من هما فرعون الاضطهاد وفرعون الخروج؟ ومتى خرج بنو إسرائيل من مصر؟
هل نسيت كلمة المرور؟ الرجاء إدخال بريدك الإلكتروني، وسوف تصلك رسالة عليه حتى تستطيع عمل كلمة مرور جديدة.
أول وأكبر موقع للأسئلة والأجوبة المسيحية والذي يخدم جموع الشعب الناطقين باللغة العربية في كل بقاع العالم.
لم يذكر سفر الخروج إسمي فرعون الإضطهاد وفرعون الخروج، وإكتفى موسى النبي بالإشارة لملك مصر على أنه فرعون، لأن اليهود المعاصرين له كانوا يعلمون جيداً إسم كل منهما، وقد إختلفت الآراء في تحديد شخصية كل منهما، أو بمعنى آخر إختلفت الآراء في تحديد زمن الخروج، ومن الملاحظ أن هناك شبه إتفاق على تاريخ دخول بني إسرائيل إلى مصر فـي عصر الهكسوس0 أما سبب الخلاف في ميعاد الخروج، فيرجع إلى المفاهيم المختلفة للمدة التي قضاها بنو إسرائيل في مصر، فالذين يعتقدون أنهم أمضوا في مصر فقط أربعمائة عام يصلون بتاريخ الخروج إلى القرن الثالث عشر قبل الميلاد، ويقول الدكتور سيد القمني ” ويظن المؤرخون أن بداية بني إسرائيل الحقيقة، هي مع رحلة الخروج حوالي 1200 ق.م، بعد أن قضوا في مصر حوالي أربعة قرون ” (1)0 أما الذين يعتقدون بأن بني إسرائيل أمضوا 430 سنة في كل من كنعان ومصر، فهم يصلون بتاريخ الخروج إلى القرن 15 ق.م.
ويقول الأستاذ سليم حسن ” أما تاريخ خروج بني إسرائيل فلا يمكن تحديده بصفة قاطعة، ومن هنا جاء الإختلاف في وضع تاريخ هذه الحادثة في أزمان متباعدة .. فقد وصفه البعض قبل عصر ” أمنحتب الثالث ” ووصفه آخرون في عهد ” رعمسيس الثاني ” غير أن كلا من الأستاذ ” نافيل ” و ” بتري ” و ” سايس ” وغيرهم قد إتفقت آراؤهم على أن خروج بني إسرائيل قد حدث في عهد الفرعون ” مرنبتاح ” فيقول الأستاذ ” نافيل ” (راجع Archealogy Of The Old Testament 1913 P. 93) : إني لا أزال مُسلّماً بوجهة النظر التي أدلى بها ” لبسيوس ” عن موضوع خروج بني إسرائيل – وهي التي يقتفيها معظم الأثريين – إن مضطهد اليهود هو ” رعمسيس الثاني ” الذي كان حكمه الطويل بداية إنحلال الإمبراطورية المصرية، وأن الفرعون الذي ينسب إليه خروج بني إسرائيل هو إبنه ” مرنبتاح “. أما الأستاذ ” سايس ” فيقول : أن الآثار المصرية تحصر هذه الحادثة في حكم الفرعون ” مرنبتاح ” .. ” (1).
فمن أشهر الآراء في تحديد زمن الخروج رأيان، أحدهما أن فرعون الإضطهاد وهو ” تحتمس الثالث ” عدو الساميين وفرعون الخروج خليفته ” أمينوفيس “، والرأي الآخر يقول أن فرعـون الإضطهاد هـو ” رمسيس الثاني ” ذ
وفرعون الخروج هو خلفـه ” مرنبتاح “، ويقول الخوري بولس الفغالي أن هناك ” نظريتين رئيسيتين : الأولى تجعل عملية النزوح تتم في القرن 15 ق.م، أي في أيام السلالة 18. والثانية تجعلها تتم في القرن 13، وتستند الثانية إلى ما نعرفه عن الأبنية الضخمة التي قامت بها السلالة 19 في مدينة رعمسيس وغيرها. أيكون التضييق على العبرانيين قد حدث في عهد رعمسيس الثاني (1290 – 1224 ق.م) ونزوحهم في عهد منفتاح (1224 – 1204 ق.م) ؟ الأمر ممكن ” (2).
