هل هناك تشابه بين شريعة موسى وشريعة حمورابي، وهل معنى هذا أن موسى إستمد شريعته من شريعة حمورابي؟
هل نسيت كلمة المرور؟ الرجاء إدخال بريدك الإلكتروني، وسوف تصلك رسالة عليه حتى تستطيع عمل كلمة مرور جديدة.
أول وأكبر موقع للأسئلة والأجوبة المسيحية والذي يخدم جموع الشعب الناطقين باللغة العربية في كل بقاع العالم.
: 1- يرى كثير من النقاد أن موسى النبي قد إستمد شريعته من شريعة حمورابي، فيرى الأب سهيل قاشا أن هناك تشابهاً كلياً في بعض مواد الشريعتين، بينما هناك مواد تختلف في أحكامها بين الشريعتين، ومواد تنفرد بها كل شريعة على حدى، ويرى أن شريعة موسى قد إقتبست من شريعة حمورابي لأنها هي الأقدم، ويقول الأب سهيل قاشا ” ومن هذا نستنج أن شريعة الإسرائيليين هي وليدة الشريعة البابلية، وأن الأخيرة أكثر قدماً وأكثر تحديداً لمفهوم القانون ” ونادى الأب سهيل بأن التوراة دوّنت في شكلها النهائي في القرن الخامس قبل الميلاد بعد العودة من السبي البابلي، ولذلك فإن مؤلفوا الأسفار المقدَّسة إقتبسوا من الحضارات الأشورية والبابلية وغيرهما (راجع التوراة البابلية ص 163، 178، 190، 191).
كما يرى الأب سهيل قاشا أن هناك تشابهاً بين الشريعتين فيقول ” أن هناك حقيقة مهمة يجدر التطرق إليها، لقد نحتت على قمـة الحجر الذي حُرّرت عليه قوانين حمورابي، صورة الملك (حمورابي) وهو يتسلم السلطة من إله الشمس، وهذا متجانس تماماً مع الحادثة المذكورة في التوراة، وهي تسلُّم موسى قانونه من إله العبرانيين على جبل سيناء ” (1).
وأيضاً يرى الأب سهيل قاشا أنه من ضمن المتشابهات أن كل منهما ينتهي بالإنذار والوعيد لمن يعصى أحكامهما (راجع التوراة البابلية ص 179) وأن الإسرائيليين دعوا شريعة العهد القديم بشريعة العدل أو الأحكام ” ميتشباتيم ” Mishpatim وهي عين الكلمة البابلية Dinani أي الديانة في العربية لأن حمورابي دعى شريعته بالديانة العادلة، كما أن صاحـب المزامير دعى هذه الأحكام بأحكام عدل ” (مز 119 : 7) وهذا دليل على أن شريعة موسى قــد أخـذت من شريعة حمورابي (راجع التوراة البابلية ص 192).
وأكثر من هذا أن الأب سهيل قاشا يرى أن الكتاب المقدَّس ككل أصبح خاضعاً للنقد لأنه يعتبر جمع لما كان متاح من شرائع وأحكام ومبادئ أخلاقية، فيقول ” وبعدما كشفت شريعة حمورابي أصبح من الممكن تمحيص الكتاب المذكور (الكتاب المقدَّس) ونقده على أسس قوية جداً، وأصبح من الممكن الإدعاء بأن الذي ألفه قد جمعه من شرائع أخرى قديمة أفرغها بحسب ما وافق غايته، وأضاف إليها تعاليم دينية مبعثرة، ونصائح أخلاقية يعتبرها جميع الأخلاقيين في مختلف العصور صالحة من أيام حكماء الفراعنة ” بتا – هوتب ” Ptah – Hotep عى 3500 ق.م حتى القرن العشرين ” (2).
ونحن لا نوافق هؤلاء النُقَّاد في آرائهم السابقة، وذلك لأسباب عديدة يلحظها القارئ عند إستكمال إجابة هذا السؤال.
2– نعم هناك تشابهات بين شريعتي موسى وحمورابي، ونقدم أمثلة من هذه التشابهات التي قد تحوي داخلها إختلافات أيضاً :
أ – عقوبة الإدعاء الكاذب : جاء في شريعة حمورابي ” إذا أتهم سيد سيداً وأقام عليه دعوى بالقتل ولكنه لم يستطع إثباتها فإن المتهم يُعدم ” (مادة 1)، و ” إذا أدلى سيد بشهادة كاذبة في دعوى ما لم يثبت صحة الكلمات التي نطقها. فإن كانت تلك الدعوى تتعلق بدعوى حياة فإن السيد يُعدم ” (مادة 3) وحتى إذا إدعى شخص أنه أودع مالاً لدى آخر وثبت كذب إدعائه ” فهو إذاً غشاش وقام بشكاية كاذبــة فيجب أن يُعدم ” (مادة 11).
