هل عَبَدَ اليهود عزازيل إله الشر ليتقوا شره (لا 16: 5 – 10)؟ وما أصل عبادة الشيطان في التوراة؟
يقول د. سيد القمني عن إعتقاد اليهود بـ ” فكرة إله مساوٍ لإلههم (يهوه) في القدرة، هـو السبب المباشر فيما وقع بهم من مصائب أسموه (عزازيل) وتحاشياً لشر (عزازيل) قانوا يقدمون له القرابين كما يقدمونها إلى (يهوه) أو كما جاء في كتابهم المقدَّس {.. ويلقى هارون على التيس قرعتين. قرعة للرب وقرعة لعزازيل } ويرجح ” لودز ” أن عزازيل كـان علماً مع شيطان أو جني، إعتقد اليهود أنه يسكن الصحاري (A.Lods Theprophets and the Rise of yadaim P.P.314 : 316) وفـي كتاب (إبليس) يؤكد المرحوم عباس العقاد أن (عزازيل) هو إسم إله الخراب والقفـار (العقاد : إبليس – كتاب الهلال عدد 192 القاهرة ص 10) وبينما يذهب آخرون إلى أنه زعيم الملائكة الذين هبطوا وزنوا ببنات البشر، ثم إنهزموا أمام جنـود الخير فلاذوا بالصحراء، أما نحن فنزعم أن (عزازيل) اليهود هذا ليس سوى (عزازيل) الذي كان يُلقب بإله الهلال البابلي (سين) وكان يصوَّر في هيئة التيس أو على الأرجح أنه كان إله التيوس مرموزاً له بالهلال، للتشابه بين الهلال وبين قرني التيس، ولعل ذلك ما يفسر لنا صورة الشيطان في اللوحات الفنية مزوداً بقرنين وحوافر وذنب.
وربما لا نجـد ذكراً كثيراً للشيطان عند اليهود لأن يهوه جمع الخير مع الشر معاً، فلم يكن ثمة حاجة لإله الشر0 ويذهب (كراب) إلى أن اليهود قد تأثروا بالعقائد الزرداشتية بعد إحتكاكهم بالفرس فقالوا بإلهين : واحد للخير وآخر للشر، وأطلقوا على إله الشر عدة ألقاب أهمها – Satan (شيطان) و (إبليس) ” (1).
كما كتب الدكتور مصطفى محمود مقالاً في جريدة الأهرام بتاريه 22/3/1997م تحت عنوان ” عبادة الشيطان أصلها عبري ” إدَّعى فيه أن أصل عبادة الشيطان نابع من التوراة، والدليل على ذلك تقديم اليهود العبادة لعزازيل، فعزازيل هو الشيطان.
(1) الأسطورة والتراث ص 45 ، 46
حلمي القمص يعقوب
1- من طقوس يوم الكفارة العظيم كان رئيس الكهنة يقضي الليل كله في إستعداد وصلاة، وفي الصباح يلبس ملابس وعمامة كتان علامة النقاء، وقبل أن يدخل إلى قدس الأقداس وهو اليوم الوحيد الذي يدخل فيه إلى هذا المكان، كان يحضر تيسين من المعز متشابهين في الشكل والحجم لتقديم ذبيحة خطية، ويقف أمام خيمة الإجتماع ويلقي قرعتين على التيسين، قرعة للرب وقرعة لعزازيل، وكانت القرعتان عبارة عن لوحين صغيرين من الأبنوس، وبعد العودة من السبي كان يستخدم لوحين من الذهب، نُقش على أحدهما ” ليهوه ” وعلى الآخر ” لعزازيل ” وكان يضعهما في صندوق ويهزه جيداً، ثم يمسك بقبضتيه اللوحين دون أن يراهما، ويضع اللوح الذهب الذي بيمينه على التيس الذي على يمينه، وكذلك اللوح الذي بيساره على التيس الـذي علـى يساره، وهو يقول ” للرب ذبيحة خطية ” فالتيس الذي تقع عليه قرعة ليهوه يضع خيط صوف أحمر على رقبته، والتيس الذي تقع عليه قرعة عزازيل يربط خيط قرمزي على قرنه. ثم يقدم تيس يهوه ذبيحة خطية، ويضع يده على تيس عزازيل ويقر بكل ذنوب بني إسرائيل وخطاياهم، ثم يطلقه إلى الصحراء من الباب الشرقي تجاه جبل الزيتون حيث يكون في إنتظاره رجل غريب ليس من شعب الله، وتقسم المسافة من جبل الزيتون إلى الصحراء وهي نحو أثنى عشر ميلاً إلى عشرة مراحل، وفي كل مرحلة يقف بعض الرجال يقدمون التسهيلات اللازمة والشراب للرجل الغريب الذي يصحب تيس عزازيل، كما يصاحبه أحد الأشخاص للمرحلة التالية، وهكذا حتى يصل التيس إلى الصحراء، بينما ينتظر الشعب في أورشليم بشغف زائد خبر وصول تيس عزازيل إلى الصحراء لأنه يشير إلى أبعاد خطاياهم عنهم، وبمجرد أن يصل التيس إلى الصحراء ينتقل الخبر إلى أورشليم عن طريق تحريك الرايات من مرحلة لأخرى، فيطمئن الشعب أن خطاياه قد أُبعدت عنه.