وقد ساق كل أصحاب رأي الأدلة التي تثبت صحة رأيهم، وهاك عرض سريع لهذين الرأيين :
الرأي الأول : فرعون الإضطهاد هو ” تحتمس الثالث ” وفرعون الخروج هو ” أمينوفيس ” (أمنحوتب الثاني) :
تحتمس الثالث هـو من ملوك الأسرة 18، ويُعرف في التاريخ بأنه عدو الساميين، فهو الذي أصدر قراراً بقتل أطفال بني إسرائيل من الذكور، ويحدد المؤرخون مُلكِه بالفترة من 1490 – 1436 ق.م، وقد خلفه أمينوفيس خلال الفترة من 1436 – 1413 ق.م. وصاحب هذا الرأي الأول هو دانييل روبس Daniel Rops في كتابه ” شعب التوراة ” Le Peuple de la Bible وقد إعتمد دانييل في فرضه هذا على أساس أن تحتمس الثالث كان شديد القومية0 إذاً هو الذي إضطهد العبرانيين لأنهم من الساميين مثل الهكسوس الذين إحتلوا مصر نحو مائة وخمسين عامأ. وقال بهذا تكون الملكة حتشبسوت هي التي إلتقطت موسى وربته في القصر (راجع د. موريس بوكاي – القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم ص 259) ويقول دانييل روبس ” أن التوراة قد أشارت إلى فرعونين واحد إضطهد إسرائيل والآخر هو فرعون الخروج الأول إذاً هو تحتمس الثالث .. وتحت حكم إبنه أمنحوتب الثاني (أمينوفيس) قام موسى بإخراج إسرائيل بين عامي 1450 و 1420 ق.م تقريباً ” (1).
وأيد هذا الرأي أيضاً الدكتور المصري عالِم الآثار ” لبيب حبشي ” كما غلّبت الكثير من كتب التفاسير هذا التاريخ (راجع القمص تادرس يعقوب – تفسير سفر الخروج ص 7، التفسير التطبيقي ص 127، وهنريتا ميرز – مقدمات الأسفار لجميع الأعمار ص 37 .. إلخ).
ومن الأدلة التي إعتمد عليها أصحاب هذا الرأي :
أ – أن هذا الرأي هو الأقرب لما جاء في سفر الملوك ” وكان في السنة الأربع مئة والثمانين لخروج بني إسرائيل من مصر في السنة الرابعة لملك سليمان على إسرائيل في شهر زيو وهو الشهر الثاني. أنه بُني بيت الرب ” (1 مل 6 : 1) وحيث أن سليمان ملك 970 ق.م إذاً السنة الرابعة من ملكه هي 967 أو 966 ق.م وبإضافة 480 من وقت الخروج للسنة الرابعة لملك سليمان 967 + 480 = 1447 ق.م تقريباً وقال البعض أن هذا التاريخ قد يمثل نهاية حكم تحتمس الثالث وبداية حكم أمينوفيس.
ب – عندما إرتقى تحتمس الثالث العرش كان أميراً صغيراً فشاركته الحكم حتشبسوت إبنـة تحتمس الأول (1525 – 1495 ق.م) فقالوا أنها هي التي ربت موسى، وأيد م0 ف يونجر M.F. Unger هذا الرأي، كما يقول ” جون جار ستانج ” .. ” إنه قد كُشِف في مقابر أريحا الملكية ما يشير إلى أن موسى قد إنتشلته من الماء الأميرة المصرية ” حتشبسوت ” عام 1527 ق.م على وجه التحقيق. وإنه تربى في بلاطها بيـن حاشيتها. ثم فرَّ من مصر حيث جلس على العرش المصري تحوتمس الثالث ” (1).