بينما جاء في شريعة موسى الحكم على شاهد الزور ” فافعلوا به كما نوى أن يفعل بأخيه ” (تث 19 : 19) وهنا نلاحظ أنه لو كان الأدعاء الكاذب يقود إلى فقدان الحياة، فإن المدعي الكاذب يُقتل، ولكن إن كان الإدعاء خاص بأموال مودعة لدى آخر فإن الأمر لن يصل إلى قتل المدعي الكاذب.
ب – عقوبة السحر : في شريعة موسى العقوبة واضحة وقاطعة ” لا تدع ساحرة تعيش ” (خر 22 : 18) بينما ما جاء في شريعة حمورابي فهو أمر غريب ” إذا إشتكى سيد على سيد بتهمة السحر، ولكنه لم يثبتها فإن على الذي أُقيمت عليه الدعوى بتهمة السحر أن يذهب إلى النهر، وعليه أن يرمي نفسه في النهر. فإذا غلبه فإن على من إتهمه أن يستولي على ثروته، وإذا أثبت النهر أن هذا السيد برئ وخرج منه سالماً، فإن الذي إشتكى عليه بتهمة السحر يُعدم. أما الذي ألقى نفسه في النهر فعليه أن يستولي على ثروة المتهم ” (مادة 2) ومثل هذا الأمر الذي يحتكم فيه المتهم للبحر لا تجد له شبيهاً قط في الكتاب المقدَّس كله.
جـ- عقوبة السرقة : في شريعة موسى عقوبة السارق التعويض ” إذا سرق إنسان ثوراً أو شاه فذبحه أو باعه يُعوّض عن الثور بخمسة ثيران وعن الشاة بأربعة من الغنم ” (خر 22 : 1) أما شريعة حمورابي فكانت في منتهى القسوة إذ تحكم على سارق ثروة القصر أو الإله، ومن يتقبل منه هذه المسروقات بالإعدام (63) وإذا سرق حيوان يملكه القصر أو الإله فإنه يُعوّض ثلاثين مثلاً، أما إن كان الحيوان ملك لإنسان مسكين فإن السارق يُعوّض عشرة أمثـال، وإذا لم يستطع دفع التعويض فإنه يُعدم أيضاً (مادة 8).
د – عقوبة سرقة إنسان أو تهريب عبد : جاء في شريعة حمورابي أن سارق الإنسان يقتل ” إذا سرق رجل إبناً لسيد آخر، فيجب أن يُعدم ” (مادة 14) ونفس العقوبة وردت في شريعة موسـى ” ومن سرق إنساناً وباعه أو وُجِد في يده يُقتل قتلاً ” (خر 21 : 16).
وبينما جعلت شريعـة حمورابـي عقوبة تهريب العبد أو الآمة الإعدام (مادة 15)، وكذلك من يجد عبداً ولا يسلمه للشرطة فإنه يُعدم. فإن شريعة موسى خلت من هذه الأمور، وجاء رد الشئ إلى صاحبه كوصية ” إذا صادفت ثور عدوك أو حماره شارداً ترده إليه ” (خر 23 : 4) وإذا وجد لقطة وكذب وأنكرها يرد ما وجده بالإضافة إلى الخمس ويقدم ذبيحة عن خطيته هذه (لا 6 : 2 – 7) .
هـ- تعويض المضروب : جاء في شريعة حمورابي ” إذا ضرب رجل رجلاً آخر في شجار وجرحه، فعلىالضارب أن يحلف قائلاً : أنني لم أضربه عمداً، ويتكفل بنفقات الطبيب ” (مادة 206) وجاء في شريعة موسى ” إذا تخاصم رجلان فضرب أحدهما الآخر بحجرٍ أو بلكمة ولم يُقتل بل سقط في الفراش. فإن قام وتمشى خارجاً على عكازه يكون الضارب بريئاً إلاَّ أنه يُعوّض عطلته ويُنفق على شفائه ” (خر 21 : 18، 19).
