وقت الساعة التاسعة (أع ۳: ۱).
الغروب: نشكر الله من أجل عطاياه وما صنعه فينا من صلاح طوال النهار مع اعترافنا بعجزنا. و النوم (بدء الليل): تصلي لكي تكون لنا راحة بغير انزعاج أو خيالات.
ونصف الليل: تسلمناها كضرورة بواسطة القديسين بولس وسيلا وهما في السجن (أع 16: 5).
يقول المرتل: “في نصف الليل نهضت لأشكرك على أحكام عدلك” (مز ۱۱۹: ۲۲).
يضيف القديس باسيليوس صلاة ما قبل الفجر” إذ يقول المرتل: “سبقت عيناي وقت السحر لأتلو في أقوالك” (مز ۱۱۹: ۹۲).
يرى القديس باسيليوس الكبير وغيره من آباء الكنيسة دور المزامير في حياتنا الروحية التي تعمل فينا هكذا:
أولا: تقدم المزامير عذوبة في طريق الفضيلة الوعر، إذ يقول القديس باسيليوس الكبير: يرى الروح القدس بوضوح وعورة الطريق إلى ممارسة الفضيلة. يرى كيف يميل الجنس البشري المزامير هي غناء منظوم فيها الحق، لصغار السن وصغار النفوس، وإن كان الإنسان ينسى سريعا كلمات الوعظ والنبوة، إلا أنه لا ينسى المزامير التي يريدها كثيرا، في البيت، وفي الخارج. وترتيل المزامير يطرد الغضب الذي يجعل من الإنسان حيوانا مفترا، ويسرق منه سلامه، ويملأه ثورة. التسبيح بمزمور يجلب هدوء للروح، فنستقر في سلام، كما يهدئ عواصف أفكارنا العنيفة. فهو يسيطر على الشهوة، ويطفئ النار التي في صدورنا قبل أن تلتهب. أتريدون أن ترتبطوا بصداقة وتصالحوا المتخاصمين ويغفر الأعداء لبعضهم البعض؟ رنموا مزمورا (مز 96: ۱). كيف يمكن لأحد أن يحتضن عداوة لآخر يلتصق به وهو يبيح الله بصوت واحي؟ الحب هو أعظم صلاح من الكل، والتسبيح بالمزامير يجلب الحب، لأنه يقم نوعا من رباط الوحدة، إذ يجمع الشعب مقا في خورس واحي متناغم… إنه نقطة البداية للمبتدئين، وعون للذين هم بالفعل في الطريق، ومصدر القوة للبالغين. إن كان التسبيح بمزمور يجلب حزنا، فهو حزن إلهي، لأن المزمور يقدر أن يهب دموعا للقلب الحجري!
ثانيا: تهب المزامير النفس سلاما داخليا، إذ يقول القديس باسيليوس الكبير: المزامير تهب النفس الطمأنينة وتعطيها السلام وتهدئ فيها بلبلة الأفكار وتراكم الشهوات. هذا الكتاب هو كتاب المحبة… هو سلاح ضد الشيطان… هو سبب راحة بعد تعب النهار… هو تعزية الشيوخ هو باعث أفراحنا وأحزاننا المقدسة… هو نشيد رائع، هو صوت الكنيسة، هو بخور زكي الرائحة.
ثالثا: تقدم المزامير لكل شخص ما يناسبه من دواء للنفس. يقول القديس باسيليوس الكبير : “كل الكتاب موحى به من الله، ونافع” (۲ تي 3: 16). كتب بواسطة الروح القدس، لكي تجد نفوسنا كل نوع من الدواء لشفائها، مهما كان عددنا، ومنه تختار الدواء المناسب لحالتها. لأن العلاج يسكن خطايا عظيمة (جا 10: 4). يقم الأنبياء نوعا واحدا من التعليم، وتقدم الكتب التاريخية نوعا آخر، والناموس آخر، ويوجد نوع آخر في حكمة الأمثال، أما سفر المزامير ففيه خلاصة كل الفوائد التي جاءت فيها جميعا. فهو يتنبأ عن المستقبل، ويشير التاريخ، ويحدد قوانين لتجديد الحياة، ويوصي بما ينبغي عمله. باختصار هذا السفر هو نوع من الدليل للتعاليم الصالحة في كل شيء والنافعة لكل أحد. يضمد الجرح الحديث، فيشعر المريض بالتحسن، وهو يعطي شفاء للمريض، ويحفظ القائمين. وخلاصة الأمر يرفع حرب الشهوات التي تنس النفس بطرق كثيرة، ويجذبها بالفرح والتسبيح، لتنمو في الحكمة.