جـ- وُجد في تل العمارنة رسائل مرسلة من بعض الحكام المصريين الذين في أرض كنعان يشكون فيها من إستيلاء العبيرو (العبرانيين) على حصون الملك ويرجع تاريخها إلى عصر أخناتون (أمنحتب الرابع) (1383 – 1366 ق.م) وهذا يقابل تقريباً عصر يشوع بن نون وإستيلائه على أرض كنعان.
د – ذكر مانيتو Manetho (القرن الثالث ق.م) أن الملك أمينوفيس الثاني قد طرد الإسرائيليين إرضاءً للآلهة إذ أراد تطهير البلاد من البُرَّص وجميع النجسين، وجاء في دائرة المعارف الكتابية ” .. هذه المعلومات التاريخية تبرر القول بأن الخروج حدث في زمن الأسرة الثامنة عشرة، وهو شئ محتمل في ذاته، حيث أن حكام هذه الأسرة المقتدرين قد ساروا على خطة جديدة في تعاملهم مع هذه المنطقة0 وبذلك يكون الذي فرض السخرة على إسرائيل هو تحتمس الثالث (حسب رأي ماير، من سنة 1501 – 1447 ق.م) وأن الخروج قد حدث في عهد خلفه أمينوفيس الثاني ويتفق مع هذا ما سجله مانيثون المؤرخ من أن ” البُرَّص ” (ويقصد بهم الإسرائيليين) قد طردهم الملك أمينوفيس ” (2).
هـ- تم إكتشاف لوحة حائطية يظهر فيها بعض العبيد الذين يصنعون الطوب من طمي النيل ويخلطونه بالتبن، وكُتب على اللوحة ” العصا في يدي لا تكن متكاسلاً ” كما عثر في معبد الأقصر على لوح صخري سجل عليه ” مرنبتاح ” إبن رمسيس الثاني أنه قد صد الغزاة، وإنه ضرب شعب إسرائيل، مما يؤكد أن بني إسرائيل كانوا موجودين في أرض كنعان قبل عصر مرنبتاح بزمن طويل.
ويرى زينون كوسيدوفسكي أنه بالرغم من أن غالبية العلماء يُرجحون أن الخروج تم في منتصف القرن الثالث عشر قبل الميلاد، غير أن الإكتشافات الأثرية أكدت أن أريحا سقطت في القرن الرابع عشر قبل الميلاد، فيقول ” قد أثبتت البعثة البريطانية أن أريحا دُمرت فعلاً. لكن اللوحات والأنقاض تدل على أن ذلك الدمار حصل في القرن الرابع عشر ق.م وليس في القرن الثالث عشر ق.م ” (1).
و – يقول جوش مكدويل ” إعتمد التاريخ المصري القديم على تاريخ الملوك، ولكن ” كورفيل ” أوضح أن قائمة ملوك مصر لا يجب النظر إليها كعمل مكتمل. فهو يعتقد أن بعض الملوك المذكورين في القائمة لم يكونوا بالفعل فراعنة، لكنهم كانوا موظفين من الطبقة العليا .. وبتفعيل هذا النظام الجديد يكون تاريخ الخروج حوالي 1450 ق.م. وهذا يجعل التواريخ الإسرائيلية الأخرى تتناسب مع الملوك المصريين. هذا الدليل ليس نهائياً، لكن لم يعد هناك أية أسباب تدعـو إلـى المطالبة بوقت متأخر لحادث الخروج ” (Geisler, BECA , 51) ” (2).
وهناك إعتراضان على هذا الرأي تم الرد عليهما :
أ – قاد تحتمس الثالث 63 حملة حربية، وخضعت كنعان لمصر خلال عصر الأسرة الثامنة عشر (التحامسة) والأسرة التاسعة عشر (الرعامسة) فلو غزا يشوع أرض كنعان لتدخلت مصر. ويقول ليوتاكسيل عن الخروج ” وهو الحدث الذي ينسبه اللاهوتيين إلى بداية القرن الخامس عشر قبل الميلاد، فيجب أن يكون قد حدث في عهد الفرعون تحوتمس الثالث أو أمنحوتيب الثالث. ولكن تاريخ حكم هذين الفرعونين لا يتوافق مع رؤية سفر الخروج. فقد أخضع هذان الملكان الجباران لسلطتهما كلا من : أثيوبيا، شبه جزيرة العرب، بلاد الرافدين، كنعان، نينوى، وجزيرة قبرص. كما كان الفينيقيون والأرمن من أتباعهم ” (1).