و – التعويض عن الإضرار بالحقل : جاء في شريعة حمورابي أن الراعي الذي يرعى غنمه في حقل دون أن يستأذن من صاحبه يعوض صاحب الحقل (مادة 57) وجاء نفس المعنى في شريعة موسى ” إذا رعى إنسان حقلاً أو كرماً وسرَّح مواشيه فرعت في حقل غيره فمن أجود حقله وأجود كرمه يعوّض ” (خر 22 : 5).
ز – خدمة العبيد : جاء في شريعة حمورابي أن العبد يخدم ثلاث سنوات ” إذا وقع رجل في دين، وأعطى زوجته أو إبنه أو إبنته بدلاً من الفضة فعليهم أن يخدموا ثلاث سنوات من منزل من إشتراهم، أي سيدهم ثم يستردون حريتهم في السنة الرابعة ” (مادة 117) بينما جاء في شريعة موسى أن العبد العبراني يخدم لمدة ست سنوات أو حتى سنة اليوبيل أيهما أقرب، وإذا أحب العبد أن يخدم سيده طوال حياته فإن سيده يثقب أذنه علامة موافقته (خر 21 : 2 – 6) أما العبد الأجنبي فإنه يخدم سيده طوال حياته، فواضح أن التشريع التفصيلي في شريعة موسى لا يطابق شريعة حمورابي إلاَّ في جزئية بسيطة.
ح – حكم الودائع المفقودة : جاء في شريعة حمورابي إذا أعطى سيد أمواله لآخر لحفظها، وسُرِق المال بسبب إهمال المحتفظ بالوديعة بأنه يلتزم بالتعويض الكامل (مادة 125) و ” إذا أودع سيد غلته في بيت سيد لخزنها وتضررت بسبب نشوب حرب، أو أن صاحب البيت فتح العنبار (العنبر) وأخذ الغلة، أو أنه أنكر الغلة كلها التي خزنها في بيته، فإن على صاحب الغلة أن يشتكي أمام الإله، ويجب على صاحب البيت الذي أخذ الغلة التي يدفع ضعفها لصاحب الغلة ” (مادة 120) و ” إذا أراد سيد أن يعطى فضة أو ذهباً أو أي شئ بقصد المحافظة عليها، فيجب عليه أن يشهد على ما يعطيه شهوداً أو أن يجعل بذلك عقوداً ومن ثم يودعها للمحافظة ” (مادة 122) وإذا أنكر المحتفظ بالوديعة ” فيجب عليه أن يدفع ضعف ما أنكره ” (مادة 124).
بينما جاء في شريعة موسى أنه إذا أودع إنسان فضة أو أمتعة لشخص آخر، وسُرِقت فإن السارق يعوّض بالضعف وليس المحتفظ بالوديعة ” إذا أعطى إنسان صاحبه فضة أو أمتعة للحفظ فسُرِقت من بيت الإنسان فإن وُجِد السارق يعوض بأثنين. وإن لم يوجد السارق يُقدَّم صاحب البيـت إلـى الله ليحكم هل لم يمد يده إلى ملك صاحبه ” (خر 22 : 7، 8).
ط – عقوبة الزنى : جاء في شريعة حمورابي ” إذا قُبض على إمرأة سيد مضطجعة مع سيد ثانٍ، فيجب عليهم أن يوثقوهما ويلقونهما في الماء، ويمكن لزوج المرأة أن يُبقي زوجته على قيـد الحياة إن رغب، كما يمكن للملك أن يخلي حياة آمته ” (مادة 129).
أما شريعة موسى فحتمت قتل الإثنين ” إذا وُجِد رجل مضطجعاً مع إمرأة زوجة بعل يقتل الإثنان الرجل المضطجع مع المرأة والمرأة ” (تث 22 : 22).
ى – عقوبة الإغتصاب ” جاء في شريعة حمورابي ” إذا أغتصب شخص عفاف زوجة سيد لم يسبق لها أن تعرفت على رجل، ولم تزل في بيت والدها، ونام في حضنها وقُبض عليه أثناء ذلك، فإن هذا الرجل يُقتل وهذه المرأة تُترك ” (مادة 130).
بينما شريعة موسى فرَّقت بين مكان وقوع الحدث، فإذا كان في المدينة فيقتل الإثنان لأن الفتاة لم تستغيث، وإن كان الحدث في الحقل يقتل الرجل ويعفى عن الفتاة التي صرخت ولم ينقذها أحد (تث 22 : 23 – 27).
