يقول المرتل: “مساكنك محبوبة أيها الرب إله القوات، تشتاق وتذوب نفسي للدخول إلى ديار الرب. قلبي وجسمي قد ابتهاجا بالإله الحي، لأن العصفور قد وجد له بيئا، واليمامة عشا لتضع فيه فراخها، مذابحك يا رب إله القوات ملكي وإلهي، طوبى لكل الساكنين في بيتك… لأن يوما صالحا في دیارك خير من آلاف…” (مزمور 84).
وسط تيارات العالم العنيفة وتحت نقل التجارب المتوالية رفع المرتل عينيه ليرى العصفور، قد وجد له بيتا يستقر فيه، واليمامة عشا تجتمع فيه مع فراخها، أما هو فإلى أين يذهب؟ إلى أين يلتجئ؟ لم يجد المرتل مثل مذابح الرب إله القوات، فهي سر بهجة قلبه وراحة نفسه! هناك تنطلق نفسه إلى السماء كي تستقر فيها، حيث تهرب الأرض من تحت قدميه، ويختفي العالم بمادياته عن بصيرته. ينطلق كما بأجنحة الروح إلى العرش الإلهي حيث يتراءى قدامه إلهه بل وحبيبه الشخصي. هناك يرتمي في أحضانه ويتكئ على صدره، ويلقي عليه همومه، ويروى له أسراره الخفية، يناجيه ويعاتبه، يسمع صوته ويدخل أمجاده. لقد عبر العلامة ترتليان عن عظمة هذه الدالة التي ينعم بها المجتمعون في بيت الرب فقال : نجتمع معا… لكي نحوط الله بصلواتنا بقوة الأذرع، فإنه يسر بعنف كهذا!
في بيت الله أيضا يقدم المؤمنون عبادتهم للرب، لا كفرض أو روتين يؤدونه، إنما هو حق لهم يمارسونه متقبلين مواهب الروح القدس المجانية، عبادتهم للرب هي الدخول في مراعي الرب الخضراء، يغطسون في ينبوع المياه واهبة الحياة، ويأكلون من دسم مائدة السماء، ويشربون كأس الخلاص، ويتنعمون بأسرار حب الله اللانهائية. يعطيهم الروح شبعا فلا يعودون يطلبون شيئا إلا أن يبقوا في حضرته، يمتلئون بغيض فلا يطلبون من أجلهم بقدر ما يطلبون عن الآخرين، الرؤساء والوزراء والمشيرين والأساقفة والكهنة والشمامسة وكل الخدام والرهبان والراهبات والمحتاجين والمرضى والمسافرين والمسجونين والمتضايقين والمنتقلين. بل ويطلبون حتى من أجل الحيوانات والزروع وأهوية السماء! كأنهم وهم في بيت الرب إذ تنسحب قلوبهم إلى السماء لا تنغلق عند احتياجات الإنسان الخاصة به فقط بل تتسع بالحب فتشتهي خلاص الخليقة جميعها وسلامها وتجديدها!
وفي الكنيسة أيضا يجتمع المؤمنون كما في “بيت الملائكة”، يشتركون مع الملائكة في ليتورجياتهم السماوية وصلواتهم وتسابيحهم، ويكونون في صحبتهم على الدوام، يتدربون على تسبيح “الترنيمة الجديدة” بلغه ملائكية! هنا كما رأى هرماس في كتابه الراعي تفرح الملائكة إذ يرون برج الله السماوي يكتمل بناؤه فينا، ممجدين الله على بنيان الكنيسة الروحي المستمر.
أما سر عظمة بيت الله فهو قيادة الروح القدس الفعالة في حياة شعب الله! هو روح الكنيسة، كما يقول القديس أغسطينوس، يفيض بكل نعمة على الأعضاء. لقد عبر القديس إيرينيؤس عن ذلك بقوله: حيث تكون الكنيسة يوجد روح الله، وحيث يوجد روح الله توجد الكنيسة وتقوم كل نعمة!) ويقول القديس كيرلس الإسكندري: الروح القدس هو رائحة المسيح واهب الحياة، رائحة حية وفعالة، تجتذب إليه الخليقة لتشاركه طبيعته التي هي فوق الكل!)
هكذا في بيته يشرق المسيح شمس البر بروحه علينا فنضئ لنكون كواكب حية وفعالة تسكب حبا على العالم، نخدمه في تواضع ونشتهي خلاصه! يدخل بنا الروح في دائرة الصليب فيشتهي كل منا أن يموت مع مسيحه من أجل الكل!
في بيت الرب يعطينا الخالق فكرا جديدا حتى تجاه المادة غير العاقلة، فنرى كل ما هو حولنا مقدا ومباركا. فالقمح (الخبز) يصير بالروح القدس جسد الرب، ويتحول عصير الكرمة إلى دمه الأقدس. والبخور يرفع صلوات نقية تحملها الملائكة إلى العرش الإلهي، والزيت يحل فيه روح الرب. وماذا أقول؟ فإن الذهب والفضة والحجارة الكريمة والأخشاب والورق ولأقمشة بل حتى الحجارة والتراب يتقدس هذا كله باستخدامه كمواد في بناء بيت الرب المقدس وأثاثه وفي العبادة… وهكذا تخضع المادة الجامدة لخدمة السماويات!
دراساتنا للمبنى الكنسي ليست دراسة المجردة في الطقس وشرحه، ولا في المعمار الكنسي وتطوره، بقدر ما هي رغبة في إدراك مفاهيمنا الروحية الأصيلة لبيت الله، لنمارسها في حياتنا اليومية.