وتم الرد على هذا الإعتراض بأن سلطان بني إسرائيل إمتد على الجزء الداخلي من أرض كنعان، أما ساحل البحر فقد كان خاضعاً من جهة الجنوب لعشائر الفلسطينيين القومية، وكذلك الشمال حيث مملكة صور وصيدا، ولم يقترب يشوع بن نون من ساحل البحر.
ب – ترجـع مدينـة رعمسيس التـي بناهـا بنو إسرائيل إلى عصر رمسيس الثاني (1304 – 1227 ق.م) وهذا يعني أن الخروج لم يتم قبل هذا العصر.
وتم الرد عى هذا الإعتراض بأنه من الممكن أن تكون مدينة رعمسيس بُنيت في عصر سابق، وتجددت في عصر رمسيس الثاني فنُسبت إليه، وهذا أمر متعارف عليه في الحضارة المصرية القديمة.
الرأي الثاني : فرعون الإضطهاد ” رمسيس الثاني ” وفرعون الخروج هو ” مرنبتاح “
ورمسيس الثاني هو ثالث ملوك الأسرة التاسعة عشر، فرمسيس الأول هو مؤسس هذه الأسرة، وقد تولى بعده سيتي الأول (1319 – 1301 ق.م) وإسم سيتي مرتبط بإسم الإله ست، ثم حكم إبنه رمسيس الثاني الذي أرخ له البعض بالفترة من 1301 – 1234 ق.م، وأرخ له آخرون بالفترة 1290 – 1224 ق.م وكان محارباً عظيماً وفي عهده حدثت معركة قادش 1286 ق.م على نهر العاصي بين الحثيين والمصريين، وإن لم يتحدد من هو المنتصر، إلاَّ أن رمسيس الثاني كان يميل لتصوير نفسه بالمنتصر، وما يمكن أن يقال أن هذه المعركة قد حسمت الصراع بين الحثيين والمصريين، وإنتهت بعقد صلح بينهما وتزوج رمسيس الثاني مـن إبنــة الملك الحثي ” حاتوسيل ” وتم الخروج في عصر مرنبتاح إبن رمسيس الثاني، ومن الأدلة التي إعتمد عليها أصحاب هذا الرأي :
أ – كان رمسيس الثاني مهووساً بحب البناء والعمران، حتى أنه أزال أسماء الفراعنة السابقين عن الأبنية التي بنوها، ونقش إسمه عليها، وكان لـه مشاريعه الجبارة، التي إستغل فيها الأجراء وأيضاً بني إسرائيل، فبنوا له مدينتي رعمسيس وفيثوم، وقد تم إكتشاف نقوش لرمسيس الثاني جاء فيها ” أنا بنيت فيثوم ” كما تم إكتشاف لبنات عليها إسم رمسيس الثاني بعضها مخلوط بالتبن وبعضها بدون تبن، وهذا يعكس ما جاء في (خر 5 : 10 – 12) كما أنشأ رمسيس الثاني معبد أبو سمبل الذي حفره في الجبل (والمطل حالياً على بحيرة السد العالي بعد نقله من مكانه الأصلي) وفي مدخله وضع أربعة تماثيل له يصل إرتفاع كل منها نحو 20 متراً. كما شيَّد معبد طيبة في الأقصر.
ب – جـاء فـي برديات ترجـع إلـى عصـر رمسيس الثاني قصص عن العبيرو (العبرانيين) الذين يجرون الحجارة الضخمة لبوابة معبد الملك رمسيس الثاني، وقصص أيضاً عمن يصنعون الطوب بدون تبن.
