هل عبر بنو إسرائيل مياه ضحلة؟ وهل عوامل المد والجذر والرياح هي التي جفَّفت المياه؟
قال ” حيوي البلخي ” أحد النُقَّاد اليهود في القرن التاسع عشر ” أن موسى عرف زمن إنحسار المياه بهبوضها وزمن تزايد المياه في إرتفاعها وإستمرارها، وقام بالعبور بالشعب أثناء إنحسار المياه طبقاً لنظريته، وأما فرعون فلم يكن عارفاً بأسلوب المياه على طبيعتها ” (1).
ويتساءل الأب سهيل قاشا مستنكراً فكرة شق البحر الأحمر ويقول ” هل وُجِد موسى فعلاً؟ بلا شك0 ولكن ما هو دوره؟ هل نتصوَّره وقد شق البحر الأحمر بإشارة منه لكي يعبره شعبه بإنتظام؟! وهل نتصوَّره وهو يتنقل خلال أربعيـن عاماً على رأس { ست مئة ألف وثلاثة آلاف وخمس مئة وخمسين شخصاً ما عدا اللاويين } (عد 1 : 46) في صحراء لا تستطيع أن تقيت ألفاً منهم؟! ” (1).
ويقول الخوري بولس الفغالي عن العبرانيين الخارجين من أرض مصر ” شكَّل هربْ هذا الخليط من الناس خبرة تحرُّر لا مثيل لها. وقد تكون بعض مركبات الجيش الفرعوني الرابطة على الحدود قد غرقت في مستنقعات تقع شمال البحر الأحمر. فرأى الهاربون في هذا الوضع إنتصاراً لإلههم الذي حارب لأجلهم0 ونقلت إلينا التوراة ردة قد تكون قريبة من الأحداث أنشدها الهاربون { أرنم للرب فإنه قد تعظَّم الفرس وراكبه طرحهما في البحر } (خر 15 : 1) ” (2).
كما يقول الخوري بولس الفغالي أيضاً ” نحن هنا أمام رواية ملحمية ضخَّم الكاتب فيها الأحداث ليدل على قدرة الله0 بحر القصب صار البحر الأحمر المعروف بعمق مياهه0 والبحيرات المرة، حيث تكثـر المستنقعات، وحيث يستطيع الإنسان أن يمر، صارت عمق البحر، والمياه سور عـن اليمين وعن اليسار (خر 14 : 22، 29) وقبائل الفارين صار جيشاً منظماً يعد ستمائة ألف رجل ماعدا النساء والأطفال، أي ما يوازي المليونين أو الثلاثة ملايين، والحامية المصرية المركزة في أحد حصون الحدود تحوَّلت إلى كل جيش فرعون0 وغرق بعض الجنود صار غرق كل جنود فرعون الذين لم يبقَ منهم أحد (خر 14 : 28).. إن هنـاك عمليـة تضخيـم تظهر قدرة الله ” (3).
(1) زالمان شازار – تاريخ نقد العهد القديم ص 48
(1) التوراة البابلية ص 423
(2) تعرَّف إلى العهد القديم مع الآباء والأنبياء ص 53
(3) البدايات أو مسيرة الإنسان إلى الله ص 180 ، 181
حلمي القمص يعقوب
: 1- تُعبّر الآراء السابقة عن مفهوم اللاهوت الليبرالي الرافض للمعجزات الكتابية، وقد تم مناقشة هذا الموضوع باستفاضة (راجع مدارس النقد والتشكيك جـ 2 إجابة الأسئلة س129، س132، س133) لقد حاول أصحاب هذا الرأي إثبات أن العبور قد تم بطريقة طبيعية تخلو من عنصر الإعجاز، مع أن عنصر الإعجاز كان واضحاً، حتى لو سايرنا أصحاب هذا الرأي بأن المياه كانت ضحلة وعوامل المد والجزر جففت المياه فيثور أمامنا سؤال قاتل لهذه القضية وهو : كيف إذاً غرق فرعون ومركباته وفرسانه كقول الكتـاب (خر 14 : 27، 28) وأنظر لقـول الكتاب ” لم يبقَ منهم ولا واحد ” (خر 14 : 28)؟! هل الكتاب يكذب؟!