القمص تادرس يعقوب ملطي
يقول المرتل: “مساكنك محبوبة أيها الرب إله القوات، تشتاق وتذوب نفسي للدخول إلى ديار الرب. قلبي وجسمي قد ابتهاجا بالإله الحي، لأن العصفور قد وجد له بيئا، واليمامة عشا لتضع فيه فراخها، مذابحك يا رب إله القوات ملكي وإلهي، طوبى لكل الساكنين في بيتك… لأن يوما صالحا في دیارك خير من آلاف…” (مزمور 84).
وسط تيارات العالم العنيفة وتحت نقل التجارب المتوالية رفع المرتل عينيه ليرى العصفور، قد وجد له بيتا يستقر فيه، واليمامة عشا تجتمع فيه مع فراخها، أما هو فإلى أين يذهب؟ إلى أين يلتجئ؟ لم يجد المرتل مثل مذابح الرب إله القوات، فهي سر بهجة قلبه وراحة نفسه! هناك تنطلق نفسه إلى السماء كي تستقر فيها، حيث تهرب الأرض من تحت قدميه، ويختفي العالم بمادياته عن بصيرته. ينطلق كما بأجنحة الروح إلى العرش الإلهي حيث يتراءى قدامه إلهه بل وحبيبه الشخصي. هناك يرتمي في أحضانه ويتكئ على صدره، ويلقي عليه همومه، ويروى له أسراره الخفية، يناجيه ويعاتبه، يسمع صوته ويدخل أمجاده. لقد عبر العلامة ترتليان عن عظمة هذه الدالة التي ينعم بها المجتمعون في بيت الرب فقال : نجتمع معا… لكي نحوط الله بصلواتنا بقوة الأذرع، فإنه يسر بعنف كهذا!
في بيت الله أيضا يقدم المؤمنون عبادتهم للرب، لا كفرض أو روتين يؤدونه، إنما هو حق لهم يمارسونه متقبلين مواهب الروح القدس المجانية، عبادتهم للرب هي الدخول في مراعي الرب الخضراء، يغطسون في ينبوع المياه واهبة الحياة، ويأكلون من دسم مائدة السماء، ويشربون كأس الخلاص، ويتنعمون بأسرار حب الله اللانهائية. يعطيهم الروح شبعا فلا يعودون يطلبون شيئا إلا أن يبقوا في حضرته، يمتلئون بغيض فلا يطلبون من أجلهم بقدر ما يطلبون عن الآخرين، الرؤساء والوزراء والمشيرين والأساقفة والكهنة والشمامسة وكل الخدام والرهبان والراهبات والمحتاجين والمرضى والمسافرين والمسجونين والمتضايقين والمنتقلين. بل ويطلبون حتى من أجل الحيوانات والزروع وأهوية السماء! كأنهم وهم في بيت الرب إذ تنسحب قلوبهم إلى السماء لا تنغلق عند احتياجات الإنسان الخاصة به فقط بل تتسع بالحب فتشتهي خلاص الخليقة جميعها وسلامها وتجديدها!
وفي الكنيسة أيضا يجتمع المؤمنون كما في “بيت الملائكة”، يشتركون مع الملائكة في ليتورجياتهم السماوية وصلواتهم وتسابيحهم، ويكونون في صحبتهم على الدوام، يتدربون على تسبيح “الترنيمة الجديدة” بلغه ملائكية! هنا كما رأى هرماس في كتابه الراعي تفرح الملائكة إذ يرون برج الله السماوي يكتمل بناؤه فينا، ممجدين الله على بنيان الكنيسة الروحي المستمر.
أما سر عظمة بيت الله فهو قيادة الروح القدس الفعالة في حياة شعب الله! هو روح الكنيسة، كما يقول القديس أغسطينوس، يفيض بكل نعمة على الأعضاء. لقد عبر القديس إيرينيؤس عن ذلك بقوله: حيث تكون الكنيسة يوجد روح الله، وحيث يوجد روح الله توجد الكنيسة وتقوم كل نعمة!) ويقول القديس كيرلس الإسكندري: الروح القدس هو رائحة المسيح واهب الحياة، رائحة حية وفعالة، تجتذب إليه الخليقة لتشاركه طبيعته التي هي فوق الكل!)
هكذا في بيته يشرق المسيح شمس البر بروحه علينا فنضئ لنكون كواكب حية وفعالة تسكب حبا على العالم، نخدمه في تواضع ونشتهي خلاصه! يدخل بنا الروح في دائرة الصليب فيشتهي كل منا أن يموت مع مسيحه من أجل الكل!
في بيت الرب يعطينا الخالق فكرا جديدا حتى تجاه المادة غير العاقلة، فنرى كل ما هو حولنا مقدا ومباركا. فالقمح (الخبز) يصير بالروح القدس جسد الرب، ويتحول عصير الكرمة إلى دمه الأقدس. والبخور يرفع صلوات نقية تحملها الملائكة إلى العرش الإلهي، والزيت يحل فيه روح الرب. وماذا أقول؟ فإن الذهب والفضة والحجارة الكريمة والأخشاب والورق ولأقمشة بل حتى الحجارة والتراب يتقدس هذا كله باستخدامه كمواد في بناء بيت الرب المقدس وأثاثه وفي العبادة… وهكذا تخضع المادة الجامدة لخدمة السماويات!
دراساتنا للمبنى الكنسي ليست دراسة المجردة في الطقس وشرحه، ولا في المعمار الكنسي وتطوره، بقدر ما هي رغبة في إدراك مفاهيمنا الروحية الأصيلة لبيت الله، لنمارسها في حياتنا اليومية.