جـ- تم تسجيل إنتصار مرنبتاح على إسرائيل على شكل قصيدة نقشت على لوحة تذكارية من الجرانيت الأسود، وقد إكتشفها الأستاذ ” فلندر بتري ” في المعبد الجنائزي بطيبة، ودُعيت هذه اللوحة بلوحة إسرائيل وجاء فيها ” وإسرائيل قد خربت وإنقطعت بذرتها ” وتعتبر هذه أول إشارة صريحة لإسرائيل، ولا تأتي إشارة أخرى لإسرائيل إلاَّ بعد أربعة قرون من هذا التاريخ. وقد تُرجمت العبارة السابقة على عدة أوجه :
فقد ترجمهـا ” جرفث ” إلى ” وقوم إسرائيل قد صاروا قفراً ومحاصيلهم قد ذهبت “
وترجمها ” بتري ” إلى ” وقوم إسرائيل قد أُتلفوا وليس لديهم غلة “
وترجمها ” نافيل ” إلى ” وإسرائيل قد مُحي وبذرته لا وجود لها “.
ويقول الأستاذ سليم حسن ” إذا قبلنا ترجمة الأستـاذ ” نافيـل ” ورأيه في كلمة ” بذرة ” فإنه يصبح من الطبيعي إذاً أن يقول : أن النقش يشير هنا إلى خروج بني إسرائيل ومعهم أولادهم وكل ما يتبعهم، ومن ثم أصبح لا وجــود لهـم بالنسبة لمصر (راجع Jer XX1 , 3-6) والواقع أن ما جاء في متن هذه اللوحة على ما يُظن يعد سجلاً معاصراً لخروج بني إسرائيل مع حوادث أخرى، كما يدل دلالة واضحة على أنه قد وقع في السنة الخامسة من عهد ” مرنبتاح ” كما يعتقد ” نافيل ” .. ” (1).
وقال ” نافيل ” .. ” أن النقش يشير هنا إلى خروج بني إسرائيل، وكذلك يعني أنه طرد من أرض مصر جنس أجنبي من البدو يدعى إسرائيل ومعهم أولادهم وكل ما يتبعهم، ومن ثمَّ يصبح لا وجود لهم بالنسبة لمصر ” (2) فقد سجل الفنان المصري خروج بني إسرائيل من مصر كأنه طرد وليس خروج منتصر، وربما يتفق هذا مع ما جاء في سفر الخروج ” ثم قال الرب لموسى ضربة واحدة أيضاً أجلب على فرعون وعلى مصر وبعد ذلك يطلقكم من ههنا. وعندما يطلقكم يطردكم طرداً من ههنا بالتمام ” (خر 11 : 1).
وقال الدكتور عبد الحميد زايد ” أما نتائج حفر montet في تانيس أي P1 – ramses (رعمسيس) تدل على صحة الرأي القائل بوقوع خروج اليهود في عصر مرنبتاح. لقد كانت رعمسيس على ما يظهر من خلق رمسيس الثاني وليست من عمل ملك آخر0 ويميل جمهرة العلماء إلى ترجيح خروج بني إسرائيل من مصر في الأيام الأولى لعهد مرنبتاح ” (3).
كما قال الدكتور محمد مهران ” أن الرأي الذي يجعل خروج بني إسرائيل في عهد مرنبتاح .. إنما هو أقرب الآراء إلى الصواب وهو الرأي الذي نميل إليه ونرجحه على أن يكون الخروج في العام الأخير من حكم مرنبتاح ” (4).
ويقول دكتور موريس بوكاي الذي طالما هاجم الكتاب المقدس أن ” ماسبيرو ” Maspero عالِم الآثار الشهير ذكر في كتابه ” دليل زائر متحف القاهرة ” سنة 1900 م أن منبتاح Mineptah خليفة رمسيس الثاني هو فرعون الخروج كما جاء في قول مأثور أسكندري الأصل، وأنه هو الذي هلك في البحر حسبما يقال، ورغم عدم توفر الوثائق التي أسس عليها ماسبيرو زعمه، لكن جدية الكاتب تفرض علينا أن نعلق قيمة كبيرة على قوله (راجع القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم ص 258).