ك – عقاب من يضرب أباه : جاء في شريعة حمورابي ” إذا ضرب إبن أباه تقطع يده ” (مادة 195) أما شريعة موسى التي توصي بإكرام الوالدين فإنها تأمر بأن ” من ضرب أباه أو أمه يُقتل قتلاً ” (خر 21 : 15) وواضح الخلاف بين الشريعتين، فضارب أباه في شريعة حمورابي يحيا وفقط تقطع يده، بينما في الشريعة الإلهية مثل هذا الإنسان الذي لا يكرم أبوه فإنه لن يكرم الله، فلا معنى لحياته فيقتل، بل أن من يسب أباه وأمه يقتل أيضاً.
ل – شريعة العين بالعين والسن بالسن : جاء في شريعة حمورابي ” إذا سيد فقأ عين إبن أحد الأشراف، فعليهم أن يفقأوا عينه ” (مادة 196) .. ” إذا كسر عظم سيد آخر، فعليهم أن يكسروا عظمه ” (مادة 197) .. ” إذا سيد قلع سن سيد من طبقته فعليهم أن يقلعوا سنه ” (مادة 20) وجاء في شريعة موسى ” وإذا حصلت أذية تُعطى نفساً بنفس. وعيناً بعين وسناً بسن ويداً بيد ورجلاً برجل. وكيَّاً بكي وجُرحاً بجرح ورضاً برض ” (خر 21 : 23 – 25) وتكرر المعنى في (لا 24 : 17 – 21، تث 19 : 21).
م – عقوبة الضرب الذي يفضي للإجهاض : جاء في شريعة حمورابي ” إذا سيد ضرب بنت سيد فسبب لها الإجهاض، فعليه أن يدفع عشرة شيقلات من الفضة لإسقاط جنينها ” (مادة 209) بينما شريعة موسى جعلت زوج المرأة هو الذي يحدد قيمة التعويض ” فإذا تخاصم رجال وصدموا إمرأة حبلى فسقط ولدها ولم تحصل أذبة يُغرم كما يضع عليه زوج المرأة ويدفع عن يد القضاة ” (خر 21 : 22).
ن – عقوبة الثور النطَّاح وصاحبه : جاء في شريعة حمورابي ” إذا نطح ثور في أثناء سيره في الشارع رجلاً، فلا وجه لتقديم مطالبات من أي نوع. أما إذا كان الثور نطَّاحاً من قبل، وتبينت لصاحبه هذه الحقيقة ومع ذلك لم يكسر قرونه أو يربطه، فإذا نطح هذا الثور رجلاً حرَّاً فقتله، فعلى صاحب الثور أن يدفع ثلاثين شاقلاً من الفضة. أما إذا نطح عبداً فيعطى سيده عشرين شاقلاً من الفضة ” (مادة 250 – 252) أما الحكم على صاحب الثور النطاح فقد جاء مختلفاً في شريعة موسى التي نصت على قتل الثور النطاح لإظهار قدسية النفس البشرية، وإن كان القتيل حراً يُقتل صاحب الثور، أما إن كان القتيل عبداً فإن صاحب الثور يدفع 30 شاقل فضة لصاحب العبد ” إذا نطح ثور رجلاً أو إمرأة فمات يرجم الثور ولا يؤكل لحمه. وأما صاحب الثور فيكون بريئاً. ولكن إن كان الثور نطَّاحاً من قبل وقد أُشهد على صاحبه ولم يضبطه فقتل رجلاً أو إمرأة فالثور يرجم وصاحبه أيضاً يقتل .. أن نطح الثور عبداً أو أمة يعطى سيده ثلاثين شاقل فضة والثور يُرجم ” (خر 21 : 28 – 32).
(راجع دائرة المعارف الكتابية جـ 3 ص 177 – 179، الأب سهيل قاشا – التوراة البابلية ص 164 – 175، ودكتور جون ألدر – الإحجار تتكلم).
3- يرجع التشابه بين الشريعتين (شريعة حمورابي وشريعة موسى) إلى أنهما يناقشان نفس الموضوع، وفي منطقة جغرافية متشابهة، وفي مدى زمني متقارب0 ولذلك ليس عجيباً أن تأتي الأحكام متقاربة أو متطابقة.