كما يقول: المزامير تطرد الشياطين، وتجلب لنا معونة الملائكة. هي سلاح في فزع الليل، راحة من عناء اليوم. هي الأمان للأطفال، وزينة للكبار، عزاء الشيوخ، وزينة النساء. هي حكمة الساكنين في البراري، معلمة التجار، نمو النامين، سند الكاملين.
إنها صوت الكنيسة، فهي تضفي الفرح على الأعياد، وتبكت الضمير. المزمور يجعل النفوس الحجرية تبكي، والمزمور هو عمل الملائكة، وهو حياة السمائيين، وهو البخور الروحاني.
جاءت بترتيب حكمة إلهية، ليجعلنا نرتل وتعلمنا كل ما هو مفيد. تستقر المزامير في الفهم، فما تتعلمه بالتغصب سرعان ما يتلاشى، بينما تستقر في داخلك جاذبية التلذذ بالمزامير.
لماذا لا تحفظ المزامير؟ فتجد فيها الشجاعة والعدل وكمال الحكمة، والطريق إلى التوبة، وكمال الصبر. فيها كل ما هو مفيد، فيها كمال علم اللاهوت، ونبوات عن مجيء المسيح في الجسد، ورجاء القيامة، والخوف من العقوبة، والوعد بالمجد، والكشف عن الأسرار، نجد كل هذا المخزون في المزامير، كما في مخزني يفتح أبوابه أمام الجميع.
رابعا: المزامير هي إحدى السهام التي تطعن بها الشياطين وتقتلهم. يقول القيس مار اسحق السرياني: لخدمة المزامير، والصلاة الربانية لأبينا السماوي، وصلاة التلاوة التي يرتجلها الإنسان ويطلب بها الرحمة والعون والخلاص، هذه الثلاثة مثل ثلاثة سهام بها تطعن الشياطين وتقتلهم.
خامسا: تسند المؤمن في عدم تشتيت الفكر. يقول القديس أوغريس: عظيم هو أن تصلي بدون تشتيت الفكر، وأعظم أن تسبح بالمزامير بلا تشتيت.
القمص تادرس يعقوب ملطي
أولا: الأب هيبوليتس الروماني (القرن الثاني)
يقول : إن كنت داخل المنزل فضل وقت الساعة الثالثة وسبح الله، وإن كنت في أي موضع وجاء وقت هذه الساعة صلي في قلبك لله. ولنا على هذا النص ملحوظتان: و صلوات الساعات ليست عملا مظهريًا، إنما يمكن للإنسان أن يصليها في بيته أو في قلبه أثناء العمل دون أن يشعر به أحد.. : قوله “سبح الله” يشير إلى فهم الصلاة كعمل تسبيحي خاصة بالمزامير والتسابيح الكنسية، إنه عمل مفرح للقلب وليس فرضا تمارسه بدون روح الفرح.
تحدث أيضا الأب هيبوليتس الروماني عن الأفكار التي ينشغل بها المرء أثناء صلوات السواعي، فيرى أنه في وقت الساعة الثالثة ينشغل بآلام المسيح الخلاصة حيث بدأ دور الصليب عمليا، كما أشار إلى خبز الوجوه الذي كان يقدم في وقت الساعة الثالثة وتقديم الحمل في ذلك الوقت. وفي وقت الساعة السادسة غلق السيد على الخشبة، وأنشق نور النهار وصارت ظلمة (مت ۲۷: 45)، هكذا نصلي بروح النصرة والغلبة على قوات الظلمة. وفي الساعة التاسعة بين السيد في جنبه فأفاض دم وماء (يو 16: 34)، وتبددت الظلمة، وصار نور حتى المساء. وكأنه جاءنا يفجر يوم جديد، إذ بنومه على الصليب دخل بنا إلى قيامته. أما عن صلاة نصف الليل فيقول: رقم اغسل يديك بماء وصل. إن كان لك زوجة فصليا معا كما قدم لها تفسيرين:
التفسير الطبيعي: في هذا الوقت إذ تكون الخليقة ساكنة تقف الكواكب والنباتات والمياه لتسبح الله. وفي هذا الوقت يكون السمائيون ساهرين يسبحون الله. هكذا يستيقظ المسيحي ليبيح الله مع الخليقة الأرضية والسمائية ومع الراقدين أيضا.
التفسير الأخروي “: في نصف الليل تسمع العذارى الحكيمات صوتا: هوذا العريس قادم (مت ۲۰: ۱۰). فيقيم المؤمن صلاة الحب مشتاقا إلى العريس الأبدي.