وجاء في دائرة المعارف الكتابية ” مازال الإعتقاد السائد هو أن رمسيس الثاني هو فرعون الإضطهاد، وقد كان هذا الملك شديد الولع بتشييد المباني بصورة خارقة، وقد حدَّد ” إدوارد ماير ” تاريخ ملكه الطويل من 1310 – 1244 ق.م وبهذا يكون إبنه منفتاح هو فرعون الخروج. ولكن إن إفترضنا هذا، فإن التسلسل التاريخي للكتاب المقدَّس لا يواجه صعوبات خطيرة فحسب، بل يلزم تجزئة سفر القضاة إلى أجزاء صغيرة جداً وهناك أيضاً معلومات تاريخية محددة تؤيد تاريخاً مبكرة لخروج إسرائيل، فإن الملك منفتاح يفخر في أحد النقوش بأنه في إحدى حملاته على سوريا حطم رجال إسرائيل (وهنا يُذكر إسم إسرائيل لأول مرة في أحد الآثار المصرية) ” (1).
ويقول القس صموئيل يوسف أن هذا الرأي يقف ضد اللوحة الأثرية التي تم إكتشافها، وسُجل عليها ما يفيد إنتصار مرنبتاح على الإٍسرائيليين في فلسطين 1229 ق.م، فكيف يخرج بني إسرائيل في عصر مرنبتاح الذي تولى الحكم سنة 1234 ق.م، وبعد نحو أربع أو خمس سنوات أي سنة 1229 ق.م يسعى نحوهم في فلسطين ورغم أن المدافعين عن هذا الرأي قالوا بأن الذين إنتصر عليهم مرنبتاح من بني إسرائيل لم يكونوا في مصر، وبالتالي لم يشتركوا في رحلة الخروج، ولكن رأيهم لم يقنع الكثيرين (راجع المدخل إلى العهد القديم ص 130).
وهناك إعتراضان على هذا الرأي الثاني :
أ – أن هذا الرأي يتعارض مع ما جاء ذكره في سفر الملوك بأن السنة 480 للخروج تقابل السنة الرابعة لحكم سليمان (1 مل 6 : 1) وللخروج من هذا المأزق قال أصحاب هذا الرأي أن كاتب سفر الملوك أعتبر أن الجيل يمثل 40 سنة، فالمدة 480 سنة تساوي 12 جيلاً، بينما الجيل يمثل 25 سنة فقط إذاً المدة هي 25 × 12 = 300 سنة وليس 480 سنة وبإضافتها لتاريخ السنة الرابعة من ملك سليمان وهي 966 أو 967 سنة إذاً تاريخ الخروج هو 967 + 300 = 1267 ق.م.
ب – في منتصف القرن التاسع عشر أكتشف أعرابيان أنفاقاً محفورة في الصخر، وعُثر فيها على 37 مومياء ملكية ضمن توابيت خشبية لحفظها من السرقة، ومن بينها مومياء سيتي الأول وإبنه رمسيس الثاني وعدد آخر من الفراعنة ونساءهم وبناتهم، وفي سنة 1898 م تم إكتشاف مقبرة جماعية أخرى في وادي الملوك تحوي 14 مومياء ملكية منها مومياء مرنفتاح خليفة رمسيس الثاني (راجع زينون كوسيدوفكسي – الأسطورة والحقيقة في القصص التوراتية ص 125، 126) وقال أصحاب هذا الرأي ربما بعد غرق مرنفتاح تم إنتشال جثته وتحنيطها، وقال الدكتور موريس بوكاي أن مومياء منبتاح إكتشفها ” لوريت ” Loret سنة 1898 بوادي الملوك بطيبة، ونقلت للقاهرة، ورفع إليوت سميث Elliot Smith عنها أربطتها في 8 يوليـو 1907م وأصـدر عنهـا كتابه ” المومياء الملكية ” سنة 1912م وأن المومياء معروضة في متحف القاهرة. كما يقول بوكاي أنه فحص هذه المومياء سنة 1975م مع الدكتور المليجي والدكتور رمسيس والدكتور مصطفى المنيلاوي فرأوا أن حالتها في الستين سنة الماضية قد تدهورت، بينما أحتفظت بكيانها أكثر من ثلاثة آلاف سنة من قبل، ويقول بوكاي عنها ” أنها شهادة مادية في جسد محنط على من عرف موسى، وعارض طلباته، وطارده في هروبه، ومات في أثناء هذه المطاردة وأنقذ الله جثته من الهلاك التام ليصبح آية للناس كما هو مكتوب في القرآن ” (1) [ ذكر القرآن موقفين لفرعون أنه غرق وأنه نجا من الموت، وهذا ما سنتعرض له في إجابة السؤال رقم].