4- ما المانع أن يستخدم روح الله ما هو متاح ومتعارف عليه، طالما أنه يتمشى مع الحق الإلهي، فيقول الأرشيدياكون نجيب جرجس ” نلاحظ أن بعض هذه الأحكام كان معمولاً به قبل عهد موسى0 ذلك عن طريق التقليد الروحي الذي أخذته الشعوب عن الآباء المؤمنين. وعن طريق الشريعة الأدبية التي جعلها الله في صدور البشر ” (1).
ويقول المهندس ممدوح شفيق ” قد حاول البعض إرجاع أصل الوصايا العشر إلى قوانين حمورابي .. ونحن بالتالي نؤكد أن الشريعة التي أُعطيت لموسى لم تنبت من فراغ بل هي إستكمال وإضافة وسمو بما هو موجود، فروح الله يعمل في الإنسان في كل زمان ومكان، ودارسو الشرائع يعلمون أن أي قانون يبدأ مما تعارف عليه الناس من معايير للخطأ والصواب، فضلاً عن تشابه الظروف الحياتية لشعوب الشرق القديم، ولكننا لن نجد أبداً، مهما بحثنا في تراث الشرق القديم، شريعة متكاملة ومفصَّلة وشاملة لكل جوانب الحياة كما سنرى الجزء الأكبر من الشرائع أصيل تماماً ليس له مثيل في ما كان شائعاً في العادات القديمة ” (1).
وجاء في جريدة وطني ” أن النبي موسى أقتبس من المصنفات المصرية ما دوَّنه في الكتب المقدسة من قواعد علم الصحة .. وهذا الإقتباس العلمي لا يجرح عصمة الكتاب المقدَّس في شئ البتة، لأن العلوم البشرية اليقينية معلولة للعقل، والعقل بالتالي معلول لله، ولهذا وافق عليه الوحي الإلهي وأيده لأنه وفق مشيئته الصالحة ” (2).
ولذلك نحن لا نُصطدم على الإطلاق من أي تشابهات بين ما هو مدون من شرائع في التوراة وأي شرائع أخرى سواء مصرية أو بابلية، كما أننا لا نقر جيمس هنري برستيد الذي قال ” لقد كان يوماً أسود على إحترامي المواريث للعقيدة الدينية القائلة ” بنزول الوحي ” حينما بدأت عندي تلك التجربة النفسية0 بل قد ظهرت أمامي تجارب أشد إقلاقاً لنفسي، وذلك عندما كشفت وأنا مستشرق مبتدئ أن المصريين كان لهم مقياس أسمى بكثير من الوصايا العشر، وأن هذا المقياس ظهر قبل أن تُكتب تلك الوصايا بألف سنة ” (3).
ومن المناسب أن نذكر أن السيد المسيح في ظهوره لشاول أستخدم المثل اليوناني الشهير ” صعب عليك أن ترفس مناخس ” (أع 26 : 14) وقد إستشهد بولس الرسول عدة مرات بأقوال بعض الفلاسفة اليونان فمثلاً :
أ – عندما دخل أثينا، ووجد مذبحاً مكتوب عليه لإله مجهول، أستخدم هذا في الكرازة قائلاً ” فالذي تتقونه وأنتم تجهلونه هذا أنا أنادي لكم به. الإله الذي خلق العالم وكل ما فيه .. لأننا به نحيَّا ونتحرَّك ونوجد كما قال بعض شعرائكم أيضاً لأننا أيضاً ذريته ” (أع 17 : 23 – 28).
ب – أستخدم بولس الرسول المثل المعروف ” فإن المعاشرات الرديئة تفسد الأخلاق الجيدة ” (1كو 15 : 13) وغالباً هذا المثل مأخوذ من قصيدة مناندومن ثايس.
جـ- أستشهد بولس الرسول في رسالته لتيطس بقول الشاعر الكريتي ” أفيمنيدس ” الذي كان عندهم بمثابة نبي فقال ” قال واحد منهم. وهو نبي لهم خاص. الكريتيون دائماً كذابون وحـوش رديئة بطـون بطالة. هذه الشهادة صادقة ” (تي 1 : 12، 13).
