هل الله هو الذي كان يهدي شعبه (خر 13: 21، 22) أم أن حوباب هو الذي كان يقودهم (عد 10: 29 – 32)؟ وهل كانوا يسيرون نهارًا وليلًا؟
يقول ليوتاكسل ” أن غيمة سماوية وقفت على رؤوس اليهود وقادتهم ليلاً نهاراً : في النهار كانت الغيمة عموداً من دخان أسود، وفي الليل عمود نار، ويقول الكتاب ” أن يهوه نفسه كان يختبئ في العمودين “، وفي الصحراء، كان لطريقة القيادة هذه إمتيازات عدة، كما كانت لها عيوبها أيضاً، ومنها أنه لم يكن بإستطاعة اليهود أن يأخذوا أي قسط من الراحة خلال مسيرتهم، لأن الغيمة كانت تسير وتسير غير عابئة في العمل؟ هل يمكن ترك ذلك الدليل ” (1).
(1) التوراة كتاب مقدَّس أم جمع من الأساطير ص 178 ، 179
حلمي القمص يعقوب
1- يقول سفر الخروج ” وكان الرب يسير أمامهم نهاراً في عمود سحاب ليهديهم في الطريق وليلاً في عمود نار ليضئ لهم لكي يمشوا نهاراً وليلاً. لم يبرح عمود السحاب نهاراً وعمود النار ليلاً من أمام الشعب ” (خر 13 : 21، 22) والسحاب والنار يشيران للحضور الإلهي، فالسحاب يشير للنقاوة والخير، والنار تشير للتطهير والتنقية، وكان العمود الذي يظهر ليلاً ونهاراً هو عمود واحد، ففي النهار يبدو في شكل سحاب، وفي الليل في شكل نار، وأحياناً كان يتخذ المظهرين أي السحاب والنار في آن واحد، وكان أحياناً يتقدم الشعب، وأحياناً يظلل عليهم، وفي وقت الخطر كان ينتقل خلفهم ليفصل بينهم وبين الأعداء (خر 14 : 19 – 20).
2- لم يكن على بني إسرائيل السير ليلاً نهاراً بصفة متواصلة، ولكن كان الله يرشدهم في تحركاتهم، فأحياناً يسيرون نهاراً، وأحياناً أخرى يسيرون ليلاً، وهذا ما عبر عنه الكتاب ” لكي يمشوا نهاراً وليلاً ” فسواء ساروا نهاراً أو ليلاً فالله حاضر في وسطهم.
3- أوضح سفر العدد أن عمود السحاب والنار لم يفارق الشعب، وأن الشعب كان يسير بحسب إرشاد الرب لهم ” ومتى إرتفعت السحابة عن الخيمة كان بعد ذلك بنو إسرائيل يرتحلون. وفي المكان حيث حلَّت السحابة هناك كان بنو إسرائيل ينزلون.. حسب قول الرب كانوا ينزلون وحسب قول الرب كانوا يرتحلون وكانوا يحرسون حراسة الرب حسب قول الرب بيد موسى ” (عد 9 : 17، 23) وقد تم تأكيد هذا المعنى (عد 9 : 15 – 23، 10 : 34) أما طلب موسى من حوباب بن يثرون أن يصاحبهم في ترحالهم فقال له ” إننا راحلون إلى المكان الذي قال الرب أعطيكم إياه.. لا تتركنا لأنه بما أنك تعـرف منازلنا فـي البرية تكون لنا كعيونٍ ” (عد 10 : 29، 32) ولم يذكر الكتاب هل حوباب صاحبهم أم لا؟، ولكن صمته ربما يعني رضاءه، وبذلك إستفاد موسى من خدماته، فعمود السحاب يحدد المنطقة، وحوباب بخبرته بدروب الصحراء وشعابها يساعد في إختيار الطريق الآمن السهل الممهد.
4- يقول الأرشيدياكون نجيب جرجس ” رغم أن موسى وشعبه كانوا يسترشدون بعمود السحاب والنار ويتبعونه، فإنه مع ذلك طلب معاونة حوباب لكي يرشده بخبرته عن طبيعة الأماكن المختلفة، وعما بها من مراعٍ وعيون ماء وواحات ومرتفعات ومنخفضات، وما يحيط بهم من شعوب وهكذا. إن إتكالنا على نعمة الله وعمله معنا ومعاونته لنا لا يمنع من أن نستفيد بذوي الخبرة والمواهب من الناس ” (1).
5- حتى لو إعتبرنا أن طلب موسى هذا من حوباب ليصاحبهم نوع من الضعف البشري فإن هذا بلا شك لا يعيب الكتاب المقدَّس، ويقول أبينا الحبيب القمص تادرس يعقوب ” إن كانت دعوة موسى هذه حملت نبؤة وإتساع قلب وحباً، لكنها أيضاً حملت نوعاً من الضعف، ففيه مجاملة لأقربائه حسب الجسد.. بالرغم من التأكيدات الإلهيَّة لموسى أن الله هو الذي يقود شعبه ويسندهم في كل خطوة يقول لحوباب { لا تتركنا لأنه بما أنك تعرف منازلنا في البرية تكون لنا كعيون } (عد 31).. أراد أن يكون لهم كعيون في البرية مع أن الله هو الذي يقودهم ” (2).
(1) تفسير الكتاب المقدَّس – سفر العدد ص 16.
(2) تفسير سفر العدد ص 59