هل قصة إلقاء موسى في الماء (خر 2: 2 – 10) مقتبسة من أسطورة سرجون؟
هل نسيت كلمة المرور؟ الرجاء إدخال بريدك الإلكتروني، وسوف تصلك رسالة عليه حتى تستطيع عمل كلمة مرور جديدة.
أول وأكبر موقع للأسئلة والأجوبة المسيحية والذي يخدم جموع الشعب الناطقين باللغة العربية في كل بقاع العالم.
يقــول الخوري بولس الفغالي عـن ولادة موســى ” نحـن هنا أمام ولادة ” أسطورية ” ولادة عجيبة مدهشة (خر 2 : 1 – 10) فحين يروي المؤرخ القديم ولادة شخص عظيم يروي أولاً الظواهر الفائقة التي تحيط بهذه الولادة. فمثلاً، حين ولد سرجون (الأول) الذي سيصبح ملك بلاد الرافدين، وضعته أمه في سلة طلتها بالقار وجعلتها على الفرات. هو خبر أسطوري. أما سرجون فكان ملكاً حقيقياً وقد أسَّس سلالة أكاد في القرن 23 ق.م. إستعمل الكاتب البيبلي النهج عينه حين روى ولادة موسى. فخبر المُرضَع (الرضيع) الذي وُضع في سلة من البردي على النيل، توخى تنبيه القارئ إلى أهمية هذا الشخص وإلى أنه موضوع عناية الله منذ ولادته ” (2).
ويرى الأب سهيل قاشا أنه لو كان هناك شخصية تاريخية حقيقة باسم موسى فإن هنـاك تشابهـاً بيـن قصته وقصـة سرجـون، فيقول عن موسى ” يشابه كثيراً ما رواه البابليون في أساطيرهم عن حياة ” سرجون الأول ” ملك أكاد المُسمى ” شارغاني – شار – ألي ” Shargani- shar-Ali الذي ظهر وأُضطهد، ونجا وعاش، ومازال يجد ويسعى حتى غدا ملكاً على بابل بأجمعها، وغزا السومريين وإحتل بلادهم وقضى على دولتهم ” (3).
ويرى زينون كوسيدوفسكي أن أسطورة ولادة موسى وموته شديدة الشبه بأساطير الشعوب القديمة فيقول ” فنحن نعرف مثلاً، وكمـا جاء في النصوص المسمارية، أنه كان للملك صارغون (سرجون) العظيم الذي حكم عام 2350 ق.م وأسَّس الدولة الأكادية في بلاد ما بين النهرين مصير موسى نفسه، فأمه الكاهنة ولدته سراً ووضعته في سلة مطلية بالقار، وألقته في النهر فرآه أكَّا الساقي والبستاني وأخرجه من النهر. تحمل هذه القصة بين طياتها معالم واضحة للأسطورة لكن صارغون كان شخصية تاريخية حقيقية والأدلة على ذلك موجودة في الوثائق التي أكتشفت بين أنقاض مدن ما بين النهرين وهي صحيحة ولا يُشك فيها ” (1).
ج : 1- نحن نثق في كتابنا المقدَّس الموحى به من روح الله القدوس والمدوَّن بيد رجال الله القديسين، ونصدق أن قصة موسى النبي في ولادته ونجاته من الموت وتربيته في قصر فرعون الذي أصدر الأمر بقتل الذكور من أطفال بني إسرائيل، وقتله للمصري، وهروبه إلى مديان، وظهور الله له في العليقة، وعودته لمصر، وقيادته لشعب بني إسرائيل من العبودية للحرية .. إلخ كل هذه أمور حقيقية بعيدة تماماً عن الأساطير والخرافات، فالقصة سُجلت في سفر الخروج ونجد صداها في بقية الأسفار العتيقة والجديدة، والذين سجلوا الأسفار كانوا من اليهود الأمناء الذين لم يكتبوا غير الحق، وكما ذكرت التوراة عظمة موسى رئيس الأنبياء، فأنها لم تخفي جوانب ضعفه مثل قتله للمصري، وهروبه من مصر، وضربه للصخرة في المرة الثانية وحرمانه من دخول أرض الموعد.