5 – إن كان هناك تشابهات بين شريعة موسى وشريعة حمورابي، إلاَّ أنه يوجد خلافات أيضاً، ومن الملاحظ أن شريعة موسى فاقت شريعة حمورابي، التي لم تهتم إلاَّ بالجانب البشري وعلاقة الإنسان بالمجتمع، بينما إهتمت شريعة موسى بعلاقة الإنسان بخالقه أولاً، ثم علاقته بالآخرين، لذلك جاءت الأربع وصايا الأولى من الوصايا العشر تخص علاقة الإنسان بالله، بينما إهتمت الوصايا الست الأخيرة بعلاقة الإنسان بالآخرين وبينما إهتمت شريعة موسى بكثير من الوصايا مثل ” لا تسب الله. ولا تلعن رئيس شعبك. لا تؤخر ملء بيدرك وقطر معصرتك وأبكار بيتك تعطيني. كذلك تفعل ببقرك وغنمك سبعة أيام يكون مع أمه وفي اليوم الثامن تعطيني إياه، وتكونون لي إناساً مقدسين ولحم فريسة في الصحراء لا تأكلوا للكلاب تطرحونه ” (خر 22 : 28 – 31) فإن شريعة حمورابي خلت من مثل هذه الوصايأ. وأيضاً أعطت شريعة موسى قيمة أسمى للحياة الإنسانية، فيقول ” ج0 ت مانلي ” G. T. Manley في مقارنته بين الشريعتين ” والشرائع الخاصة بالقتل وغيرها من بعض الشرائع الأخرى الواردة في التثنية تعالج العادات القديمة جداً، فتوافق على بعضها، وتعدل البعض الآخر، وبمقارنة هذه الشريعة بشريعة حمورابي والشرائع السامية القديمة نجد بعض أوجه الشبه، ولكن شريعة موسى تضع قيمة أسمى للحياة البشرية .. وتضع مستوى أعلى لمحبة الله ومحبة الغريب ” (1) لقد إهتمـت شريعة حمورابي بالممتلكات، وأعتبرت المال كل شئ في الحياة، بينما إهتمت شريعة موسى بالإنسان، وأعتبرت الفرد أهم شئ في الحياة.
6- لا نجد مثيلاً للوصايا العشر بإيجازها وعمقها في شريعة حمورابي، مما دفع البعض للقول بأن هذه الوصايا العشر أُخذت من كتاب الموتى المصري، فيقول زينون كوسيدوفسكي ” من المبرهن عليه أن أقدم القوانين الإسرائيلية المذكورة في كتاب العهد مسروقة من تشريعات شعوب قديمة أخرى ومصاغة على النمط الإسرائيلي0 وقد كشف العالِم الألماني ” أ. آلت ” في كتابه ” مصادر القانون الإسرائيلي ” النقاب عن علاقة القوانين الإسرائيلية بتشريع حمورابي، وكذلك بقوانين وتشريعات الحثيين والآشوريين والمصريين والكنعانيين. وحتى الوصايا العشر لا تعتبر نتاجاً إسرائيلياً نقيأ. فقد قارن المؤرخ الإيطالي ” جوزيبي ريتشيوفي ” مؤلف كتاب ” تاريخ إسرائيل ” بدقة متناهية مجموعة من النصوص القديمة فاكتشف أن للوصايا العشر شبيهاً، بل قرائن في كتاب الأموات المصري، وفي النص البابلي شوربو0 إذاً وهنا إستخدم مؤلفو التوراة أيضاً تراث ما بين النهرين ومصر ” (1)0 فإن كان هناك تشابهاً بين الوصايا العشر وكتاب الموتى، ولكن لا يوجد تطابق.
7- خلت شريعة حمورابي من الدوافع الدينية، ولم تعر إهتماماً للخطايا والشهوات والأنانية ومحبة القريب، بينما إهتمت شريعة موسى بكل هذا (راجع القس صموئيل مشرقي – مصادر الكتاب المقدَّس ص 113) وأيضاً خلت شريعة حمورابي من طقوس العبادة والذبائـح .. إلخ كما خلت هذه الشريعة أيضاً من محبة وحماية الغرباء، والإهتمام بالضعيف والفقير، والرفق بالحيوان حتى حيوانات الأعداء، والتحذير من ترك بئر مفتوح لئلا يسقط فيه ثور أو حمار (خر 21 : 33، 34).
8- قسمت شريعة حمورابي المجتمع إلى إناس أحرار وإناس عاديين، وفرقت في العقوبة بينهما، فبالنسبة للأحرار جعلت العقوبة من جنس العمل، فمثلاً ” إذا فقأ رجل حر عين رجل حر آخر، تُفقأ عينه. إن كسر عظم إنسان حر، يُكسر له عظمه ” (مادة 196، 197) أما إذا حدث الضرر مع إنسان عادي فإنه يعوض بالمال ” إذا فقأ إنسان حر عين رجل عادي، يدفع وزنه من الفضة ” (مادة 198) ” وإن كسر سن إنسان عادي، يدفع ثلث وزنه من الفضة ” (مادة 201).