2- يرمز كل من تيس يهوه وتيس عزازيل معاً لذبيحة الصليب والقيامة، فتيس يهوه الذي ذُبح يشير إلى ذبيحة الصليب، وتيس عزازيل الذي أُطلق يشير لقيامة السيد المسيح من بين الأموات، إذ عجز الموت عن الإمساك به لأنه هو البار القدوس الذي بلا خطية وحده.
3- يقول مهندس نصحي خليل شنودة ” كلمة عزازيل أصلها عبري معناها تيس تيهان أو إنطلاق أو عزل، وهي مكونة من مقطعين (AZ) ومعناها تيس (AZEL) ومعناها معزول أو تيهان ” (1) إذاً معنى ” عزازيل ” العزل والإبعاد والإزالة، فالكلمة مشتقة من كلمة سامية بمعنى ” عزل ” أو ” أُبعد “. إذاً ليس ” عزازيل ” إسماً لشخص ولا إسماً لشيطان، إنما سُمي هكذا من جهة المعنى والمهمة التي سيقوم بها، وهي حمل خطايا البشر وعزلها بعيداً عنهم، إشارة إلى أن الرب يصفح عن هذه الخطايا ولا يعود يذكرها ثانية كقوله ” أصفح عن إثمهم ولا أذكر خطيتهم بعد ” (أر 31 : 34) وكما قال داود النبي ” كبُعد المشرق عن المغرب أبعد عنا معاصينا ” (مز 103 : 12).
4- قول النُقَّاد بأن عزازيل هو الشيطان الذي كان اليهود يعبدونه ويقدمون له الذبائح قول غير صحيح على الإطلاق للأسباب الآتية :
أ – لم يرد على الإطلاق في الكتاب المقدَّس ولا في التقليد اليهودي أو المسيحي إسم ” عزازيل ” كأحد أسماء الشيطان مثل إبليس، وسطانئيل، والتنين، والحية القديمة، والكاروب المنبسط، والمشتكي، ولوسيفر.. إلخ.
ب – كان رئيس الكهنة يقدم ذبيحة الخطية في يوم الكفارة العظيم بناء على أوامر إلهيَّة، فهو لم يخالف الوصايا الإلهية، ولم يُضّل الشعب اليهودي عندما كان يقدم هذه الذبيحة، لأنه يقدمها بناء على أمر إلهي، ولا يُعقل أن الله يأمر شعبه بتقديم ذبيحة للشيطان.
جـ- نهت الشريعة نهياً قاطعاً عن عبادة آلهة الأمم ” ولا يذبحوا بعد ذبائحهم للتيوس التي هم يزنون وراءهأ. فريضة دهرية تكون هذه لهم في أجيالهم ” (لا 17 : 7).. ” وإن نسيت الرب إلهك وذهبت وراء آلهة أخرى وعبدتها وسجدت لها أُشهد عليكم اليوم أنكم تبيدون لا محالة ” (تث 8 : 19).. ” فإن إنصرف قلبك ولم تسمع بل غويت وسجدت لآلهة أخرى وعبدتها. فإنـي أنبئكـم اليوم أنكم لا محالة تهلكون ” (تث 30 : 18).
(1) مقالات وتصحيح المفاهيم – الكتاب الأول ص 6