وأراد البعض أن يوفق بين الرأيين السابقين من جهة تاريخ خروج بني إسرائيل من أرض مصر، فقال بخروجين أحدهما ” خروج الطرد ” وهذا حدث مع طرد الهكسوس نحو سنة 1550 ق.م، والآخر ” خروج الهرب ” الذي حدث بقيادة موسى النبـي، نحـو 1250 ق.م. وفي هذا يقول الخوري بولس الفغالي عن خروج الطرد ” وبعد صراع طُرد الهكسوس، لكن لم يخرج هؤلاء الملوك الغرباء وحدهم، بل خرج معهم البدو الأسيويون الذين أقاموا في مصر مع تسلط الهكسوس عليها، وكان بين هؤلاء البدو عدد من العشائر العبرانية. وهكذا نستطيع أن نتحدث عن خروج أول من مصر، هو خروج بشكل طرد وترحيل، وقد حدث حوالي 1550 ق.م ” (1).
ثم يقول الخوري بولس الفغالي عن خروج الهرب ” وبعد أن ذاقت جماعة يوسف (وغيرهم) الأمرّين في أيام رعمسيس الثاني، خرجوا من مصر حوالي السنة 1250 على يد موسى. فكان هذا الخروج إيذاناً بولادة شعب جديد وبدءاً بالتاريخ المقدس ودخل الشعب أرض كنعان بين سنة 1220 و 1200 ق.م، وعاشوا في أيام القضاة الذين كان آخرهم صموئيل ” (2).
كما أنه بالإضافة إلـى الرأيين السابقين هناك بعض الآراء الأخرى الضعيفة مثل :
أ – فرعون الخروج هو تحتمس الثاني :
يقول د. موريس بوكاي ” ج. دي ميسلي J . De Miceli (1960م) الذي يدعي أنه توصل إلى تحديد زمن الخروج بهامش تقريبي يصل إلى يوم واحد، وهو 9 أبريل 1495 ق.م وهذا فقط من خلال حساب التقويمات. وعلى ذلك يكون تحتمس الثاني، وكان ملكاً في هذا التاريخ، هو فرعون الخروج .. إن هذا البناء الغريب لا يأخذ في إعتباره مطلقاً الأمور الأخرى في رواية التوراة، وخاصة إشارة التوراة إلى مدينة رمسيس، تلك الإشارة التي تبطل كل فرض عن تحديد تاريخ للخروج قبل أن يكون أحد الرعامسة قد ملك مصر ” (3). وتغافل هذا الرأي أن مدينة رعمسيس قد تكون شيدت بأيدي اليهود في تاريخ سابق، ثم أعاد تجديدها رمسيس الثاني فدُعيت باسمه، كما تغافل أن إسم رمسيس كان منتشراً عبر التاريخ المصري، وإن كان المشهور من الرعامسة هو رمسيس الثاني، فماذا نعرف عن رمسيس الأول ؟!.
ب – فرعون الخروج هو رمسيس الثاني :
وصاحب هذا الرأي هو الأب ديفو R. P. de Vaux في كتابه ” تاريخ إسرائيل القديم ” معتمداً على أن الخروج لم يحدث إلاَّ بعد بناء مدينتي رمسيس وبيتوم، وقال أن حوليات ” دريتون ” Drioton ” وفاندييه ” Vandier حدَّدتا عام الخروج بـ 1301 ق.م، وإفترض الأب ديفو أن رمسيس الثاني هو الي إضطهد العبرانيين، وفي النصف الأول أو منتصف حكمه خرج العبرانيون من أرض مصر.