2- أختلفت آراء النُقَّاد في شخصية موسى النبي، فمنهم من قال أنه شخصية خيالية لا وجود لها، ومنهم من قال أنه شخصية حقيقة ولكنها محاطة بالأساطير، فيقول زينون كوسيدوفسكي ” يواجه العلماء في أيامنا هذه مصاعب كبيرة في إستنباط نواة الحقيقة من الأسطورة رغم الجهود الكبيرة التي تُبذل في هذا المجال. فإنه لا يوجد رأي واحد متفق عليه حول ما وقع في التاريخ فعلاً وحول ما إذا كان وجود موسى في التاريخ حقيقة أم خيالاً .. موسى برأي بعض العلماء أغرب شخصية في التاريخ التوراتي، فحول شخصيته تكونت أساطير كثيرة .. لكن هل يجب الإنطلاق مما ذُكِر الإستنتاج أن موسى لم يوجد أبداً كشخصية تاريخية واقعية؟ كلاَّ بالطبع ! والعلم الحديث صار حذراً جداً في إصدار مثل تلك الأحكام .. وتبين أن كثيراً من الشخصيات التي أُعتبرت لوقت طويل أسطورية لا وجود لها، ما هي إلاَّ شخصيات حقيقية لزعماء وقادة أثروا على مجرى الأحداث التاريخية ” (1).
3- يقول الأستاذ سليم حسن ” والواقـع أن معلوماتنا الطوبوغرافية عن شرق الدلتا، قد أكدت صحة الرواية التي جاء ذكرها في بداية سفر الخروج، كما جاءت في سفر الخروج نفسه (12 : 37 – 13 : 20) يضاف إلى ذلك أن الأستاذ ” ألن جاردنر ” الذي كان يعارض في صحة تاريخ هذا الحادث من الوجهة الطوبوغرافية، قد إعترف بصحته أخيراً .. هذا ولدينا فضلاً عن ذلك كثير من البراهين على صحة هذا الخروج تاريخياً، وعن طواف هؤلاء القوم في أقاليم ” سيناء ” و ” مدين ” و ” قادش ” ويرجع الفضل في ذلك إلى التقدم المطرد الـذي حصلنا عليه من الوجهتين الطوبوغرافية والأثرية ” (2).
4- ذكر النُقَّاد عدة أساطير مدعين أن التوراة قد أقتبست منها قصة ميلاد موسى وإلقائه في اليم، ونذكر من هذه الأساطير القليل :
أ – تحكي إحدى الأساطير عن سرجون الأول وكيف حملت به أمه وولدته سرَّاً، وإذ أرادت الخلاص منه وضعته في سفط، ووضعته في النهر فحمله التيار، ورآه رجل بستاني يدعى أكَّا أو أقّى فأخذه ورباه وعندما شب صار قائداً عسكرياً وسياسياً، ثم عمل ساقياً للملك ” لاورز أبايا ” ولكنه غدر بالملك وإغتاله، وتولى هو زمام الأمور، فأسَّس الأسرة الأكادية الأولى التي قامت نحو 2360 – 2180 ق.م. وجاء في سياق هذه الأسطورة ” أنا سرجون الملك القوي ملك أكاد .. كانت أمي سيدة متواضعة أما أبي فلا علم لي به .. وقد حملتني أمي المتواضعة وولدتني سراً .. ثم وضعتني في سلة من الأسل وأحكمت إغلاقها بالقار .. وطرحتني في النهر الذي لم تغرقني مياهه .. ثم حملني التيار إلى السقاء ” أكي ” فحملني معه .. أكي السقاء .. إنتشلني من المياه .. أكي السقاء كفلني بما يكفل إبنه .. أكي السقاء عينني بستانياً له .. وبينما كنت أعمل بستانياً، أحبتني الإلهة عشتروت .. ولمدة أربع سنوات حكمتُ المملكة .. ” (1).