2- يرد القائمقام ” ترتن “ من فرقة المهندسين على القائلين بأن الخروج المعجزي وهم وخيال، فيقول ” إن التاريخ اللاحق (لبني إسرائيل) يؤيد قصة الخروج تأييداً قاطعاً لأن هذه الحادثة كان لها وقع لا مثيل له على مشاعر وكتابات وديانة شعب إسرائيل فديانتهم كلها مبنية عليها وجاء ذلك صريحاً في فاتحة الوصايا العشر (خر 20 : 2) وأهم فرائضهم وهي عيد الفصح مقترنة بها، ولا يُعقل أن تؤسَّس مثل هذه الفريضة على مجرد أوهام خيالية.. حتى لو لم تُكْتبْ هذه الأسفار الخمسة (قصة الخروج) فلنا في كتابات وديانة إسرائيل اللاحقة دليل ساطع على خروجهم من مصر بطريقة معجزية “(1).
3- يقول الأستاذ سليم حسن ” وقد جاء في التوراة أنها ريح شرقية عاتية ظلت تهب طوال الليل، وهذه هي المعجزة، فكان الريح يهب في الإتجاه الصحيح في الوقت المناسب، وكان هبوبه شديداً حتـى جفف الأرض، وبذلك سار موسى وقومه على اليابس ” (2).
4- عبر بنو إسرائيل بحر سوف وهو ما دُعـي بالعبريـة ” يـم سـوف ” وكلمة ” سوف ” في اللغة العبرية يمكن أن تترجم إلى ” الأعشاب البحرية أو قصب البردي “، ولذلك يمكن أن يُدعى ” يم سوف ” بحر الأعشاب البرية، ولكن ليس معنى هذا أن بني إسرائيل عبروا من مكان ضحل ملئ بنباتات البردي، لأن نبات البردي أساساً لا ينمو في المياه المالحة، بل في المياه العذبة على ضفاف نهر النيل، وحافة الترع المنشقة منه. إذاً العبور تم من خلال بحر سوف الذي هو البحر الأحمر، ويقول أحد الآباء الرهبان بدير القديس أنبا مقار ” يتضح من ذلك أن طريق برية بحر سوف لابد أن يكون مرتبطاً بالبحر الأحمر، ويؤدي إلى البرية التي يحصرها البحر الأحمر بين خليجيه المشهورين : خليج السويس وخليج العقبة، التي هي برية سيناء ” (3).
5- يؤكد الأستاذ سليم حسن أن نبات البردي كان ينبت في الدلتا (حيث المياه العذبة) فيقول ” يضاف إلى ذلك أن كلمة سوفي معناها باللغة المصرية القديمة (البردي) وهو نبات ينبت في الدلتا والحدائق وتصنع منه الحصير، وهذه الكلمة لم تظهر في اللغة المصرية القديمة إلاَّ في عهد الدولة الحديثة، ويُسمى كذلك بالعبرية ” سوف “.. ” (1) كما يقول الأستاذ سليم حسن أيضاً ” وقد لحق المصريون بالإسرائيليين في معسكرهم بالقرب من ” يام سوف ” ومعناها العبري حرفياً ” بحيرة البوص ” واليم بالعربية (البحر) وخصَّ نيـل مصر كما جاء في لسان العرب جـ 5 ص 104 ” (2).
6- بعد أن شكَّك الأب سهيل قاشا في أحداث الخروج عاد يقول ” وأنا في موقفي هذا لست أدحض فكرة ولا أنقض نصاً ولا أنكر حقيقة وردت في العهد القديم0 إنما العكس هو الصحيح، فغايتي هو إثبات النص والفكرة، والتوافق بين ما ورد من نصوص بالعهد القديم والألواح العراقية القديمة، فكلاهما يحقق الآخر ويبرهن على صحته مع إختلاف في الطرح. حيث الجوهر واحد، والهدف واحد، إن الله الواحد الأحد هو الخالق الأعظم ومدبر الكون بعنايته ” (3).
7- يقول القمص تادرس يعقوب ” ويذهب كثير من العلماء إلى أن الخليج (خليج السويس) كان ممتداً أيام موسى إلى منطقة البحيرات المرة على هيئة مستنقع ماء، ويرى البعض أن العبور كـان بالقرب من الإسماعيلية، وآخرون أنه بالقرب من السويس ” (4).