9- جاءت العقوبات في قوانين حمورابي أقسى بكثير من مثيلاتها في التوراة، فمثلاً جاء في شريعة حمورابي إذا عالج طبيب شريفاً بمبضع .. وسبب تلف عينه تقطع يد الطبيب، وكاهنة المعبد التي تبيع الخمور تُحرق، ومن يشعل النار في ممتلكات الغير يُحرق، ومن يغش الخمور يُقتل، والزوجة التي تهجر بيتها في غياب زوجها تموت غرقاً، ولسان النمام يُقطع (راجع د. جون ألدر – الأحجار تتكلم).
10- تأمر شريعة حمورابي بقتل الإنسان البرئ بسبب خطأ إنسان آخر، فمثلاً الدائن الذي قتل أحد أبناء المدين يُقتل إبنه (مادة 116) ومن يضرب إمرأة فيجهضها يقتل إبنه (مادة 210) ومن بنى بيتاً فسقط على إبن صاحب البيت وقتله، يقتل إبن الذي قام بالناء رغم أنه برئ ولم يشارك أبيه العمل، وإذا ضرب سيد إمرأة حامل فماتت تُعدم إبنته (مادة 210).
11- شتان بين يهوه الإله الحقيقي وبين شمس كإله ليس له وجود إلاَّ في مخيلة البابليين، فقد تعامل موسى مع الله، وسمع صوته المنبعث من نار العليقة، وتكلم معه وجهاً لوجه، وإنفرد معه في الجبل مرتين، كل مرة إستمرت أربعين يوماً، وتسلم منه لوحي الوصايا مرتين، وأينما كان موسى يصرخ له كان يستجيب له بعمل إعجازي. أما الإله شمس فلا تجده إلاَّ في مخيلة البابليين، فجاء في الأناشيد البابلية ” ياشماش أنت الذي لا يفلت من شباكك شرير .. ولا يفر من فخك خاطئ .. أما من يحنث في يمينه فإنك تعجل له العقاب .. ومن لا يحترم كل مقدَّس فلن يستطع الفرار منك .. شباكك العريضة مطروحة لمن يقترب الشر .. ولمن يرفع بصره إلى زوجة رفيقه .. إذا أشهرت سلاحك عليه فلا منجي له .. فإذا وقف أمام المحكمة فليس في إستطاعة أحد مساعدته ولو كان والده .. ” (1).
12- وإن قال كثير من النُقَّاد أن موسى النبي إستمد شريعته من شريعة حمورابي، فإن الدكتور أحمد حجازي السقا له رأي بعكس هذا، فيقول ” وقد عرف حمورابي شريعة موسى، من تجـوال علمـاء بني إسرائيل بها في الأرض لقوله تعالى { واورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها } .. ونقوش حمورابي هذه كانت شريعة أرض كنعان في زمن الآباء – اليهود الأوائل – وإن قال قائل أن تواريخ بني إسرائيل تدل على أن حمورابي أسبق في الزمان عن موسى. نقول له : إن تواريخ بني إسرائيل متعارضة مع نصوص في التوراة ” (1) والحقيقة الأولى أنه لا يوجد تضارب بين تواريخ بني إسرائيل وبين نصوص التوراة، والحقيقة الثانية أن حمورابي كان أسبق من موسى النبي، فحمورابي عاصر إبراهيم أب الآباء، والحقيقة الثالثة أن موسى النبي لم يستمد شريعته من شريعة حمورابي .
(1) التوراة البابلية ص 27
(2) المرجع السابق ص 192
(1) تفسير الكتاب المقدَّس – سفر الخروج ص 236
(1) سياحة في العهد القديم ص 76
(2) جريدة وطني في 19/5/1996م ص9
(3) ترجمة د. سليم حسن – فجر الضمير ص 1.
(1) تفسير الكتاب المقدَّس – الجزء الأول – مركز المطبوعات المسيحية ص 453
(1) ترجمة محمد مخلوف – الأسطورة والحقيقة في القصص التوراتية ص 137
(1) برستيد – فجر الضمير ص 366
(1) نقد التوراة ص 112