ثانيا: الشهيد كبريانوس (القرن الثاني)
قدم لنا صورة حية لما ينبغي على المؤمن أن ينشغل به أثناء الصلاة. ففي وقت الساعة الثالثة يتنكر حلول الروح القدس (أع ۲: ۱۰)، وفي الساعة السادسة يرفع قلبه نحو السماء مع بطرس الرسول الذي صعد على السطح ليصلي فتعلم من الرؤيا أن الله محب للبشر جميعا، ليس بينهم من هو نجس أو دنس (أع 10: 9). وفي الساعة التاسعة يتذكر كيف غسل الرب خطايانا بدمه على الصليب، وإعلان كمال نصرته بألامه. وفي الغروب نذكر شوقنا إلى وجود المسيح – شمسنا – في داخلنا وعدم غروبه عنا. وفي صلاة باكر نتذكر قوة قيامته.
ثالثا: القيس أثناسيوس الرسولي (القرن الرابع)
في المقال De Virginitate المنسوب للقيس أثناسيوس الرسولي، يعطي الكاتب تعليلا للالتزام بهذه الصلوات. تصلي وقت الساعة الثالثة لأنه في هذه الساعة جاءوا إليه بالخشبة ليحملها، وفي السادسة رفع على الصليب من أجلنا، وفي التاسعة لم الروح.
كما قدم تعليلا لصلاة النوم، حيث نذكر أن الرب نزل إلى عالم الراقدين فنسبح معهم مبتهجين بخلاصة. وفي نصف الليل نذكر قيامته من الأموات”.
رابعا: القيس باسيليوس الكبير
أكد أهمية هذه الصلوات لنمونا الروحي قائلا: ينبغي على الذين اختاروا أن يعيشوا حياتهم ساهرين لمجد الله ومسيحه ألا يسقطوا أو يهملوا إحدى هذه الصلوات”. وتعرض لأهميتها هكذا:
صلاة باكر (أو الفجر): باكر هو بدء نشاط النفس والعقل، فتصلي حتى يكون كل ما في داخلنا مكا للرب. يقول المرل: “باكرا تسمع صوتي، بالغداة أقف أمامك وتراني” (مز 5: 3).
الساعة الثالثة: ننكر عطية الروح القدس للكنيسة، فنسأله أن يعمل في حياتنا: “قلبا نقيا اخلق في يا الله، وروحا مستقيما جدده في أحشائي” (مز 50LXX ).
والساعة السادسة: إذ يحارب الإنسان شيطان الظهيرة (حيث الخمول والضجر) تصلي كي ننجو منه (مز ۹۰)
الساعة التاسعة: هذه الصلاة هي تسليم رسولي، حيث صعد الرسولان بطرس ويوحنا إلى الهيكل ليصليها في وقت الساعة التاسعة (أع ۳: ۱).
الغروب: نشكر الله من أجل عطاياه وما صنعه فينا من صلاح طوال النهار مع اعترافنا بعجزنا. و النوم (بدء الليل): تصلي لكي تكون لنا راحة بغير انزعاج أو خيالات.
ونصف الليل: تسلمناها كضرورة بواسطة القديسين بولس وسيلا وهما في السجن (أع 16: 5).
يقول المرتل: “في نصف الليل نهضت لأشكرك على أحكام عدلك” (مز ۱۱۹: ۲۲).
يضيف القديس باسيليوس صلاة ما قبل الفجر” إذ يقول المرتل: “سبقت عيناي وقت السحر لأتلو في أقوالك” (مز ۱۱۹: ۹۲).
يرى القديس باسيليوس الكبير وغيره من آباء الكنيسة دور المزامير في حياتنا الروحية التي تعمل فينا هكذا:
أولا: تقدم المزامير عذوبة في طريق الفضيلة الوعر، إذ يقول القديس باسيليوس الكبير: يرى الروح القدس بوضوح وعورة الطريق إلى ممارسة الفضيلة. يرى كيف يميل الجنس البشري المزامير هي غناء منظوم فيها الحق، لصغار السن وصغار النفوس، وإن كان الإنسان ينسى سريعا كلمات الوعظ والنبوة، إلا أنه لا ينسى المزامير التي يريدها كثيرا، في البيت، وفي الخارج. وترتيل المزامير يطرد الغضب الذي يجعل من الإنسان حيوانا مفترا، ويسرق منه سلامه، ويملأه ثورة. التسبيح بمزمور يجلب هدوء للروح، فنستقر في سلام، كما يهدئ عواصف أفكارنا العنيفة. فهو يسيطر على الشهوة، ويطفئ النار التي في صدورنا قبل أن تلتهب. أتريدون أن ترتبطوا بصداقة وتصالحوا المتخاصمين ويغفر الأعداء لبعضهم البعض؟ رنموا مزمورا (مز 96: ۱). كيف يمكن لأحد أن يحتضن عداوة لآخر يلتصق به وهو يبيح الله بصوت واحي؟ الحب هو أعظم صلاح من الكل، والتسبيح بالمزامير يجلب الحب، لأنه يقم نوعا من رباط الوحدة، إذ يجمع الشعب مقا في خورس واحي متناغم… إنه نقطة البداية للمبتدئين، وعون للذين هم بالفعل في الطريق، ومصدر القوة للبالغين. إن كان التسبيح بمزمور يجلب حزنا، فهو حزن إلهي، لأن المزمور يقدر أن يهب دموعا للقلب الحجري!