وفي روايات أخرى ذكر سرجون أن مسقط رأسه مدينة ” أزوبيرانو ” Azupiranu الواقعة على ضفاف نهر الفرات، وأن أمه كانت كاهنة من الدرجة العليا، فمن المفروض أنها لا تتزوج ولا تنجب ولا تتردد على الأماكن المشبوهة، ولو خالفت هذه التعليمات فأنها تُعرض نفسها للحرق، ومن يتهمها باطلاً يُعرّض نفسه للجلد، مع حلق نصف رأسه، ولهذا عندما حملـت بإبنهـا إضطرت للخلاص منـه سراً أما الإلهة ” عشتار ” Eshtar التي أحبته فقد جعلته يحكم الناس ذو الرؤوس السوداء لمدة خمسة وخمسين أو ستة وخمسين عاماً، وأنه هدم بمعاول نحاسية جبالاً شاهقة، وطاف بلدان البحر ثلاث مرات، وإستولى على دلمون، وبقية الممالك التي حوله (راجع ناجح المعموري – موسى وأساطير الشرق ص 20، 21، وتوماس طمسن – ترجمة عدنان حسن – الماضي الخرافي – التوراة والتاريخ ص 511، 512، وسلسلة الأساطير السورية ديانات الشرق الأوسط ص 362، 363، والأب سهيل قاشا – أثر الكتابات البابلية في المدونات التوراتية ص 209 – 211، ودكتور سيد القمني – قصة الخلق أو منابع سفر التكوين ص 81، 82).
ولو أن التوراة أخذت ولادة موسى من ولادة سرجون، فلماذا أخذت هذه الجزئية فقط، بينما أختلفت بشكل كبير في صلب القصة، ففي إحدى الروايات تجد سرجون وقد غدر بالملك الذي أحسن إليه طمعاً في المُلك الأرضي، بينما موسى كان على النقيض إذ ضحى بالمُلك الأراضي مفضلاً بالأحرى أن يُذل مع شعب الله.
ب – تحكي إحدى الأساطير التي جاءت في ملحمة ” ماها بهارتا ” أن إله الشمس أحب ” كونتي ” (أو بيريت) إبنة الملك، وأنجب منها طفلاً جميلاً، وُلِد متمنطقاً بالسلاح، ولابساً قرطاً ذهبياً وله عينا أسد وكتفا بقرة، ولما خافت الأم الفضيحة وضعت أبنها في سلة لا تتسرب إليه المياه وغطته بملاءة لينة، وسلمته لنهر ” أسفا ” فقاده التيار في مقاطعة ” سونا ” ورآه رجل كان يسير على الشاطئ مع زوجته فأجتذباه، وإذ لم ينجبا فقد تبنياه وربياه وأسمياه ” كارثا ” فنشأ رامياً بارعاً للسهام، وكانت أمه الحقيقية تطمئن عليه عن طريق جواسيسها (راجـع جيمس فريزر – الفولكلور جـ 2 ص 268 – 270) ونلاحظ في هذه الأسطورة ما جاء عن الطفل أنه وُلِد متمنطقاً بالسلاح ولابساً قرطاً ذهبياً، وهذا بعيد كل البعد عما أوردته التوراة من قصة موسى النبي.
جـ- هناك أسطورة تدور حول ” ريمولوس ” مؤسس مدينة روما، وجاء فيها أنه بعد الإنتهاء من حرب طروادة لم يتبقَ إلاَّ ” إينياس ” الذي حمله أبوه الشيخ، وهرب به من طروادة المحترقة، وبعد قصة هروب طويلـة أستقر في إيطاليا، وتزوج من إبنة ملك، فأنجب منها ” أموليوس ” و ” نوميتور ” وصـار نوميتور حاكماً كيّساً، ولكن أخيه ” أموليوس ” قام عليه وأغتصب المُلك منه، ونفاه، وقتل إبنه، وأغرى سيلفيا إبنته بأن تصبح راهبة، وبذلك يضمن أنه لن يأتي أحد من نسل أخيه المطرود نوميتور لينازعه المُلك، ولكن إله الحرب ” مارس ” جاء متنكراً في شكل رجل قوي فاتن الملامح يتبعه ذئب، وطائر نقار الخشب، فأعجبت به سيلفيا التي ترهبنت، وتزوجها وأنجب منها طفلين توأمين هما ” رومولوس ” و ” ريموس ” وعندما علم أموليوس الملك بما حدث هاج وماج، وألقى بسيلفيا إبنة أخيه نوميتور في السجن، ووضع طفليها في سلة، القى بهما في نهر التايبر وهو في أوج فيضانه، فدفع النهر بالسلة إلى الشاطئ، وأشتبكت بالأعشاب، وأخذ الطفلان يرتعشان ويصرخان فلم يسمعهما