وقال ” كنت أ. كتشن ” أن فرعون التسخير هو سيتي الأول، وفرعون الخروج هو رمسيس الثاني، على إعتبار أن سيتي الأول هو الذي بدأ بناء مدينتي رعمسيس وفيثوم، وتم الإنتهاء منهما في عصر إبنه رمسيس الثاني وهذا ما دعى تسمية أحد المدينتين باسمه. وجاء في لوحة ترجع إلى مرنبتاح إبن رمسيس الثاني ” وإسرائيل خربت ولم يعد لها بذر ” أي أنها خرجت من أرض مصر ولم يعد لها وجود. وجاء في النقوش التي تم إكتشافها على جدران بعض المعابد التي أقامها رمسيس الثاني تسخيره للأسرى.
وقد تغافل هذا الرأي أن موسى وُلد أثناء فرعون الإضطهاد وأخرج شعبه بعد ثمانين سنة، فإن رعمسيس الثاني هو الذي سخر اليهود في بناء المدن والمخازن فليس من المعقول أن يمتد به العمر في الملك إلى ثمانين سنة، ولذلك يقول د. محمد مهران ” .. ” وبالتالي فإن رعمسيس الثاني قـد يكون فرعون التسخير ولكنه ليس فرعون الخروج ” (1).
كما أوضحت التوراة أنه أثناء هروب موسى في أرض مديان علم أن فرعون الإضطهاد الذي كان يطلب قتله قد مات ” وقال الرب لموسى في مديان أذهب أرجع إلى مصر. لأنه قد مات جميع القوم الذين كانوا يطلبون نفسك ” (خر 4 : 19) .
جـ- فرعون الخروج هو توت عنخ آمون :
ربط البعض مثل سيجموند فرويد، وبرستيد، وماير، وهول، وأرمان وغيرهم بين دعوة توت عنخ آمون للتوحيد وبين موسى النبي وخروج بني إسرائيل .
ويتجاهل هذا الرأي أن عبادة قرص الشمس لم تكن من إختراع توت عنخ آمون (إخناتون) إنما كانت معروفة من قبل منذ الدولة القديمة، حتى أن عدد كبير من أسماء الملوك إرتبط باسم ” رع ” مثل خفرع .. رابع ملوك الأسرة الرابعة، ومنقرع .. وساحو رع، وني أوسرع، ونفر إف رع، وأيضاً توحيد إخناتون لم يكن توحيداً نقياً، لأنه أعتبر نفسه إبن الإله .
د – هذا الرأي نسوقه من قبيـل الفكاهة، إذ قال محمد على الصابوني في كتابه ” النبؤة والأنبياء ” ط 2 – السعودية سنة 1980 ص 167 أن فرعون موسى هو ” الوليد بن المصعب ” وقد زاد عمره عن الأربعمائة عام (راجع محمد قاسم محمد – التناقض في تواريخ وأحداث التوراة ص 218).
(1) قصة الخلق ، ومنابع سفر التكوين ص 14.
(1) مصر القديمة جـ 7 ص 109 ، 11.
(2) المدخل إلى الكتاب المقدس جـ 2 ص 67
(1) قليني نجيب – فرعون موسى ص 25
(1) أورده أ0د محمد مهران – مصر والشرق الأدنى القديم جـ 3 ص 457
(2) دائرة المعارف الكتابية جـ 1 ص 231 – 232
(1) الأسطورة والحقيقة في القصص التوراتية ص 124
(2) برهان يتطلب قراراً ص 347
(1) ترجمة د. حسان ميخائيل إسحاق – التوراة كتاب مقدس أم جمع من الأساطير ص 166 ، 167
(1) مصر القديمة جـ 7 ص 112
(2) قليني نجيب – فرعون موسى ص 33
(3) المرجع السابق ص 34
(4) مصر والشرق الأدنى القديم ص 505
(1) دائرة المعارف الكتابية جـ 1 ص 231
(1) القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم ص 271
(1) تعرف إلى العهد القديم مع الآباء والأنبياء ص 5.
(2) المرجع السابق ص 37
(3) القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم ص 259
(1) مصر والشرق الأدنى القديم ص 487