ثانيا: تهب المزامير النفس سلاما داخليا، إذ يقول القديس باسيليوس الكبير: المزامير تهب النفس الطمأنينة وتعطيها السلام وتهدئ فيها بلبلة الأفكار وتراكم الشهوات. هذا الكتاب هو كتاب المحبة… هو سلاح ضد الشيطان… هو سبب راحة بعد تعب النهار… هو تعزية الشيوخ هو باعث أفراحنا وأحزاننا المقدسة… هو نشيد رائع، هو صوت الكنيسة، هو بخور زكي الرائحة.
ثالثا: تقدم المزامير لكل شخص ما يناسبه من دواء للنفس. يقول القديس باسيليوس الكبير : “كل الكتاب موحى به من الله، ونافع” (۲ تي 3: 16). كتب بواسطة الروح القدس، لكي تجد نفوسنا كل نوع من الدواء لشفائها، مهما كان عددنا، ومنه تختار الدواء المناسب لحالتها. لأن العلاج يسكن خطايا عظيمة (جا 10: 4). يقم الأنبياء نوعا واحدا من التعليم، وتقدم الكتب التاريخية نوعا آخر، والناموس آخر، ويوجد نوع آخر في حكمة الأمثال، أما سفر المزامير ففيه خلاصة كل الفوائد التي جاءت فيها جميعا. فهو يتنبأ عن المستقبل، ويشير التاريخ، ويحدد قوانين لتجديد الحياة، ويوصي بما ينبغي عمله. باختصار هذا السفر هو نوع من الدليل للتعاليم الصالحة في كل شيء والنافعة لكل أحد. يضمد الجرح الحديث، فيشعر المريض بالتحسن، وهو يعطي شفاء للمريض، ويحفظ القائمين. وخلاصة الأمر يرفع حرب الشهوات التي تنس النفس بطرق كثيرة، ويجذبها بالفرح والتسبيح، لتنمو في الحكمة.
كما يقول: المزامير تطرد الشياطين، وتجلب لنا معونة الملائكة. هي سلاح في فزع الليل، راحة من عناء اليوم. هي الأمان للأطفال، وزينة للكبار، عزاء الشيوخ، وزينة النساء. هي حكمة الساكنين في البراري، معلمة التجار، نمو النامين، سند الكاملين.
إنها صوت الكنيسة، فهي تضفي الفرح على الأعياد، وتبكت الضمير. المزمور يجعل النفوس الحجرية تبكي، والمزمور هو عمل الملائكة، وهو حياة السمائيين، وهو البخور الروحاني.
جاءت بترتيب حكمة إلهية، ليجعلنا نرتل وتعلمنا كل ما هو مفيد. تستقر المزامير في الفهم، فما تتعلمه بالتغصب سرعان ما يتلاشى، بينما تستقر في داخلك جاذبية التلذذ بالمزامير.
لماذا لا تحفظ المزامير؟ فتجد فيها الشجاعة والعدل وكمال الحكمة، والطريق إلى التوبة، وكمال الصبر. فيها كل ما هو مفيد، فيها كمال علم اللاهوت، ونبوات عن مجيء المسيح في الجسد، ورجاء القيامة، والخوف من العقوبة، والوعد بالمجد، والكشف عن الأسرار، نجد كل هذا المخزون في المزامير، كما في مخزني يفتح أبوابه أمام الجميع.
رابعا: المزامير هي إحدى السهام التي تطعن بها الشياطين وتقتلهم. يقول القيس مار اسحق السرياني: لخدمة المزامير، والصلاة الربانية لأبينا السماوي، وصلاة التلاوة التي يرتجلها الإنسان ويطلب بها الرحمة والعون والخلاص، هذه الثلاثة مثل ثلاثة سهام بها تطعن الشياطين وتقتلهم.
خامسا: تسند المؤمن في عدم تشتيت الفكر. يقول القديس أوغريس: عظيم هو أن تصلي بدون تشتيت الفكر، وأعظم أن تسبح بالمزامير بلا تشتيت.