أي إنسان، ولكن أنثى ذئب سمعتهما فأرضعتهما من حليبها وحملتهما إلى مغارة في الغابة، حتى ترعرعا، وكان طائر نقار الخشب يحضر لهما القوت من وقت لآخر، وأبيهما ” مارس ” إله الحرب كان يتابعهما، ثم أخذهما أحد الرعاة إلى زوجته التي وافقت على رعايتهما وتربيتهما، فكان ينقضان على الطعام ويزعقان متى ظهر القمر، فروضتهما حتى تخلصا من طبعهما الوحشي، وكان الإثنان أشقران، وبعــد مغامــرات إلتقى ” رومولس ” بجده المنفي ” نوميتور ” وقاد الإثنان حملة ضد القصر، فدخلاه، وإنتقم رومولس من أموليوس شقيق جده نوميتور في ساعة واحدة، وعاد الهدوء للقصر، وعاد ” ريموس ” بعد غيبة فعاش مع شقيقه ” رومولوس ” في القصر، وأرادا الشقيقان أن يشيدا مدينة عظيمة، ولم يعرفا من منهما يكون ملكاً، فجلس كل منهما على تل منفرداً، فحلَّقت سبع نسور على رمولوس، مما أزعج ريموس وأتباعه، وأشتد الخلاف مع رمولوس الذي تولى المُلك، وقُتِل ريموس في هذا الصراع، ولكن أخيه رمولوس حزن عليه جداً، وأخذ جثته وغسلها جيداً وهمَّ أن يقتل نفسه، فمنعه أتباعه وأخذوا يعزونه وذكروه ببناء المدينة، فبنوا مدينة روما على سبعة تلال (راجع موسى وأساطير الشرق ص 23 – 27، وجيمس فريزر – الفولكلور ص 265، 266).
وواضح مدى إختلاف هذه الأسطورة عما أوردته التوراة من قصة موسى، فمثلاً في هذه الأسطورة نجد طفلين ألقيا في اليم، هما ” رومولوس ” وشقيقه ” ريموس ” ولو أن التوراة أخذت من هذه الأسطورة لذكرت بالمثل أن موسى وشقيقه هرون قد ألقيا في الماء، ولكن هذا لم يحدث، وفي الأسطورة نجد أن الذي عال الطفلين في البداية ذئبة مع طائر نقار الخشب، بينما الذي عال موسى إبنة فرعون أميرة القصر وليس حيوان وطائر، وجاء موسى نتيجة تزاوج طبيعي أما رومولوس وريموس قد أتيا نتيجة تزاوح الراهبة سيلفيا مع مارس إله الحرب، وفي الأسطورة حدث صراع بين رومولوس وريموس أنتهى بقتل ريموس بينما خلت قصة موسى من أي صراع بينه وبين شقيقه الأكبر هارون .. إلخ.
5- ترجم الدكتور محمد مخلوف ما كتبه زينون كوسيدوفسكي عن التشابه بين قصة موسى وسرجون، ولم يعلق بشئ رغم أن قصة ميلاد موسى جاءت بالقرآن الذي يؤمن به، فجاء في سورة القصص إلقاء أم موسى بالطفل موسى في اليم، وعثور إمرأة فرعون (الأصل بنت فرعون) عليه، وإرشاد أخت موسى زوجة فرعون لمرضعة تُرضع موسى وهي أم موسى ” وأوصينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفتِ عليه فألقيه في اليم ولا تخافى ولا تحزني إنَّا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين. فالتقطه آل فرعون .. وقالت إمرأة فرعون قُرَّت عينٍ لي ولك ولا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً .. وقالت لأخته قُصّيه فبصرت به عن جُنَبٍ وهم لا يشعرون وحرمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيتٍ يكفلونه لكم وهم له ناصحون فرددناه إلى أمه ” [ القصص 7 – 13 ] فلو كانت قصة ميلاد موسى ونجاته من يد فرعون أُستمدت من الأساطير فهل القرآن أخذ أيضاً من الأساطير؟!
(2) في رحاب الكتاب -1- العهد الأول ص 203
(3) التوراة البابلية ص 176
(1) ترجمة د. محمد مخلوف – الأسطورة والحقيقة في القصص التوراتية ص 118
(1) ترجمة محمد مخلوف – الأسطورة والحقيقة في القصص التوراتية ص 118
(2) مصر القديمة جـ 7 ص 116
(1) جيمس فريزر – الفولكلور جـ 2 ص 267 ، 268