8- يقول الأرشيدياكون نجيب جرجس ” لم يكن إنشقاق البحر ظاهرة جغرافية عادية كالمد والجذر، أو نتيجة إنفجار بركاني كما يظن البعض، ولم يترقب موسى حركات المد والجذر كما يدَّعي بعض المؤرخين الوثنيين أيضاً بدليل (أ) أن موسى عبر بشعبه نتيجة خروج فرعون وجيشه في أثرهم وليس بترتيبه الخاص (ب) أن المياه إنشقت بمجرد أن مدَّ موسى عصاه على البحر، وبعدما عبر الشعب رجعت إلى مكانها بمجرد أن مدَّ عصاه أيضاً (ع 21، 37) (جـ) صاحب نزول الشعبين إلى قاع البحر حلول عمود السحاب والنار بينهما إذ ألقى نوراً على موسى وشعبه، وألقى ظلمة على فرعون وجيشه (د) وصاحب المعجزة أيضاً حدوث ظهورات معجزية أخرى أزعجت المصريين وجعلتهم يفكرون في الهرب (ع 14، 15) (هـ) فضلاً عن هذا فإن هذا الحادث لم يكن إلاَّ معجزة من معجزات كثيرة بينة، أجراها الله على يد موسى ” (1).
9- جاء في التفسير التطبيقي ” يعتقد بعض العلماء أن العبرانيين لم يعبروا البحر الأحمر ذاته، بل عبروا إحدى البحيرات الضحلة أو المستنقعات التي إلى شماله، وهي كثيراً ما تجف في بعض أوقات السنة، ولكن الكتاب المقدَّس يقرر بوضوح أن الرب جعل البحر يابسة.. وانشق الماء.. ” والماء سور لهـم عن يمينهم وعن يسارهم ” (خر 14 : 21، 22) أنظر أيضاً (يش 3 : 15، 16، 2 مل 2 : 13، 14) ويعتقد البعض الآخر أن العبرانيين عبروا بحر الحلفاء، وهو موقع به قليل من الماء يقع إلى الشمال من البحر الأحمر، حيث الماء من الضحالة بحيث يمكن خوضه. ويعتقد البعض أيضاً أن البحر الأحمر كان يمتد في العصور القديمة شمالاً إلى أبعد ما هو عليه الآن. وهذه البحيرات الموجودة الآن هي بقايا إمتداد الذراع الغربية للبحر وتُسمى الآن خليج السويس، والخلاصة هي أن الله الذي خلق الأرض والماء، أجرى معجزة عظيمة في الوقت المعين تماماً ليظهر قوته العظيمة ومحبته للشعب ” (2).
10- يناقش زينون كوسيدوفسكي هذه القضية فيقول أن خليج السويس (كقول البعض) لم يكن منذ 3500 سنة ينتهي بالسويس مثل اليوم، إنما كان يمتد حتى البحيرات المرة، وأن بني إسرائيل عبروا هذه المستنقعات الضحلـة دون أن تبتل أرجلهم، الأمر الذي لما شرع فيه المصريون تحت عوامل المد إزداد إرتفاع الماء فغرقوا في هذه المستنقعات، ولكن الإشكال في قبول هذه النظرية هو أنه من المفروض أن يكون المصريين عارفين بطبيعة هذه المسالك، فكيف لا يحذروا المسلك الخطر حتى أنهم غرقوا؟! (راجع الأسطورة والحقيقة في القصص التوراتية ص 133).
11- جاء في دائرة المعارف الكتابية ” البحر الأحمر الذي إجتازه الإسرائيليين بقيادة موسى، هو بلا شك الإمتداد الشمالي لهذا البحر حيث كان يصل في الأزمنة القديمة إلى المداخل أبعد مما يصل إليه خليج السويس الآن (أنظر كتاب فيثوم مدينة المخازن لإدوارد نافيل وطريق الخروج) ولهذا العلاَّمة شرف تحديد موقع ” سكوت ” – بناء على الآثار – على أنها ” تل رماشوتا ” الحديثة والتي هي ” فيثوم “.. ثم أُطلق على المدينة فيما بعد إسم ” هيروبوليس “.. ” (1).
(1) البراهين العقلية والعلمية في صحة الديانة المسيحية طبعة ثانية سنة 1925 ص 151
(2) مصر القديمة جـ6 ص135
(3) شرح سفر الخروج ص 276
(1) مصر القديمة جـ 7 ص 129
(2) المرجع السابق ص 134
(3) التوراة البابلية ص 426
(4) تفسير سفر الخروج ص8
(1) تفسير الكتاب المقدَّس – سفر الخروج ص 155
(2) التفسير التطبيقي ص 160 ، 161
(1) دائرة المعارف الكتابية جـ 1 ص 233